د. سارة الذهبى
د. سارة الذهبى


يوميات الأخبار

الدنيا علمتنى

الأخبار

السبت، 27 فبراير 2021 - 07:25 م

بقلم/ د. سارة الذهبى

قدّرت احساس واحد مش لاقى نفسه فى أى حاجة بيعملها وحاسس ان أحلامه حاجة وحياته حاجة تانية بعيدة خالص..

الكام سنة اللى فاتوا فهمونى الناس أكتر..

خلونى أقدّر أعذار كنت بفتكرها مجرد مبررات بتتقال عشان اسكت وخلاص..

فهمت لما حد كان يقولى أصل مديرى مزهقنى وملففنى حولين نفسي.. وانه بيركز فى كل حاجة عشان مستقصده وواقفله على الواحدة...

فهمت احساس واحد مش طايق شغله بس لازم يكمل عشان وراه التزامات فى رقبته.. ما هو معندوش رفاهية انه يسيب الشغل زى زمان، دلوقتى الالتزامات مخلياه قليل الحيلة ومش قادر يجازف بشغله عشان وراه بيت وعيال !

فهمت يعنى ايه حد بيدخل ينام عشان معندوش طاقة يعمل أى حاجة، ومفيهوش حِيل يسمع كل شوية )انت مالك؟... ما تفكها بقى..(

عرفت يعنى ايه اتنين متجوزين مبيخرجوش مع صحابهم زى الأول أو يقرروا على آخر لحظة ان فلوس السفرية دى الأولى تتدفع فى بند تانى عشان وراهم مصاريف بالكوم ايشى مدارس على هدوم على أقساط. وانهم مش بيعملوا كده غلاسة.. أو عشان يفلفصوا والسلام...

فهمت ازاى اللى لسه مخطوبة أو متجوزة أو والدة بتكون مش قادرة تركز مع اللى حوليها زى الأول.. وان لازم نحترم الاضافة الجديدة اللى بقت فى حياتها..

مش معنى ان اللى اتخطبت جديد وانشغلت شوية انها بيّاعة أو فضّلت خطيبها عن صحباتها..

ومش معنى ان اللى لسه متجوزة ومستغربة حياتها الجديدة ولسه بتتعرف على بيتها وازاى هتمشى الدنيا انها خلاص مش هتعرفنا تانى وبتقطع مع الناس...

وطبعاً الحامل واللى لسه والدة دول موال تانى واللى ميقدّرش ظروفهم يبقى العيب فيه مش فيهم...

فهمت وقدرت تعب أم عاملة مسحولة.. محتاجة ١٠ أيادى عشان تقدر تخلص اللى وراها وعايزة صحة ٣ ستات مع صحتها عشان تقدر تنجز اللى عليها... وتلاحق على بيتها وولادها وجوزها وشغلها..

وقدرت مجهود الأم اللى قاعدة فى البيت وواهبة كل حياتها للولاد والزوج وطول اليوم بتشتغل بلا توقف والناس بتحسدها انها مش بتشتغل كإن عندها الخدم والحشم! ومحدش شايف هى بتتعب قد ايه...

عرفت يعنى ايه واحدة سهرانة طول الليل مع ابنها اللى لسه مولود ومداقتش طعم النوم أيام وأيام فطبيعى تبقى مش شايفة قدامها بالنهار فنسبة تركيزها مع اللى بتحبهم قلت بس كل ده غصب عنها.. بس فى ناس بتحاسبها على كل حاجة كإنها فاضية وموراش شغلانة..

عرفت يعنى ايه واحد فى غربة وشايل نفسه من الألف إلى الياء..و ساعات كتير اوووى محدش بيحس باللى جواه..

بيتعب ويحزن ويمرض ويعيش كل المناسبات الحلوة والوحشة لوحده...

ويعنى ايه بنت أول ما اتجوزت سافرت بلد غريبة وبعدت عن أهلها وحياتها وراحت تبنى بيت جديد فى بلد متعرفهاش مع شخص لسه بتتعرف على طباعه... وقد ايه بتفتقد أهلها وحياتها وصحابها بس كاتمة كل المشاعر دى فى قلبها عشان تتأقلم وتتكيف..

فهمت احباط شاب لسه متخرج وافق يشتغل شغلانة مش بيحبها عشان مينفعش يقعد من غير شغل وقدّرت المجهود الخرافى اللى بتبذله الرجالة اللى بتلضم فى شغلانة ورا التانية وبيروحوا بيوتهم خلصانين عشان لو اشتغلوا شغلانة واحدة مش هيعرفوا يفتحوا بيت بمصاريفه اللى بتزيد يوم بعد يوم بلا رحمة !

فهمت ارهاق بنت بتحضر دراسات عليا وكل حياتها بقت محصورة فى ورق ومراجع وشيتات وأبحاث ومش لاقية وقت تهرش أو تشوف أهلها اللى معاها فى نفس البيت..

فهمت توتر شاب وشابة مش لاقيين نصهم التانى وكل الناس بتقولهم هااااا هنفرح بيكوا امتي؟ وشغالين حكم عليهم فى الرايحة والجاية ان هما اللى بيطفشوا العرسان أو انه من الشباب المستهتر وملوش انه يفتح بيت.... فهمت يعنى ايه ناس عمالة تحكم على حاجات وهى متعرفش عنها أى حاجة وقد ايه الموضوع ده مُرهق وبيوجع..

فهمت تفكير أبويا وأمى الله يرحمهم فى مستقبلنا وفى تعليمنا..

فهمت ليه أمى كانت شقيانة فى تربيتنا وكانت مش بتعدى أى حاجة غلط نعملها..

فهمت ليه ساعات كتير كانوا بيسرحوا ونحس انهم مش معانا من كتر ما كانوا شايلين همنا...

فهمت قلقهم لما كنا بننزل من البيت وملاحقتهم لينا بالمكالمات كل شوية لحد ما يتطمنوا علينا اننا رجعنا..

فهمت شعور الواحد لما بيفقد عزيز ويبقى شايف الدنيا سودا واحترمت عزلته.. وان أوقات كتير الواحد مبيكونش عارف ماله ولا عارف ايه اللى ممكن يريحه...

وفهمت أكتر ليه وقت الحزن بنقفل على نفسنا عشان قليل أوى اللى هيفهم احساسنا فى الابتلاءات الصعبة...

عرفت يعنى ايه واحد خايف على ولاده فى الزمن ده وقدرت توتر كل أب وأم على ولادهم..و ان خوفهم ده لا تحكم ولا حب فى الرخامة والسيطرة وبس زى ما ولاد كتير فاكرين...

عرفت يعنى اى واحدة حاسة بالوحدة واتعودت عليها ومش قادرة تخرج من الجو ده..عشان ده مش بمزاجها... هى مرّت بظروف كتير خلتها تقلل احتكاكها بالناس ولقت الراحة فى دايرة صغيرة أوى أوى حوليها...

قدّرت احساس واحد مش لاقى نفسه فى أى حاجة بيعملها وحاسس ان أحلامه حاجة وحياته حاجة تانية بعيدة خالص..

فهمت يعنى ايه ان شخص لما تسأله بتحب ايه؟ يقولك مش عارف.... طب انت ناجح فى ايه؟ يقولك برضه مش عارف، يمكن عشان درس مجال مش على مزاجه أو مجموعه اضطره يدخل كلية معينة أو أهله اجبروه يشق مستقبله بناءاً على نظرتهم هما من منطلق انهم عارفين مصلحته أكتر منه...

قدّرت ألم حد خرج من علاقة وهزته من جواه حتى لو عامل فيها انه قوى وجامد..بس من جوه هو متأثر ومجروح..

وفهمت ان الحب على قد ما بيديك قوة على قد ما بياخد من روحك لما بيروح...

فهمت احساس واحدة عندها خلافات زوجية أو مشاكل عائلية..

أو حد علاقته بأهله مش كويسة ودايماً حاسس ان ملوش لا سند ولا ضهر... حاسس انه لوحده رغم ان حوليه ناس كتير من لحمه ودمه!

أو زوجة وهبت كل عمرها لراجل حبته وفى النهاية قرر انه زهق منها أو انه يتجوز عليها... فقرر يهدم البيت فى لحظة بقرار أناني..

أو زوج بيراعى ربنا فى مراته بس مبيعجبهاش العجب ومصممة على خراب البيت عشان متدلعة..

قدّرت لو حد عنده مريض فى بيته وبيرعاه وان حموله كتير..

ان هو نفسه محتاج الدعم النفسى زيه زى المريض بالظبط ويمكن أكتر لإن مطلوب منه علطول يبان جامد ومتفائل وبيستحمل مهما شاف حاجات توجعه...

فهمت يعنى ايه أصلى مليش نفس اتكلم..

مليش نفس أخرج..

مليش نفس أعمل اى حاجة وهخش أنام...

الجمل دى بالذات كانت زمان بتزعلنى ومكنتش بحس باللى وراها وكنت بنسى ان اللى بيقولها أكيد مخنوق أو زعلان أو مكتئب..

كنت بنسى الشخص وأركز بس ان حقى أزعل وأتقمص..

عرفت ان عادى الواحد يكون قرفان وزهقان ومخنوق وبيبقى مش قادر يختلط بحد وعايز يقعد لوحده..

عرفت ان عادى ممكن أهرب..ممكن ما أحبش اتكلم ولا عايزة حد يقولى مالك مليون مرة.. وان عادى جداً انى ملقيش أى اجابة...

احترمت فكرة الهروب فى بعض الأوقات..و عرفت ان الموضوع مش شخصي.. ده بيكون غصب عن الواحد...

عرفت ان الألم النفسى بقى منتشر أكتر بكتير أوووى مما نتخيل وان كل واحد فينا بلا استثناء مهما بيّن انه متماسك وقوى محتاج يروح لدكتور نفسى ومحتاج اللى يسمعه من غير هجوم أو أحكام...

معظم الأوقات الناس بتكون مش بتتدلع.. الناس مضغوطة فعلاً..

قلة المكالمات أو قلة التواصل مش دليل ان الناس وحشة والله، الدنيا هى اللى بقت صعبة أوى ولاهية الناس ومحدش عارف ايه اللى جوه التانى خصوصاً لو الشخص كتوم ومحدش يعرف عنه حاجة...

الدنيا مش مستحملة نيجى على بعض، كفاية ان حاجات كتير تانى بتيجى علينا..

صدق اللى قال اللى يشوف بلاوى الناس تهون عليه بلوته..

فى ناس بيبقى جواها بلاوى فعلاً بس ما بتقولش..

مش هنيجى احنا ونعاقبهم كمان انهم بيستحملوا وان دى طبيعة شخصيتهم..

المشكلة بقى ان فى ناس لما بتقدّر ظروفهم، مش بيقدّروا ظروفك فى المقابل لما الدنيا بتضيق بيك...

والمشكلة التانية ان فى ناس بتفتكر ان هى بس اللى عندها مشاكل فبتجلد الناس اللى حوليها وتحاسبهم على أى هفوة...

العلاقات البشرية كل شوية عمالة تتعقد بشكل بيخلى ناس كتير تفضل العُزلة...

ياريت نهوّنها على بعض يا بشر عشان تهون..

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة