العفريتة
العفريتة


مقالات سلماوى الساخرة..

ضحك كالبكاء!

بوابة أخبار اليوم

الثلاثاء، 23 فبراير 2021 - 11:22 ص

رغم‭ ‬أن‭ ‬كتاب‭ ‬"العفريتة"،‭ ‬الصادر‭ ‬مؤخراً‭ ‬عن‭ ‬الهيئة‭ ‬العامة‭ ‬للكتاب،‭ ‬للأديب‭ ‬محمد‭ ‬سلماوي،‭ ‬مُصنف‭ ‬ككتاب‭ ‬ساخر،‭ ‬إلا‭ ‬أنك‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تضحك‭ ‬وأنت‭ ‬تنتقل‭ ‬من‭ ‬مقالٍ‭ ‬لآخر،‭ ‬حيث‭ ‬المرارة‭ ‬تتخلل‭ ‬كل‭ ‬سطر،‭ ‬وكل‭ ‬قضية،‭ ‬وربما‭ ‬لهذا‭ ‬أطلق‭ ‬سلماوى‭ ‬على‭ ‬الكتاب‭ ‬هذا‭ ‬الاسم،‭ ‬فقبل‭ ‬اختراع‭ ‬التصوير‭ ‬الرقمي،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬العفريتة‭ ‬التى‭ ‬تُستنسخ‭ ‬منها‭ ‬الصور،‭ ‬فالأسود‭ ‬فيها‭ ‬أبيض‭ ‬والأبيض‭ ‬أسود،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الألوان‭ ‬المعكوسة‭ ‬كانت‭ ‬تطبع‭ ‬الصورة‭ ‬بشكلها‭ ‬الصحيح،‭ ‬هكذا‭ ‬الأمر‭ ‬فى‭ ‬الكتاب،‭ ‬حيث‭ ‬الضحك‭ ‬كالبكاء،‭ ‬والبكاء‭ ‬كالضحك،‭ ‬والماضى‭ ‬كالحاضر،‭ ‬والحاضر‭ ‬كالماضي،‭ ‬وعبر‭ ‬هذه‭ ‬الثنائيات‭ ‬المعكوسة،‭ ‬تستطيع‭ ‬إدراك‭ ‬الحقيقة‭ ‬الغائبة،‭ ‬والواقع‭ ‬المُر‭.‬

الكتاب‭ ‬يضم‭ ‬مجموعة‭ ‬مقالات‭ ‬كتبها‭ ‬سلماوى‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬ثورة‭ ‬يناير‭ ‬2011،‭ ‬ليفضح‭ ‬بها‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬سائداً،‭ ‬لكنها‭ ‬مقالات‭ ‬تتحدث‭ ‬أيضاً‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬نعانى‭ ‬منه‭ ‬اليوم،‭ ‬مثل‭ ‬مقال‭ ‬اقبل‭ ‬أن‭ ‬ينزل‭ ‬الفاس‭ ‬فى‭ ‬الراسب‭ ‬الذى‭ ‬يتطرق‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬أزمة‭ ‬الإبداع‭ ‬فى‭ ‬مجتمعنا‭ ‬الذى‭ ‬تشغله‭ ‬قضايا‭ ‬أخرى‭ ‬أكثر‭ ‬إلحاحاً‭ ‬مثل‭: ‬هل‭ ‬ندخل‭ ‬دورة‭ ‬المياه‭ ‬بالقدم‭ ‬اليمنى‭ ‬أم‭ ‬اليسرى؟‭ ‬ومثل‭: ‬هل‭ ‬نضع‭ ‬فى‭ ‬إصبعنا‭ ‬عند‭ ‬الزواج‭ ‬خاتماً‭ ‬ذهبياً‭ ‬أم‭ ‬فضياً؟‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬"الكبرى"‭ ‬و"الحيوية"‭ ‬التى‭ ‬يصير‭ ‬الآداب‭ ‬والفنون‭ ‬أمامها‭ ‬بلا‭ ‬هدف‭ ‬أو‭ ‬قيمة‭!‬

وفى‭ ‬مقاله‭ ‬"احذر‭ ‬من‭ ‬أولاد‭ ‬حارتنا"‭ ‬يفضح‭ ‬زيف‭ ‬مشايخ‭ ‬التطرف‭ ‬الذين‭ ‬يهدرون‭ ‬دماء‭ ‬المفكرين‭ ‬والمبدعين‭ ‬دون‭ ‬سندٍ‭ ‬أو‭ ‬منطق،‭ ‬فكما‭ ‬هو‭ ‬المعروف،‭ ‬خاضت‭ ‬رواية‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬رحلة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬تُنشر‭ ‬فى‭ ‬مصر،‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬تجوب‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬بعد‭ ‬ترجمتها‭ ‬للغات‭ ‬عدة،‭ ‬ليظل‭ ‬القارئ‭ ‬المصرى‭ ‬الوحيد‭ ‬الممنوع‭ ‬من‭ ‬قراءتها‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2006،‭ ‬يقول‭ ‬سلماوي‭: ‬"بحثت‭ ‬فى‭ ‬أرشيف‭ ‬الكنيسة‭ ‬القبطية‭ ‬عن‭ ‬رأى‭ ‬معارض‭ ‬لهذه‭ ‬الرواية‭ ‬التى‭ ‬قيل‭ ‬إن‭ ‬بها‭ ‬مساساً‭ ‬باليهودية‭ ‬وبموسى‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬فلم‭ ‬أجد،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الرواية‭ ‬ترجمت‭ ‬إلى‭ ‬العبرية‭ ‬وصدرت‭ ‬فى‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وذلك‭ ‬كله‭ ‬إنما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬يقظة‭ ‬مشايخنا‭ ‬المسلمين‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬بقية‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬أجمع،‭ ‬الذين‭ ‬غفلوا‭ ‬جميعاً‭ ‬عن‭ ‬خطورة‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬وتنبه‭ ‬لذلك‭ ‬مشايخنا‭ ‬وحدهم"‭.‬

"ما‭ ‬الحل‭ ‬إذن‭.. ‬كيف‭ ‬نواجه‭ ‬التعصب؟"‭.. ‬يطرح‭ ‬سلماوى‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬على‭ ‬الكاتب‭ ‬التركى‭ ‬أورهان‭ ‬باموق،‭ ‬الذى‭ ‬أجاب‭: ‬"الديمقراطية‭.. ‬بالمناخ‭ ‬الصحى‭ ‬المفتوح‭.. ‬بالمجتمع‭ ‬المدنى‭ ‬الذى‭ ‬يمثل‭ ‬الأفكار‭ ‬البديلة‭ ‬للتعصب‭ ‬والعنف،‭ ‬فظهور‭ ‬هذه‭ ‬التيارات‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬ليس‭ ‬مجتمعاً‭ ‬صحيحاً،‭ ‬لذلك‭ ‬فالعلاج‭ ‬يكون‭ ‬بإقامة‭ ‬المجتمع‭ ‬الصحى‭ ‬الذى‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والحرية‭ ‬التى‭ ‬هى‭ ‬النقيض‭ ‬للتعصب‭ ‬والإرهابب‭. ‬يؤمن‭ ‬باموق‭ ‬بنظرية‭ ‬فرويد‭ ‬التى‭ ‬تقول‭ ‬بأنك‭ ‬إذا‭ ‬قمعت‭ ‬شيئاً‭ ‬فإنه‭ ‬يعود‭ ‬حتماً‭ ‬للظهور‭ ‬ولكن‭ ‬فى‭ ‬شكل‭ ‬آخر،‭ ‬ويعتقد‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬التركية‭ ‬الحديثة‭ ‬منذ‭ ‬أسسها‭ ‬أتاتورك‭ ‬قد‭ ‬قمعت‭ ‬أشياء‭ ‬كثيرة‭ ‬وأصيلة‭ ‬فى‭ ‬المجتمع‭ ‬التركي،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬أسباب‭ ‬ظهور‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسى‭ ‬فى‭ ‬تركيا‭.‬

لكنه،‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬أوتى‭ ‬من‭ ‬فكر‭ ‬مستنير،‭ ‬ظلت‭ ‬الأفكار‭ ‬الرجعية‭ ‬تؤرق‭ ‬محمد‭ ‬سلماوي،‭ ‬فهو‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬يملك‭ ‬تمثال‭ ‬"الفلاحة"‭ ‬للفنان‭ ‬محمود‭ ‬مختار،‭ ‬الذى‭ ‬لم‭ ‬يصنع‭ ‬منه‭ ‬إلا‭ ‬نسخة‭ ‬واحدة‭ ‬عرضها‭ ‬فى‭ ‬معرضه‭ ‬المشهور‭ ‬فى‭ ‬باريس‭ ‬عام‭ ‬1947‭ ‬ثم‭ ‬استقر‭ ‬بها‭ ‬المقام‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬فى‭ ‬بيت‭ ‬سلماوي،‭ ‬بجوار‭ ‬مكتبته،‭ ‬ولأن‭ ‬فتاوى‭ ‬تحريم‭ ‬التماثيل‭ ‬تطفو‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬لآخر،‭ ‬كان‭ ‬يتخيل‭ ‬كثيراً‭ ‬الملائكة‭ ‬وهى‭ ‬تأبى‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬بيته،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬ينتهى‭ ‬به‭ ‬الأمر‭ ‬أو‭ ‬بأولاده‭ ‬إلى‭ ‬عبادة‭ ‬التمثال‭ -‬أو‭ ‬الصنم‭- ‬رغم‭ ‬اعتقاده‭ ‬فيما‭ ‬كتبه‭ ‬إمام‭ ‬الإسلام‭ ‬الأكبر‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬عبده‭ ‬فى‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬الماضى‭ ‬من‭ ‬إشادة‭ ‬بفن‭ ‬النحت‭ ‬الراقى‭ ‬الذى‭ ‬سماه‭ ‬"ديوان‭ ‬الحياة‭ ‬البشرية"‭ ‬ووصفه‭ ‬بأنه‭ ‬"الشعر‭ ‬الساكت"‭.‬

تناول‭ ‬سلماوى‭ ‬فى‭ ‬مقالاته‭ ‬أيضاً‭ -‬بجانب‭ ‬القضايا‭ ‬السياسية‭ ‬والدينية‭ ‬والثقافية‭- ‬القضايا‭ ‬الخاصة‭ ‬بالصحافة،‭ ‬فيقول‭ ‬فى‭ ‬مقاله‭ ‬"بحثاً‭ ‬عن‭ ‬صاحبة‭ ‬الجلالة"‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬فى‭ ‬الصحف‭ ‬الا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بحرية‭ ‬الصحافة،‭ ‬والمكانة‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تحتلها‭ ‬صحفنا‭ ‬بين‭ ‬كبريات‭ ‬الصحف‭ ‬العالمية‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بغياب‭ ‬هذه‭ ‬الحرية‭.. ‬إنها‭ ‬قضية‭ ‬مهنية‭ ‬بحتة،‭ ‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬قواعد‭ ‬مهنية‭ ‬واعتبارات‭ ‬أخلاقية،‭ ‬والآن‭ ‬زالت‭ ‬هذه‭ ‬القواعد"‭. ‬وفى‭ ‬مقاله‭ ‬"أنا‭ ‬أطبل‭.. ‬إذن‭ ‬أنا‭ ‬موجود"‭ ‬يوضح‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الصحفى‭ ‬والمفكر،‭ ‬فالأول‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يبتز‭ ‬الناس‭ ‬ويحصل‭ ‬بذلك‭ ‬على‭ ‬مغانم‭ ‬كثيرة،‭ ‬لكن‭ ‬المفكر‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يعيش‭ ‬على‭ ‬الكفاف،‭ ‬ولا‭ ‬فائدة‭ ‬ترجى‭ ‬منه‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬جريدة‭ ‬أو‭ ‬مؤسسة‭ ‬ثقافية‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬ثقافية،‭ ‬لأن‭ ‬بضاعته‭ ‬راكدة،‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬عليها‭ ‬أحد‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬دور‭ ‬النشر،‭ ‬التى‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تحتاس‭ ‬فى‭ ‬كتبه‭ ‬إذا‭ ‬تورطت‭ ‬فى‭ ‬طبعها،‭ ‬ولا‭ ‬تعرف‭ ‬ماذا‭ ‬تفعل‭ ‬بها،‭ ‬ولذلك‭ ‬نجد‭ ‬هذه‭ ‬الطائفة‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬قد‭ ‬انقرضت‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قرر‭ ‬المجتمع‭ ‬عندنا‭ ‬أن‭ ‬يستغنى‭ ‬عنها‭ ‬وأن‭ ‬يطلق‭ ‬اسمها‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الفئات‭ ‬الأخرى،‭ ‬خاصة‭ ‬الصحفيين‭.‬

ويواصل‭ ‬بسخريته‭ ‬اللاذعة‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬أحدهم‭: ‬االمفكر‭ ‬الحق‭ ‬إنسان‭ ‬منبوذ‭ ‬تقدمه‭ ‬المسلسلات‭ ‬التليفزيونية‭ ‬هو‭ ‬والعالم‭ ‬والعبقرى‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬مجنون،‭ ‬وأنا‭ ‬لست‭ ‬مجنوناً،‭ ‬بل‭ ‬إنسان‭ ‬عاقل‭ ‬ينفى‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬تهمة‭ ‬التفكيرب‭.‬

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة