طاهر قابيل
طاهر قابيل


يوميات الأخبار

من الغرب إلى أقصى الشرق

طاهر قابيل

الخميس، 04 مارس 2021 - 07:42 م

«أتذكر حكاية «قط «خالتى ليلى وكان اسمه «مشمش» وهو واقف على قدميه «الخلفيتين» ليبعد «كلب» خالتى «فوزية»- رحمة الله عليهما-عن الطعام الخاص بنا»

«مهنة البحث عن المتاعب» التى اخترتها واحترمتها وأعشقها وعشت أيامها بحلوها ومرها.. عالم جذاب.. كنت اختطف سويعات قليلة من يوم عمل شاق للفسحة ومشاهدة الأماكن التى أزورها.. وأتذكر فى إحدى مهامى الصحفية كنت مصاحبا لطائرة المساعدات الإنسانية التى قدمتها مصر للشعب «المغربى» بعد أن أصاب إحدى قراه « زلزال» تاركا خلفه مصابين ومشردين ومنازل مهدمة.. فوجدتها فرصة لمشاهدة الواقع ومتابعة أحداث على أرض ربما لا تتكرر زيارتها بالمستقبل.

رغم صعوبة الرحلة التى استغرقت 8 ساعات واضطررنا للطيران إلى أوروبا ثم العودة إلى شمال إفريقيا مرورا بالأجواء «الجزائرية» لاغلاق المجال الجوي الليبى كانت زيارتى ممتعة..فبعد أن وصلنا إلى أحد المطارات «المغربية»بأقصى وتقديم واجب الضيافة من قطع «الكيك» مع أكواب من «الشاى بالحليب».. اقترح عدد منا الذهاب إلى مدينة «الحسيمة» التى أصابها الزلزال وأدى إلى انهيار العديد من المنازل وتشريد الأسر..فالشمال المغربى يقع فى الحد الفاصل بين الصفيحتين» الإفريقية والأوروبية» «وهى منطقة زلازل بعضها يأتى خفيفا..وأحيانا قويا مثل ما حدث فى نهاية الستينيات من القرن الماضى.

تركت الدفء لأصعد إلى «اوتوبيس» يقلنى إلى «المخيم» الذى احتضن المشردين من الضحايا.. سرنا فى طريق تكسوه الخضرة والأشجار والمعابر التاريخية فوق أحد الجداول.. وتوقفنا لحظات على الطريق ولم نعثر على مكان لتغيير العملات..وكانت صدمتنا إنه كان معنا «2يورو» فقط..فاكتفينا بشراء زجاجتين من المياه المعدنية..وفى «المعسكر» الذى ازدحم بالناس دعتنى أسرة للجلوس معهم ولحظى الفريد كانت الابنة تتحدث «اللهجة المصرية» اتقنتها من متابعتها الأفلام والمسلسلات.. وعرفت وقتها مدى تأثير «قوتنا الناعمة» على العقول والألسن بمنطقتنا العربية..وتبادلت مع الأسرة المنكوبة «القفشات» والحديث عن الفنانين والفن المصرى.. ودعانى الابن إلى كوب من الشاى ليصرخ فى الزملاء إن علينا أن نعود إلى الطائرة.

لقد استمتعت بحديث الاشقاء وعرفت أشياء كثيرة عن الحياة بالغرب الافريقي.. فمصركعادتها تترك أثرا فى النفوس مؤكدة أنها مع الأشقاء والأصدقاء وخاصة فى الأزمات والكوارث الإنسانية..وعدنا للقاهرة من نفس طريق الذهاب وكل منا يحمل لقطات إنسانية للمأساة.. ولا أنسى إننى بحثت عن «بواقى» الوجبة الدسمة التى تركتها فى بداية الرحلة بالطائرة لأسد بها «جوعى».

حكايات الشرق الأقصى

بعض المهام الصحفية نجد بها سويعات أو يوما على الأكثر لنرى فيه الدولة أو إحدى المدن أو القرى التى نزورها ونلتقط صورا للذكرى بها وقد اصطحبنى «العمانيون» لزيارة إحدى المناطق الاثرية لديهم وكانت قلعة للتمور.. وتجولت فى مولات دبى.. وصليت فى «الحرم المكى والمسجد النبوى وبالروضة الشريفة « وأسفل قبة الصخرة.. وزرت كنيسة «القيامة» وصعدت جبل «الجليل» وتجولت على ضفاف «بحيرة طبرية»..واستمتعت بولائم الطعام العربى فوق جبال لبنان البديعة.. فنعم الله «عز وجل» لا تعد ولا تحصى.

من زيارتى التى اعتز بها سفرى إلى بلد «التنين الأصفر»..فقد شاهدت مكانا اقرأ عنه بكتب التاريخ.. ولم يكن صعودى إلى» سور الصين العظيم» بالأمر الهين.. وجولتى البديعة فى «جبال الشاي» وبالمدينة المحرمة.. وزيارتى لمقاطعة «هاينان» ذات الطبيعة الاستوائية التى أصبحت قبلة السائحين ومكانا لتصوير الأفلام العالمية بغابتها الكثيفة الرائعة.. فدائما ما يسيطر على حواسى رؤية «البشر».. فالدنيا كما تقول جدتى من «غير ناس ما تنعاش».. ولذلك فقد جذبتنى «السيدة والفتاة الصينية» التى أراها فى كل ميادين العمل الشاقة من مزارع ومصانع ومولات وأسواق شعبية.. قابلتها فى الفندق والمطعم ووسط الجبال وبين عمال البناء.. وكان أغرب ما شاهدته بائعة» الذرة المشوى» التى تسير فى الشوارع بهمة ونشاط وفوق كتفيها قطعة خشبية على شكل «النبوت» يتدلى من طرفيها « أكواز الذرة» وتعلق فى رقبتها «شواية» بها فحم مشتعل..وتقف بالقرب منها بائعة «المانجو» التى تقوم بتقشيره وتقطعيه بمهارة فائقة .

لم يكن قبيل الصدفة أن تستقبلنى إحدى المقاطعات ببرق ورعد وأمطار غزيرة.. فقد كان درسا لى لأعلم كيف يستفيدون من «خير السماء» الذى يتحول لدينا إلى برك ومستنقعات.. فقد كنت اختفى فى طريقى اسفل «شمسية» لأخطو بضعة أمتار لأصل إلى «المطعم الإسلامى» الملاصق للفندق « وتناول وجبة «عشاء « قريبة الشبه بالطعام المصرى.. تجولت بعدها فى شوارع قريبة شبه خاوية فالساعة الآن تتجاوز الحادية عشرة والكل فى منازلهم للراحة استعدادا ليوم عمل جديد.. وشاهدت كيف تختفى الأمطار بمجرد سقوطها فى البالوعات المنتشرة على جانبى الطرق وأسفل الكبارى.. فلا وجود لأكوام التراب التى تتحول مع رخات المطر إلى برك ومستنقعات.
زرت المناطق الجبلية والتى يسكنها شعب «المياو «.. وشاهدت فى طريقى لخارج المدينة مبانى كثيرة على المدرجات الجبلية فى تناسق وانسجام.. وأتوقف فى طريقى مرتين للاستراحة فرغم أن المسافة قصيرة لكن السرعة محددة بـ 30 كيلو مترا بالساعة والكل يحترمها.. الجبال الخضراء تحيط بنا وأشاهد الفلاحين الصينيين يزرعون الأرض.. ومن وقت إلى آخر تظهر العمائر والابراج السكنية فى قرى ببطن الجبال.. وتمر أسفلنا جداول مياه السيول والأمطار فى مخرات صممت وخصصت لذلك.. وأصل إلى أول قرية وأصعد سلالم حجرية لاصل إلى منطقة للصناعات اليدوية..وأقضى فترة مع العاملات المبدعات التى يرسمن بالخيوط على قطع القماش لوحات تباع بآلاف الدولارات.. واقضى ما يقرب من ساعة للوصول إلى مزارع الشاى وأتجول بها وأعيش عملية التجفيف للبراعم الخضراء.. واعرف ان هناك مايزيد على ألف نوع منها «لونج جيانج» الذى يروى من «نبع هوباو» الغنى بالنتروجين العضوى.. و»بيلوتشون» يؤخذ من رؤوس البراعم فى بداية الربيع ويحتاج نصف الكيلو منه حوالى من 60 الى 70 ألف برعم.. وزرت أضخم قرية سياحية..صعدت لأعلى مكان فيها باستخدام «طفطف» لاشاهد لوحة رائعة الجمال من فوق الجبل واتناول الطعام فى أحد المطاعم المبنية من الخشب ويقدمون لى مشروبا من خمر الأرز..وأزور منظمة لرعاية من خرجوا للمعاش وتوفير الحياة الكريمة والعلاج لهم.. واتجول فى شركة للصناعات الدوائية ومصنعا لانتاج المعلبات..واصعد طوابق «سوق الحرير» الستة والتى تضم كل البضائع او كما يقولون من «الابرة للصاروخ «.. وغالبا فمعظم زبائنه من الاجانب وبه صفة مميزة وهى «الفصال»..وبالطبع نتلقى تعليمات من مرافقنا الصينى قبل الدخول باننا سنجد فتاة «شاطرة» فى البيع تقول لنا ان الثمن 500 ايوان..فنقول لها 200ونرفض ونتركها لتبدأ هى فى التخفيضات إلى ان ينتهى الفصال.. واكتشفت خلال جولتى انه «بشوية فصال «يمكن ان تحصل على البضاعة ب20% من ثمنها وتخرج ولديك شعور بالانتصار والمكسب ولكن البائعة دائما كسبانة. كان مسك الختام صعودى «لسور الصين العظيم» احد عجائب الدنيا السبع.. والذى بدء بناؤه فى القرن الثالث قبل الميلاد لحماية الحدود الشمالية للامبراطورية الصينية.. وكان مشروعا دفاعيا متكاملا وصل طوله 21 ألفا و196 كيلو مترا وارتفاعه من 3 إلى 8 امتار وبه ابراج للحراسة وشارك فى بنائه 300 ألف انسان.. ويمر بتضاريس جغرافية مختلفة من جبال وصحارى وانهار.. والوحيد الذى نجح فى اجتيازه القائد المغولى جنكيز خان.

تعلمت من سلطان

تربينا على رعاية الحيوان والطيور..والقصص القرآنى يمتلئ بوصايا احترام المخلوقات حتى «الجماد» الذى يسبح بحمد الله تعالى ولكننا لا نفقه تسبيحه..وقد تعلمنا من الطيور الطيران.. وفى طفولتى وصانى والدى - رحمة الله عليهما- بان اراعها واحترمها وليس ببعيد علينا قصة سيدنا سليمان مع الهدهد.. وعندما مر وجنوده «بوادى النمل»و قوله تعالى «حتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ.».. كما اوصتنا الاحاديث النبوية برحمتهم وحذرتنا من ان تغرنا قوتنا بظلمهم والاعتداء عليهم فهذه امرأة عذبت ودخلت النار فى «هرة « فقد سجنتها حتى ماتت.. لا هى أطعمتها ولا سقتها أو تركتها تأكل من خشاش الأرض.. وإن رجلا وجد بِئراً فنزل فيها فشرب..ثم خرج فرأى كلبا يلهث من العطش.. فنزل مرة أخرى وملأ «خفه « وسقى الكلب فغفر الله له..َ وليس ببعيد عنا قصة «ابني آدم» فى قوله تعالى «فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِى الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِى سَوْءَةَ أَخِيهِ «.

اتذكر حكاية «قط «خالتى ليلى وكان اسمه «مشمش» وهو واقف على قدميه «الخلفيين» ليبعد «كلب» خالتى «فوزية»- رحمة الله عليهما-عن الطعام الخاص بنا..وايضا لا انسى قصة» الأسد سلطان « التى كتبها الدكتور «مصطفى محمود» فى كتابه «رأيت الله».. فالقصة بدأت بالسيرك عندما استدار مدربه «محمد الحلو» ليتلقى تصفيق الحاضرين بعد نمرة ناجحة مع الاسد «سلطان» ففى لحظة خاطفة قفز الاسد على كتفيه وانشب مخالبه واسنانه فى ظهره..سقط المدرب على الأرض ينزف وفوقه الاسد الهائج..وتمكن الحرس و»ابن الحلو» من تخليصه ولكن بعد فوات الأوان فمات المدرب بعد نقله للمستشفى.. فأصيب الاسد بحالة اكتئاب وانطوى على نفسه..وتم نقله إلى حديقة الحيوان باعتباره أسدا شرسا ولا يصلح للتدريب..واستمر «سلطان»على اضرابه عن الطعام..فقدموا له انثى لتسرى عنه فضربها فى قسوة وطردها..وعاود الانطواء والعزلة والاكتئاب..وانتباته حالة من الجنون فراح يعض جسده وذراعيه التى اغتالت مدربه وهوى على ذيله بأسنانه بعضه ويأكل لحمه حتى نزف ومات واضعا نهاية لقصته نادما على ما فعله وأعطى للإنسان نوعا فريدا من حيوان اعجم وملك نبيل من ملوك الغابة عرف معنى «الوفاء» وأصاب منه حظا لا يصيبه الآدميون واعطى حيوان نموذجا للمسوخ البشرية التى تأكل شعوبا وتقتل الملايين فى برود وتحتفل وكأن لا شىء يحدث..هذا الاسد الانسان لا نعلم عنه شيئا لكن سلوكه يؤكد لنا إننا أمام نفس راقية تفهم وتشعر وتحس بالمسئولية وتؤمن بالجزاء والعقاب لها ضمير يتألم للظلم والعدوان..رحم الله « الحلو وسلطان».

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة