بيل جيتس واستثمار فى اللقاحات
بيل جيتس واستثمار فى اللقاحات


«بيل وميليندا».. الاستثمار فى أوجاع البشر

العمل الخيرى طريقه نحو السلطة وصناعة القرار

آخر ساعة

الأحد، 21 فبراير 2021 - 03:46 م

تنبأ وتحققت نبؤاته.. انتشر الوباء سريعًا وبات جائحة عالمية، حصدت الأرواح وتركت آخرين فى انتظار مصيرهم، البشرية مهددة ولا وجود لعلاج، واقع مرير عاشه العالم منذ نهاية عام 2019 وحتى الآن؛ موجة أولى شرسة وثانية أشد ضراوة وتوقع بموجة ثالثة فى أبريل القادم مع ظهور سلالات جديدة، لقاحات حاصلة على مصادقة للاستخدام فى حالات الطوارئ، فى إطار التجارب السريرية وانتظار لإثبات فاعليتها، لا أحد يعرف متى سينتهى هذا الكابوس أو كيف سينتهى سوى عملاق التكنولوجيا بيل جيتس.
منذ تفشى كورونا وحتى الآن، يتصدر الملياردير الأمريكى ومؤسسته "بيل وميليندا جيتس" الخيرية المشهد، حيث تعهد بالتخلى عن جزء من ثرواته لمكافحة الفيروس، لتمويل تطوير وإنتاج اللقاحات؛ حيث استثمرت مؤسسته حتى الآن 1٫75 مليار دولار فى أبحاث جميع اللقاحات التى تم التوصل إليها وتصنيعها، سيطرة كاملة أو شراكة فى كل ما يتعلق بالوباء، وفى الخطاب السنوى لمؤسسته، قال إن البشرية يجب أن تخصص عشرات المليارات سنويًا للاستعداد للأوبئة، وأعرب عن مخاوفه من الإرهاب البيولوجى وتصنيع الفيروسات التى ستكون خطرًا على العالم.

الأقاويل الكثيرة عن الدور الخفى الذى تلعبه مؤسسته؛ لا يستطيع أحد تأكيدها أو نفيها، هل هى شائعات أم حقيقة.. ولكن مع ترتيب الأحداث وربطها بالتصريحات والنظر إلى توقيت ظهور تلك الأمراض يمكن استخلاص النتائج والحقائق.
أنشأ جيتس تحالفات عالمية بهدف إيجاد مشاكل صحية، ومن ثم يستخدم نفوذه وأمواله لفرض الحلول، وفى هذه العملية، يصبح أكثر ثراءً، عكس المتوقع فإن ثروته الصافية تزداد كل عام منذ 2009 حتى وصلت عام 2021 إلى ما يقرب من 120 مليار دولار، فعمله الخيرى ليس مجرد رأسمالية خيرية، بل إمبريالية خيرية، وفقًا للناشطة البيئية والباحثة الهندية، "فاندانا شيفا" فى تحقيقها بموقع "إندبندنت ساينس نيوز"، والتى قالت: "لقد كشفت الجائحة والإغلاق، كيف يتم تحويل البشر إلى أشياء يجب السيطرة عليها، بالتحكم فى أجسادهم وعقولهم كمستعمرات جديدة يجب غزوها، وبالفعل انتشرت جائحة عالمية شبيه بالإنفلونزا هو أمر قضى جيتس ومؤسسته سنوات فى التحضير له".
فى عام 2017 خلال منتدى دافوس الاقتصادى العالمي، أطلق جيتس تحالفا من أجل ابتكارات التأهب للأوبئة CEPI فى أوسلو، بتعهد مبدئى بقيمة 100 مليون دولار، جنبًا إلى جنب مع حكومات النرويج والهند واليابان وألمانيا، بالإضافة إلى مؤسسة Wellcome Trust من المملكة المتحدة، والغرض المعلن منه هو "تسريع تطوير اللقاحات التى نحتاجها لاحتواء تفشى الأوبئة فى المستقبل، ولكن بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، كان بهدف الاستثمار فى الأدوية واللقاحات التجريبية، الذى بدأ شغفه بها فى أواخر تسعينيات القرن الماضي، وبحلول عام 2019، كان جيتس ومؤسسته قد بدأوا سيناريوهات الوباء الخاصة بهم، بنشر مقطع فيديو على Netflix  قبل أسابيع من سماع العالم عن الخفافيش وسوق الرطب الحى فى ووهان بالصين.
وفى أكتوبر من العام نفسه، تعاونت مؤسسة جيتس مع المنتدى الاقتصادى العالمى ومركز "جونز هوبكنز" للأمن الصحى لسن ما أطلقوا عليه محاكاة سيناريو "خيالي" يشارك فيها بعض الشخصيات الرائدة فى العالم فى مجال الصحة العامة، والذى كان بعنوان الحدث 201.
وفى هذا السيناريو، ينشأ المرض فى مزرعة خنازير فى البرازيل، وينتشر فى المناطق الفقيرة ويتفشى حتى يصبح جائحة، وينتقل المرض عن طريق السفر الجوى إلى البرتغال والولايات المتحدة والصين وخارجها إلى درجة لا يمكن لأى بلد السيطرة عليه، يفترض السيناريو عدم توفر لقاح محتمل فى السنة الأولى؛ ونظرًا لأن جميع السكان معرضون للإصابة بالوباء، خلال الأشهر الأولى من الجائحة، فإن العدد التراكمى للحالات يزداد أضعافًا مضاعفة، ويتضاعف كل أسبوع، ثم ينتهى السيناريو بعد 18 شهرًا عندما تسبب الفيروس الخيالى فى وفاة 65 مليون شخص، ويبدأ الوباء فى الانحسار بسبب تناقص عدد الأشخاص المعرضين للإصابة به، ويستمر الوباء بمعدل معين حتى يتوفر لقاح فعال أو حتى يصيب 80-90% من سكان العالم.
ما سبق يؤكد أن جيتس كان لديه انشغال ملحوظ بإمكانية تفشى جائحة عالمية، وكان يحذر منذ خمس سنوات أو أكثر منها قائلًا إنه قد تكون الوفيات أكبر من الإنفلونزا الإسبانية الغامضة عام 1918.
وقامت المؤسسة، التى تضم 1600 موظف، بتمويل الباحثين الأكاديميين، وتثبيت مديريها التنفيذيين فى مجالس إدارات العديد من المنظمات غير الربحية واستثمرت بشكل مباشر فى شركات الأدوية؛ مثل شركة "بيوتنيك" الألمانية، التى حصلت على استثمار بقيمة 55 مليون دولار فى سبتمبر 2019، كما مولت المؤسسة أيضًا تطوير لقاحات جديدة باستخدام تقنية "كريسبر" للتعديل الجيني؛ حيث تلقت شركة "إينوفيو" الأمريكية للأدوية، والمنتجة للعقاقير المناعية 9 ملايين دولار من تحالف CEPI، لتطوير لقاح، INO-4800  ضد كورونا، الذى تم الإعلان عنه فى أبريل الماضي، وهو إطار زمنى سريع مريب.
كما منحت مؤسسة جيتس الشركة مبلغًا إضافيًا 5 ملايين دولار لتطوير جهاز ذكى خاص لحقن اللقاح الجديد داخل الأدمة، إحدى طبقات الجلد، كما تم تمويل تطوير طريقة لقاح جديدة جذرية تعرف باسم تكنولوجيا mRNA، مثل لقاحى "فايزر ــ بيوتنيك"، وموديرنا، بالشراكة مع شركة تكنولوجيا حيوية ‏فى ‏‏‏كامبريدج، ماساتشوستس، وشريكها المعهد الوطنى الأمريكى للحساسية والأمراض المعدية (NIAID)، والذى يعمل تحت مظلة معاهد الصحة الوطنية (NIH)، ومديره "أنتونى فاوتشي"، والمسئول عن مكافحة الوباء فى إدارة الرئيس الأمريكى السابق "دونالد ترامب"، وقد تم طرح لقاح موديرنا mRNA-1273، فى غضون أسابيع من تفشى الوباء؛ حيث دخل مراحل الاختبارات الأخيرة فى 24 فبراير الماضي.
مؤسسة جيتس والهيئات ذات الصلة مثل تحالف CEPI وتحالف اللقاحات الدولى "جافى"، المنظمة غير الربحية التى ساعدت مؤسسته فى تأسيسها، هم أكبر ممولين لمنظمة الصحة العالمية،  ومديرها الحالي، تيدروس أدهانوم، أول مدير فى التاريخ المنظمة ليس طبيباً، والذى عمل لسنوات فى مجال فيروس نقص المناعة البشرية مع مؤسسة جيتس عندما كان تيدروس وزيرًا حكوميًا فى إثيوبيا، لقد أنفقت مؤسسته أكثر من 16 مليار دولار على برامج اللقاحات، وربع هذا المبلغ على جافى، ومنحت 2٫25 مليار دولار للصندوق العالمى لمكافحة الإيدز والسل والملاريا.
ووفقاً للصحيفة "واشنطن تايمز" الأمريكية، تحت عنوان "بيل جيتس وصراعات المصالح"، لم تعلن منظمة الصحة العالمية أن كورونا وباء حتى دق جيتس ناقوس الخطر بشأن الفيروس التاجي، واصفا إياه بأنه "جائحة"، على الرغم أن المنظمة لم تصنفه حتى ذلك الوقت، حينها التزمت مؤسسته الخيرية بالتبرع بـ50 مليون دولار بالتعاون مع مؤسسة Wellcome Trust وماستركارد العالمية ليصل الإجمالى إلى 125 مليون دولار أمريكى لتمويل الشركات التى تطور علاجات للفيروس.
بدأت المؤسسة فى بناء معهد ينافس دور المنظمة فى المقاييس الصحية، فالإمبراطورية الخيرية لجيتس واسعة ومتنامية؛ حيث تركز داخل الولايات المتحدة، فى المقام الأول على "إصلاح التعليم"، وتستهدف العالم النامى وتتجه نحو الأمراض المعدية، والسياسة الزراعية، والصحة الإنجابية، والزيادة السكانية.
فى عام 2010، مولت مؤسسة جيتس تجربة المرحلة الثالثة من لقاح الملاريا الذى طورته شركة أدوية كبرى، التى تدير العلاج التجريبى لآلاف الرضع عبر سبع دول أفريقية، وأعلنت الشركة بالتعاون مع جيتس نجاح التجارب، وأعادت الصحافة الشعبية نشر الدعاية دون انتقاد، ولكن كشفت دراسة دقيقة عن أن التجارب أسفرت عن 151 حالة وفاة وتسببت فى "آثار سلبية خطيرة"، مثل الشلل والنوبات والتشنجات الحموية، فى 1048 من 5949 طفلًا تتراوح أعمارهم بين 5 و 17 شهرًا، كما ظهرت قصص مماثلة فى أعقاب حملة MenAfriVac  الممولة من جيتس فى تشاد، حيث زعمت تقارير غير مؤكدة أن 50 من أصل 500 طفل تم تطعيمهم بالقوة ضد التهاب السحايا أصيبوا بالشلل فيما بعد.
وقد حظيت الأدوية الخطرة التى فشلت فى الأسواق الغربية باهتمام مماثل من مؤسسة جيتس، مثل أدوية مانع الحمل التى تستخدم تحت الجلد وتعمل على تعقيم النساء لمدة تصل إلى خمس سنوات، تم سحبها من السوق الأمريكية بعد أن رفعت 36 ألف امرأة دعوى قضائية بسبب الآثار الجانبية الشديدة التى لم تكشف عنها الشركة، إلا أنه تم تعديلها وإعادة تسميتها، والآن يتم الترويج لنفس الدواء بشكل كبير فى أفريقيا من قبل USAID، ومؤسسة جيتس، والشركات التابعة لها. تشير دعاية المؤسسة إلى أن دعمها لعقار مصدق عليه هو مجرد استجابة لنداءات النساء الفقيرات.
ووفقاً لمجلة "ذى ناشين" الأمريكية، فقد أثبت جيتس أن هناك طريقاً أسهل بكثير يؤدى إلى السلطة السياسية؛ وهو العمل الخيري، الذى يسمح للمليارديرات غير المتواجدين فى السلطة بتشكيل السياسة العامة ليس لدولة فقط بل للعالم أجمع. وكما نرى أنه لا يوجد عمليًا أى أخبار أو قرارات تتعلق بالجائحة أو أى تمويل لأبحاث متعلقة بالفيروسات والأوبئة دون العثور على آثار أقدام جيتس المنتشر فى كل مكان. إذا كان هذا فى صالح البشرية أو لأسباب تدعو للقلق، فستخبرنا الأيام.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة