هشام مبارك
هشام مبارك


احم احم !

ابن عمتي.. فارس السيف والزرع

هشام مبارك

الأربعاء، 03 مارس 2021 - 09:06 م

 

هل يستطيع أن يحتفظ الإنسان بإنسانيته وطيبته طيلة حياته فلا يصفه أحد إلا بأنه الرجل الطيب صافي القلب؟ أربعة وستون عاما لم تصدر منه العيبة، لم يكره أحدا ولم يحقد على أحد ولم ينظر يوما لما فى يد أحد، هل يوجد فى العالم كله إنسان بهذه المواصفات؟ نعم يوجد واسمه إبراهيم أحمد ربيع ابن عمتى زينب أحمد مبارك والذى رحل عن دنيانا أمس الأول بعد رحلة مع المرض مدتها فقط ثلاثة أشهر ضرب لنا خلالها أروع الأمثلة فى الصبر على الابتلاء.
سمعت أنه زمان قال مرة ضاحكا: لما أموت مش عايز هشام واد خالي يكتب عني في الجرنان حاجة تخلي الناس تبكي.. أعدك بأن أحاول يا بو خليل، لكن أرجو أن تسامحني لو فرت منى دمعة فشلت في منعها من النزول. وصدقنى يا إبراهيم هذا المقال ليس رثاء لك، فأمثالك من الطيبين لا يرحلون فنرثيهم لكن فقط ينتقلون من الحياة الدنيا بكل ما فيها من تعب وألم لا يناسب طيبتهم إلى حيث المكان الذى يجدون فيه الناس وقد تخلصوا من أمراض قلوبهم قبل أوجاع أبدانهم، حيث الصحة بلا مرض والشباب بلا هرم والحياة بلا موت يفرق بين الأحباب.
كأنى به أراه أمامى بالأمس القريب منذ أن كان طالبا فى مدرسة المعلمين، بجسده الرياضى الممشوق، وعضلاته البارزة ومشيته فى اعتداد واضح. لذا اختار أن يتخصص فى تدريس التربية الرياضية فكان الرجل المناسب فى المكان المناسب، كان ممن إذا أحبوا شيئا فعلوه دون تردد، أحب ركوب الخيل فاشترى له والده الحاج زكى ربيع فرسا أشهب أصيلا يمتطيه عقب عودته من المدرسة ليرمح به فى شوارع البياضية فأصبح فارسها الذى لا يشق له غبار ومثلا أعلى فى الفروسية لنا حيث كان يكبرنا بسبع سنوات فقط. وخوفا من أن يطغى حبه للخيل على اهتمامه بدروسه وكتبه اضطر الوالد ليتخلص من الفرس فحزن إبراهيم حزنا شديدا. لكنه وإن كان تخلى مرغما عن ركوب الخيل إلا أنه لم يتخل عن أخلاق الفرسان التى اشتهر بها طيلة حياته. فهو الجدع الجريء المغوار، الشهم الذى لا يتردد فى الوقوف بجوار من يعرف ومن لا يعرف بكل غال ونفيس. ولعل دمه الذى طالما تبرع به لإنقاذ آخرين لايزال يجرى فى عروقنا جميعا.
إذا رأيته صباحا بملابسه الرياضية متوجها للمدرسة ليلقن تلاميذه فنون التربية الرياضية تندهش عندما ترى نفس هذا الشخص بعد انتهاء اليوم الدراسى حيث يهرع للبيت ليرتدى ملابس الزراعة والفلاحة التى عشقها كما عشق الرياضة والفروسية. فكان يقضى بقية يومه بين زراعته المختلفة فى أرضهم العامرة التى تولى مسئوليتها كامل منذ وفاة والده وسهر على رعايتها، وبمجرد بلوغه الستين، تفرغ تماما للزرع حتى أنه بنى له بيتا ريفيا بسيطا وسط الزرع ليقضي فيه نهاره وليبيت فيه ليله كله وكأنه كان حريصا على أن يرصد أعواد القصب والقمح وشواشى الدرة وهى تكبر أمام عينيه. لم يكن إبراهيم يشغل نفسه كثيرا بالشأن العام فهو لا يهتم مثلا بالسياسة ولا علاقة له ببرامج التليفزيون ولا يتابع مسلسلاته. فهو ينام بعد العشاء بقليل حيث يبدأ يومه قرب الفجر. وكثيرا ما كان يستيقظ ليجد شقيقته الكبرى فوزية قد استيقظت قبل شقشقة عصافير الفجر بكثير تنظف وتكنس البيت وتملأ الجرار وتطعم الطيور وتحلب البقرة فيحاول أن يثنيها وهو يداعبها قائلا: أنا متأكد إن ربنا سبحانه وتعالى خلق الليل عشانك يا فوزية. رحمك الله يا بو ربيع وبارك فى ربيع والحاج محمد والحاج محمود وشقيقاتك اللاتى لا يتخيلن أنك لن تسأل عليهن بعد اليوم وبارك فى زوجتك الصابرة وفى رحاب وريم ورنا وفى أحفادك ولا تنس أن تسلم لنا على الحاج زكى وعمتك عائشة وأعمامك محمد وبكرى وأبو بكر وعماتى زينب وفاطمة ورقية وهند وعلى خالك صادق وخالك أحمد. ولا تقلق يا إبراهيم على القصب الذى آن أوان كسره وقت رحيلك والذى شاء الله سبحانه وتعالى أن يكون قبرك بجوار ذلك القصب حتى تشهد عملية كسر القصب من مقعدك فى الجنة بإذن الله وإنا لله وإنا إليه راجعون.
 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة