كنيسة البازيليك بحى مصر الجديدة
كنيسة البازيليك بحى مصر الجديدة


بعد تصريحات الوزير فى البرلمان

أثريون: ما الذى يعوّق تسجيل كنيسة البازيليك؟

بوابة أخبار اليوم

الإثنين، 22 فبراير 2021 - 12:32 م

كتب: شهاب طارق

خلال الجلسة العامة لمجلس النواب استفسر بعض نواب البرلمان من الدكتور خالد العنانى وزير السياحة والآثار عن وضع كنيسة البازيليك بحى مصر الجديدة، وقال الوزير: «كنيسة البازيليك ليست أثرا، أنا اللى منورها بالليل رغم إنها مش تبعى». إجابة لم ترض المتخصصين فى الآثار والتراث والذين تساءلوا عما ينقص الكنيسة لتسجلها الوزارة؟! 
لكن ما لا يعرفوه أنه مع بداية القرن الحالى سجلت وزارة الآثار وتحديدًا من عام ٢٠٠١ وحتى عام ٢٠١٠ حوالى ١٢٠ مبنى أثريا قائما  باتوا فى عداد الآثار الإسلامية، ومن عام ٢٠١١ إلى عام ٢٠٢٠ لم تسجل الوزارة سوى ما يقرب من الـ٢٠ مبنى فقط! رغم أن كثيرا من الآثار الإسلامية والقبطية قد أخذت موافقة اللجنة الدائمة
للآثار الإسلامية والقبطية لتسجيلها منذ سنوات، إلا أن القرار الوزارى لم يصدر حتى الآن!

كنيسة البازيليك تحفة معمارية بدأ بناؤها عام ١٩١١، وهى من تصميم المعمارى ألكسندر مارسيل، حيث تم وضع حجر أساسها بحضور ملك وملكة بلجيكا، ولعل أحد أهم الدراسات التى  وثقت لكنيسة البازيليك هى التى قام بها الدكتور محمد صلاح مدير عام الشئون الآثرية بوزارة الآثار والتى كانت بعنوان «الطرز المعمارية والفنية للعمائر حى مصر الجديدة آبان النصف الأول من القرن ١٤هـ ٢٠م» الدكتور محمد حمزة الحداد العميد الأسبق لكلية الآثار بجامعة القاهرة وأستاذ العمارة والفن الإسلامى قال إنها نموذج مصغر من كنيسة آيا صوفيا بإسطنبول، أما البازيليك فهو أقدم طراز معمارى أسست عليه الكنائس المسيحية فى العالم، بصفة عامة وفى مصر بصفة خاصة، حيث توجد فى مصر ثلاثة طرز لتصميم الكنائس؛ أقدمها الطراز البازيليكى، والطراز البيزنطى الذى يعتمد على القباب وأنصاف القباب، وأخيرًا الطراز القبطى الذى يجمع بين الطراز البازيليكى والبيزنطى، وقد اختلف العلماء فى مصدر الطراز البازيليكى فالبعض قال إنه مقتبس من تصميم قاعات العدل فى العمارة الكلاسيكية أى اليونانية الرومانية، لكن ثبت أن أصل البازيليك هو تخطيط قاعة الأعمدة الضخمة فى المعابد المصرية القديمة؛ مثل معبد الكرنك، وهى القاعة التى تحوى على ثلاثة أروقة، وهذا هو جوهر التخطيط البازيليكى، وهذا الأمر نجده فى الكنائس الموجودة بمجمع الأديان، لكن أحيانًا فى الطراز المصرى كانوا يضيفون رواقا رابعا مثل الموجود فى الكنيسة المعلقة بمصر القديمة؛ ومعنى ذلك أن العمارة اليونانية والرومانية قد أخذت أصولها المعمارية من العمارة المصرية القديمة، ما يعنى أن هذا النوع من التخطيط كان أصله مصريا انتقل من مصر إلى بلاد اليونان وروما، ثم جاء إلى مصر، مرة ثانية فى ثوب جديد بعد اعتناق المسيحية، وبدأت عمارة الكنائس وفق هذا الطراز، إلى أن تم صبغ كل إقليم من الأقاليم التابعة للدولة الرومانية المتأخرة، أو الدولة البيزنطية المتقدمة للنمط المحلى السائد كما حدث فى مصر من مزج بين الطرازين وإخراج طراز مصرى يجمع بينهما.
أضاف الحداد أن هناك ميزة أخرى تنفرد بها كنيسة البازيليك وهى غير موجودة فى الكنائس العادية وهى أنه تم استحداث مقبرة للمؤسس بناء على وصيته وهو البارون إمبان، لذلك فقد جعل البارون الشوارع المحيطة بها خالية إلا من الحدائق، وهذا ما توضحه الصور القديمة منذ النصف الأول من القرن العشرين، فقد قصد الرجل أن يجعلها فى قلب مدينته تخليدًا لذكراه ولتمجيده، لكن مع النهضة المعمارية التى حدثت لمصر الجديدة منذ خمسينيات القرن الماضى تغير النسيج البصرى للمنطقة،  فالكنيسة ذات طابع معمارى متميز، وطبقًا لقانون التنسيق الحضارى رقم ١٤٤ لسنة ٢٠٠٦، والقانون ١٩٩ لسنة ٢٠٠٩ فهى جزء من التخطيط الاستراتيجى لحى مصر الجديدة، والتى هى امتداد لمدينة القاهرة فى العصر الحديث، الأمر الثانى هو أن الكنيسة ترتبط بشخصية تاريخية كان لها الدور فى بناء حى مصر الجديدة وإدخال كل المرافق العمرانية.
لكن نحن لدينا مشكلة - كما يضيف الحداد- فالقانون يحدد شرط المائة عام كضرورة للتسجيل، لكن ليس من وقت البناء وإنما «حتى وقت صدور القانون عام ١٩٨٣»! والكنيسة بنيت عام ١٩١١، وهذا بالطبع قانون معيب يجب تغييره، لكنه فى نفس الوقت يعطينا وفقًا للمادة ٢ الحق فى تسجيل الأثر إذا كان ذات قيمة تاريخية أو أدبية أو علمية أو فنية أو ثقافية متميزة، وفى تلك الحالة يجوز تسجيله دون التقيد بالحد الزمنى (١٠٠ عام) ويصدر القرار من جانب رئيس الوزراء بعد عرض الوزير المختص، والأمر حدث عند تسجيل قصر البارون والقصور الرئاسية والمعابد اليهودية التى انشأت فى ثلاثينيات من القرن الماضى، وكذلك ركن الملك فاروق الذى أنشئت فى أربعينيات القرن الماضى، وكذلك محطة القطار الملكية بكفر الشيخ ١٩٢٧، فجميعها سجلت بقرار رئيس مجلس وزراء، لأنهم لم يكملوا مدة المائة عام.
 لذلك أرى أن عدم تسجيل هذه الآثار هى جريمة فى حق التراث وفى حق الثروة الثقافية الموجودة فى البلد، لأنه وفقًا للمادة الثانية من القانون فمن المفترض أن تسجل مصر الجديدة كآثار لأنها ذات قيمة تاريخية وفنية ومعمارية، وبالطبع هناك بعض الأماكن بمصر الجديدة مسجلة آثار، فلماذا نسجل البعض ونترك البعض الآخر ونستثنيه؟ وهذا هو السؤال الذى يجب أن يوجه إلى الوزير، لأن القانون والدستور يعطيه الحق فى تسجيل مبان أثرية دون التقيد بالحد الزمنى لكنه لم يفعل! فالمادة ٤٩ من الدستور تقول: «تلتزم الدولة بحماية الآثار والحفاظ عليها، ورعاية مناطقها، وصيانتها، وترميمها، واسترداد ما استولى عليه منها، وتنظيم التنقيب عنها والإشراف عليه. ويحظر إهداء أو مبادلة أى شىء منها. والاعتداء عليها والاتجار فيها جريمة لا تسقط بالتقادم»، وكذلك المادة ٥٠ التى تقول :«تراث مصر الحضارى والثقافى، المادى والمعنوى، بجميع تنوعاته ومراحله الكبرى، المصرية القديمة، والقبطية، والإسلامية، ثروة قومية وإنسانية، تلتزم الدولة بالحفاظ عليه وصيانته، وكذا الرصيد الثقافى المعاصر المعمارى والأدبى والفنى بمختلف تنوعاته، والاعتداء على أى من ذلك جريمة يعاقب عليها القانون. وتولى الدولة اهتمامًا خاصًا بالحفاظ على مكونات التعددية الثقافية فى مصر».
تراث حائر
الدكتورة مونيكا حنا عالمة الآثار المصرية، والعميدة المؤسسة لكلية الآثار والتراث الحضارى بالأكاديمية العربية للعلوم البحرية قالت إن تسجيل الآثار من واجبات وزير السياحة والآثار "وإذا كانت حجة الوزارة الدائمة أنها لا تملك أموالا للتسجيل وللترميم، فأنا أدعوهم لأن يتوقفوا عن الحفائر لتوفير تلك الأموال المخصصة للاكتشافات الأثرية، وذلك لترميم وتسجيل الآثار غير المسجلة، لأن هذا هو دورهم الرئيسى، وقد ساءنى تصريح الوزير، لأن تسجيل تراث مصر المعمارى لا ينفصل عن تسجيل آثارها المصرية القديمة، فكل قطعة تاريخية هى نتاج أجيال مختلفة وفصلها بالهدم أو بالإهمال هى جريمة لا تختلف عما فعله بنا المستكشفون الأوائل من سرقات لتراثنا الذى يملأ المتاحف الغربية، فللأسف موقف التراث المصرى حائر فى مصر بين وزارة الآثار والسياحة، وهيئة التنسيق الحضارى بوزارة الثقافة وجهاز شئون البيئة للتراث الطبيعى ووزارة الثقافة للتراث المعنوي، وكذلك يقسم التراث الدينى بين وزارة الأوقاف والكنيسة المصرية، ذلك يهدر دم التراث بين القبائل، ويساعد فى حالة من الخلل بالنسبة لإدارة التراث فى الدولة والتى يستفيد منها مافيا المقاولين بالمقام الأول فى عمليات الترميم أو الهدم».
ثروة غير مسجلة
الدكتورة سهير حواس أستاذة العمارة والتصميم العمرانى بقسم الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة قالت إن الدكتور خالد عنانى قال فى مجلس النواب إن الكنيسة غير مسجلة كأثر، لكنه قال بعدها: «لو كل مبنى مرّ عليه مائة عام معنى ذلك أننا سنسجل نصف البلد»، وهذا هو اعتراف ضمنى منه أن لدينا ثروة كبيرة جدًا ومبانى ترقى للتسجيل، لا تستطيع وزارة الآثار تغطيتها بشكل كامل، لكن الأمر الثانى الذى يثير دهشتى هو أن الدكتور خالد وأعضاء مجلس النواب لم يتطرقوا للقانون رقم ١٤٤ من سنة ٢٠٠٦ والذى نص على الحفاظ على التراث المعمارى، لكنه لم يذكر أن البازيليك مسجلة طبقًا للقانون ١٤٤ الذى يخص التراث المعمارى، فهو محق فى أنها غير مسجلة كأثر، لكن يسرى عليها القانون، والذى بناء عليه نسجل المبانى التاريخية والتراثية من خلاله، الشىء الآخر أن مصر الجديدة هى منطقة تراثية مسجلة طبقًا للقانون ١١٩ لسنة ٢٠٠٨، وفقًا للجهاز القومى للتنسيق الحضارى، إذًا من يجب أن تُسأل الآن هى وزيرة الثقافة التى يتبع لها هذا الجهاز، أما وزير الآثار فيسأل فى عدم تسجيل الآثار، فالمشكلة التى بين أيدينا تتبع الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، وهو جهاز حكومى أنشئ لكنه يتم تجاهله فى بعض الأحيان لأن قوانينه غير مفعلة، ولو فعل القانون لما وجدنا مثل هذه المجادلات، ونفس الأمر ينطبق على جزيرة الزمالك، عندما تم وضع حجر أساس لمشروع داخلها دون الرجوع للجهاز القومى للتنسيق الحضارى فى جزيرة لها اشتراطات خاصة، فإذا كان قانون التصالح يسرى على الناس العادية فنحن يجب أن نكون قدوة فى تنفيذ القانون لتطبيقه، لأننا لا نحتاج لقوانين جديدة لكننا نحتاج لتفعيل تلك القوانين. 
من جهته يقول الدكتور عاطف نجيب نائب رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية السابق، وأستاذ القبطيات بجامعة القاهرة ومعهد الدراسات القبطية أن المشكلة نفسها تكررت مع قصر إسماعيل محمد بحى الزمالك، وهو القصر الذى تشغله كلية التربية الموسيقية، ورفض تسجيله لأنه يعود لعام ١٩٠٥ أى أنه لم يمر عليه مائة عام عندما صدر القانون سنة ١٩٨٣، وتكرر أيضا "عندما أردنا حصر الأيقونات المسيحية لتسجيلها، ولم نستطع أن نسجل أيقونات تعود لمطلع القرن العشرين" ويضيف: الدكتور خالد العنانى قال «لو كل بيت مرّ عليه مائة عام هل نحن مطالبون بتسجيل نصف بيوت البلد؟» وردى عليه بالطبع فواجبك هو تسجيل الآثار ما دامت ترقى للتسجيل.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة