صورة موضوعية
صورة موضوعية


صرخة يتيم: لا تتركونا فريسة لتقلبات الحياة.. ومطمعا في عيون البشر

جودت عيد

الخميس، 25 فبراير 2021 - 08:51 م

هل تدرك ما معنى ان تكون يتيما وعمرك لا يتجاوز 8 أعوام؟، ماذا ستشعر عندما يعزيك الناس في أبيك وبعدها بعامين في والدتك؟، مازلت صبيا أقصى أمانيك اللعب في الشارع، وتبادل الابتسامات دون أن تدرى ماذا يحدث حولك.

اخبرني يا سيدي.. هل هناك من قرائك استيقظ ليجد نفسه يعيش وحيدًا لا عائل له سوى حسنات من الكلام والشفقة من الجيران.

ألا تعلم أنني تجاوزت الآن 15 عامًا، ومازلت تائهًا، أسير في شوارع قريتي اتفحص في أوجه الناس، فأكتشف أن نظرات الشفقة والتعاطف التي عايشتها عندما أصبحت يتيما اختفت، واستبدلت بنظرات من الحقد على معاش تركه لي أبي وأمي من أجل أن استكمل حياتى بدونهما.

سأكون صريحا فى رسالتى إليك، انا شاب فقدت والدى بعد إصابته بمرض السرطان وعمري لم يتجاوز الـ8 أعوام، ولم ادرك وقتها اننى فقدت العائل والسند والوتد الذي أحتاجه اليوم اكثر من أي وقت مضى، ..لم يمهلنى القدر سوى عامين بعدهما فقدت والدتى فجأة رغم انها كانت بكامل صحتها وشبابها.

مأساة أبي كانت أكبر، فلم يسعد بمولدى رغم أنني كنت الثمرة التي تمناها من الله بعد أن أنجبت والدتي 4 بنات.. سافر إلى السعودية مباشرة وأنا مازلت داخل أحشاء أمى، ظل يعمل لمدة 3 سنوات ويرسل الأموال لنا، وعندما عاد وعمرى قارب على 4 سنوات اكتشف إصابته بفيروس سي، وأصبح فى دوامة العلاج من طبيب إلى آخر، حتى تفاقم مرضه وتلف كبده وتحور هذا الفيرس إلى سرطان نهش جسده، فأبقاه قعيد السرير غير عابئ بما يحدث، حتى وافته المنية دون أن يهنأ بابنه الوحيد الذي انتظره طوال حياته.

أما والدتي فكانت مربية ومعلمة، حرصت على أن تستكمل رسالة أبي فهي مديرة مدرسة، وكان أبي موجه لغة عربية وشيخا صوفيا كريما فى بيته ومع أهل قريته وعطوفًا على الفقراء، فكان بيتنا هو بيت الذكر والتصوف في القرية.. لا أخفيك سرا، أن وفاة أمي أثرت فيّ كثيرا، فقد ادركت وقتها معنى الموت، عندما شاهدت شقيقاتى يبكين بحرقة، ويرددن اسمها كثيرا، فعلمت أن الجناح الثاني الذي كان سيساعدني على التحليق فى هذا المجتمع قد انكسر، ولم يعد هناك من يستطيع أن يحملني ويطير بي في هذا العالم.

أتذكر وقت وفاتها.. كعادتها نامت في القيلولة.. وعندما ذهبت لإيقاظها لم تتجاوب معي، توهمت أنها تداعبني، أمسكت ذراعيها.. سحبتهما إلى خارج الفراش لكنها لم تستجب، أسرعت وناديت على شقيقتي، أحضرت طبيب القرية بسرعة لكن سبق القدر كل امانينا..وفارقت الحياة.. اما شقيقاتى، فقد تزوجن، منهن من سافرت مع زوجها إلى القاهرة،واخرى إلى السعودية والثالثة والرابعة تزوجتا بقرى مجاورة.. وأصبحت وحيدا فى منزل العائلة.

لا أنكر يا سيدي أن أزواج شقيقاتى عرضوا علىّ العيش معهم، لكننى فضلت ان اكون بمفردى، كل بيت لديه اسراره وخصوصياته.. واخترت ان أظل وحيدا فى منزل أبي، أتحمل مسئولية نفسي، وأكمل دراستي التي أهملتها كثيرا.. مشكلتى اننى أعيش بلا خطط، الحياة تتخطفنى كما تريد، مللت من حريتى غير المسؤولة، وابحث عمن يرشدنى إلى الصواب، فكل من حولى انشغلوا بمصائرهم وتركونى تائها لا أعلم ما يخبئ لى القدر.

رسالتى إليك ليست لطلب نصيحة او روشتة حياتية فقط، بل امنح نفسى الحق فى الحديث عن مطالب ملايين من الأيتام مثلى الذين فقدوا اباءهم وامهاتهم، واعمارهم لم تتجاوز الـ15 عاما.. وأقول للمسئولين لسنا فى حاجة إلى يوم تتذكروننا به وتعطفون علينا بكلمات وهدايا.. نحن بحاجة إلى مسئولية مجتمعية من الدولة، خصصوا تربويين لزيارتنا فى منازلنا، مدارسنا، مزارعنا، ورشنا ولو مرة كل شهر.. عوضونا عن فقدان حنان الأب وعطف الأم، اختاروا لنا المستقبل ولا تتركونا فريسة لتقلبات الحياة ومطمعا فى عيون البشر.

نهاية سيدى "كلمة يتيم حملها صعب، وآثارها مميتة، واذا لم يكن هناك راع ومراقب، ستتخطفنا الحياة ولن نستطيع الخروج منها.. مسئوليتك معى أن تخاطب الدولة..اخبرهم اننا لسنا فى حاجة إلى شعارات، تخرج فى يوم وتختفى 364 يوما".

م.م

أشعر بكل كلمة كتبتها.. وأعلم قساوة أن تفقد السند والحنان فى وقت انت بحاجة إليهما.. وأدرك جيدا كم ان المال ليس سببا لتعاستك.. ولكن عدم وجود مرشد لحياتك هو ما يرهقك.. مطلوب منك أن تواجه المجتمع، وان تختار الافضل فيه وتبتعد عما يقودك للهلاك..ابحث عن النجاح والقوة بداخلك من خلالها تستطيع أن ترى المستقبل بعين أخرى غير التي تملكتك.. أضم صوتي إلى صوتك وأطالب بأن يكون هناك نظام رعاية ثابت وشهرى لمن فقدوا اباءهم وأعمارهم لم تتجاوز الـ15 عاما، ليس ماليا فقط بل اجتماعيا وثقافيا وتربويا.

الدكتورة سحر السنباطى أمين عام المجلس القومي للأمومة والطفولة أرسلت لك هذا الرد:

الدكتورة سحر السنباطى

رسالتك مؤثرة جدا.. رغم اننى ادرك ان وضعك ماليا افضل من غيرك من الأيتام، لكن انت بحاجة إلى من يوجهك ماديا ومعنويا، واعلم انه لا يوجد تربوى قائم بذاته لزيارة اليتيم والتعرف على أوضاعه الصحية والاجتماعية فى محل سكنه.. هذا أمر صعب جدا، لكن هناك الأسرة البديلة وكذلك تربوي المدرسة أشرح لهم قصتك واطلب منهم الدعم في كل ما تحتاجه.. في النهاية نحن ننتظرك بالمجلس القومي للأمومة والطفولة لتقديم الدعم النفسي لك وكل ما تحتاجه.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة