محمود الوردانى
محمود الوردانى


كتابة

فى غياب مريد البرغوثى

بوابة أخبار اليوم

الإثنين، 22 فبراير 2021 - 01:17 م

 

محمود الوردانى

 أنت جميلة كوطن محرر/ وأنا متعب كوطن محتل/ أنت حزينة كمخذول يقاوم/ وأنا مستنهض كحرب وشيكة/ أنت مشتهاة كتوقف الغارة/ وأنا مخلوع القلب كالباحث بين الأنقاض
 هكذا خاطب مريد البرغوثى رفيقة عمره رضوى عاشور التى غادرت قبله بست سنوات بعد صراع ضار وأسطورى ضد مرض قاومته طويلا برفقة مريد وتميم ابنهما، وتكررت إشارات الكثيرين على مواقع التواصل الاجتماعى إلى دلالة اليوم الذى غادرنا فيه مريد البرغوثى،وهو يوم عيد الحب، كأنما اختار هو اليوم ليلحق بها، وهو الأمر الذى يؤكد أن زائرى هذه المواقع لاينسون.. لاينسون الأحداث الصادقة والموجعة.
 وعندما أحاول أن أتذكر اللقاء الأخير بين مريد وبينى، أجدنى فى جنازة رضوى عاشور قبل ست سنوات فى مسجد صلاح الدين المجاور للقصر العينى من ناحية، والمطل على كوبرى الجامعة من ناحية أخرى، ومعنا وحولنا عدد كبير من صديقاتها وأصدقائها حيث تمت الصلاة على جثمانها وودعناها للمرة الأخيرة.. ثم رحل مريد وتميم اللذان أمضيا عمرهما بعيدا عن فلسطين، وإن كان أصحابهما قد احتضنوهما طوال سنوات الشتات.
 أما اللقاء السابق على هذا اللقاء مباشرة فهو أثناء ثورة 25 يناير. أظن أنه يوم التنحى على الأرجح. كان بيتهما يطل على شارع هدى شعراوى بجوار وكالة أنباء للشرق الآوسط، أى فى قلب الأحداث ولايفصلهما عن مقر الثورة فى ميدان التحرير إلا خطوات قليلة. وعلى الرغم من مرض رضوى التى كانت قد عادت منذ أيام قليلة من الولايات المتحدة حيث أجرت عملية جراحية خطيرة لمحاصرة الورم اللعين فى رأسها، إلا أنهما أصرّا على النزول. كلاهما خرج مع الجموع فى تلك الليلة. كلاهما كان يشارك فى الهتاف وفى الفرح الشعبى الذى هزّ الجميع .
 خروجهما- رضوى ومريد- فى تلك الليلة مع الناس فى الظروف السالفة الإشارة لها، ومشهد الجنازة السابقة الإشارة له، ربما يلخصان قصة مريد ورضوى معا. قصة فلسطين وقصة الثورة.
 قبل كل هذا وبعده فإن مريد شاعر كبير، وتشكل تجربته الشعرية عبر دواوينه الإثنى عشر تجربة شعرية متفردة وغنية ليس فى الشعر الفلسطينى وحده، بل فى الشعر العربى المعاصر بكامله. قد يكون أقل شهرة، بسبب مواقفه الحادة المستقيمة، واستقلاله الذى تمسك به فى أحلك الظروف. لكنه بالقطع صاحب تجربة كبرى، اكتملت بكتابيه النثريين: "رأيت رام الله"، الذى يقدم فيه شهادته على عودته لقريته دير غسانة بالقرب من رام الله التى ولد فيها عام 1944 وعاش بها، حتى حصوله على الثانوية العامة، ثم سفره للدراسة فى كلية الآداب جامعة القاهرة، ووقف الاحتلال دونه ودون أن يراها- قريته- حتى تسعينيات القرن الماضى فى أعقاب اتفاقيات أوسلو.. فى رأيت رام الله كل الوجع والغضب والحس العميق بمعنى الاحتلال.. معنى أن تكون فى بلدك ويتحكم فيك ويهينك ويعذبك الاحتلال، وهو احتلال عسكرى فظ مجرم وبلطجى.
 أما كتابه الثاني" ولدت هنا ولدت هناك" فهو بعد ذلك بعدة سنوات. فعندما بلغ تميم السن القانونية التى تتيح له الحصول على هويته الفلسطينية، اصطحبه مريد من القاهرة مسقط رأسه فى رحلة جحيمية عبر الحواجز والمعابر، يخضعان للتفتيش ومعرضان للطرد من بلدهما.. وفى تلك الإثناء يقدم مريد تجربة نثرية بلغ فيها الذرا لرحلة الألم والتشريد والشتات لشعب كامل تعرض لسرقة أرضه حرفيا.
 وداعا لمريد البرغوثى وسيبقى لنا شعرك وإنتاجك الثرى ..

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة