صورة توضيحية
صورة توضيحية


ثلاث مدارس شعرية سودانية مختلفة جمعهم حب مصر

نادية البنا

السبت، 06 مارس 2021 - 05:38 م

"اختلفت اللهجات الناطقة بالعربية، ولكنها اجتمعت بلغة واحدة فصيحة، نُظم منها شعرًا عبر عن مشاعر الانتماء والوطنية والعشق، من كل ربوع العالم العربي، وكانت الكلمات الموزونة والمقفاه هي افتتاحية الترحيب بضيف شقيق لدولة شقيقة، أو رسالة عشق تجمع المدارس الشعرية المختلفة في حب مصر.. وذلك ما قدمه كبار شعراء دولة السودان الشقيقة تعبيرًا عن عشقهم وانتمائهم لبلدهم الثاني "مصر".

اقرأ أيضا: الطفل.. أولوية دولة | «اتكلم عربي».. مبادرة لحماية هوية أطفال المغتربين

وبمناسبة زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للشقيقة السودان، نستعرض في التقرير التالي أهم ما شعراء المدارس الشعرية السودانية المختلفة في حب مصر


المدرسة الشعرية الكلاسيكية.. الشاعر محمد سعيد العباسي


وكان الشاعر محمد سعيد العباسي، من أهم الشعراء السودانيين المنتمين للمدرسة الكلاسيكية، ولد بقرية "عراديب ولد نور الدائم"، الواقعة على ضفاف النيل بوسط السودان في العام 1880 وتوفي عام 1963 م. 


تلقى محمد سعيد العباسي في طفولته ومطلع صباه، تعليماً دينياً تقليدياً في السودان، ثم ارتحل إلى مصر في العام 1899، والتحق بالمدرسة الحربية، بقصد أن يتخرج فيها ضابطا، إلا أنه ترك الدراسة بالمدرسة الحربية قبل التخرج. 


وفي الفترة التي قضاها بالمدرسة التقى بالشيخ عثمان زناتي، أستاذ اللغة والأدب العربي، الذي اكتشف موهبته في نظم الشعر، فشجعه على ارتياد مجال الأدب والشعر، وظل العباسي مديناً لشيخه وأستاذه ذاك إلى آخر عمره بالفضل في اكتشاف موهبته، وبعد وفاة أستاذة كتب فيه بعض أبيات الرثاء من بينها:- 

فيا رحمة الله حُلّي بمصر ضريح الزناتيّ عُثمانيهْ
غذاني بآدابه يافعاً وقد شاد بي دون أترابيهْ

واعتبر النقاد محمد سعيد العباسي هو الباعث الحقيقي للنهضة الشعرية الحديثة في السودان، فهو عندهم بمثابة محمود سامي البارودي في مصر تقريبا، وذلك بالنظر لقوة شاعريته المطبوعة، وصفاء ديباجته، ووضوح شخصيته الذاتية من خلال أشعاره.

فكان لمصر الآثر القوي في نفس العباسي فأحبها حبًا جمًا ملك عليه أقطار نفسه، ولم يقتصر ذلك الحب على تلك النواحي الرومانسية فحسب، وإنما امتد لكي يؤثر حتى على آرائه ومواقفه السياسية أيضاً، حيث كان العباسي من أشد المنافحين عن فكرة وحدة وادي النيل، وقد عبر عن تلك المواقف والآراء شعرا في أكثر من مناسبة.


وطبع ديوانه "ديوان العباسي" في القاهرة عام 1948، واحتوى الديوان على قصائد تعبر عن افتتانه بمصر ومنها:- 


أقصرتُ مذ عاد الزمانُ
أقصرت مذ عاد الزمان فأقصرا وغفرت لما جاءني مستغفرا
ما كنت أرضى يا زمان لو انني لم ألق فيك الضاحك المستبشرا
يا مرحباً قد حقق الله المنى فعلي إذ بُلغتها أن أشكرا
يا حبذا دارٌ نزلت وحبذا إبداع من ذرأ الوجود ومن برى
مصرٌ وما مصرٌ سوى الشمس التي بهرت بثاقب نورها كل الورى
ولقد سعيت لها فكنت كأنما أسعى لطيبة أو إلى أم القرى
وبقيت مأخوذاً وقيد ناظري هذا الجمال تلفتاً وتحيرا
فارقتها والشّعر في لون الدجى واليوم عدت به صباحاً مسفرا

رائد شعر الرومانسية الصوفية عشق مصر فنظمها في ديوانه الوحيد

"شاعر الجمال والروح والوجدان".. تلك الكلمات كانت تتردد على أذهان كل من يسمع اسم الشاعر السوادني المتصوف "التجاني يوسف البشير" من رواد شعر الرومانسية الصوفية بالوطن العربي، فقد كان مولعًا بمصر، ورغم رحيله في سن صغير إلا أنه استطاع أن يترك أثرا طيبا في قلوب محبيه، من السودان ومصر، ولد عام 1911، وتوفي عام 1937م.


درس التيجاني القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة والحساب بكتّاب جده القاضي، ثم التحق بعد ذلك بمعهد أم درمان العلمي، وهو ما يعادل المعاهد الأزهرية في مصر، حيث تُدرس العلوم التراثية التقليدية، مثل علوم القرآن الكريم والتفسير والحديث والفقه.


وللتجاني يوسف بشير ديوان شعري واحد فقط بعنوان "إشراقة"، طبع ونشر في مصر بأربعينيات القرن الماضي، أي بعد مرور بضع سنوات على وفاته.


كان التجاني يوسف بشير شاعراً ذا رؤية صوفية وكونية عميقة، بل إن هنالك من النقاد من اعتبره من المعتنقين لفكرة وحدة الوجود.


ولم يكتف التجاني بما كان يُدرَّس له ولرفاقه بالمعهد العلمي، وإنما رفد ذلك بالإطلاع على الآثار الأدبية والشعرية لرواد الحداثة في مصر والشام وبلاد المهجر ، وذلك من خلال ما كان يقع بين يديه من الصحف والمجلات المصرية التي كانت تصدر وتصل إلى السودان آنئذٍ.


كان التجاني يوسف بشير يؤمل في مواصلة تعليمه العالي في مصر بعد التخرج في المعهد  العلمي ، ولكن حالة الفقر المدقع التي كان يعيشها هو وأسرته، وضيق ذات اليد ، حالت دونه ودون تحقيق حلم حياته الذي كان يتمثل في السفر إلى مصر التي كان يعشقها بكل كيانه.

وقال التجاني يوسف بشير عن مصر في إحدى قصائده:-

عادني اليوم من حديثك يا مصر رؤى وطوفت بيَ ذكرى
وهفا باسمك الفؤاد ولجّت بسماتٌ على الخواطر سكرى
من أتى صخرة الوجود فقراها وأجرى منها الذي كان أجرى
سلسبيلاً عذب المشارع ثراراً روياً جم الأواذيِّ غمرا

إلى أن يقول:
إنما مصر والشقيق الأخ السودان كانا لخافق النيل صدرا
حفظا عهده القديم وشادا منه صيتاً ورفَّعا منه ذكرا
فسلوا النيل عن كرائم أوسعنا دراريَّها احتفاظاً وقدرا
كيف يا قومنا نباعد من فكرين شدا وساندا البعض أزرا
كيف قولوا بجانب النيل شطاهُ ويجري على شواطئ أخرى
كلما أنكروا ثقافة مصرٍ كنت من صنعها يراعاً وفكرا
نضر الله وجهها فهي ما تزداد إلا بعداً عليّ وعسرا
يا ابن مصرٍ وعندنا لك ما نأمل تبليغه من الخير مصرا
قل لها في صراحة الحق والحق بأنْ يُؤثرَ الصراحةَ أحرى
وثقي من علائق الأدب الباقي ولا تحفلي بأشياء أخرى
كل ما في الورى عدا العلم لا يُكبِّر شعبا ولا يُمجّد قُطرا


"تاج السر الحسن"..فتن بمصر وتعلم بها وانمتى للواقعية الاشتراكية

وكان الشاعر الدكتور" تاج السر الحسن"، من الشعراء المعاصررين اللذين عشقوا مصر ونظموها شعرا، فقد ولد في شمال السوادن عام 1935، وتوفي عام 2013، وتلقى تعليمه الأولي والمتوسط بالمعاهد التعليمية الدينية بالسودان، وتمكن من السفر إلى مصر، لتلقى تعليمه العالي هناك، وتخرج في قسم اللغة العربية بجامعة الأزهر في عام 1960 م.


ثم من بعد ذلك هاجر تاج السر الحسن إلى الاتحاد السوفييتي في عام 1962 م، بغرض مواصلة تعليمه ما بعد الجامعي، وانتمي إبداع الشاعر تاج السر الحسن بتيار الواقعية الاشتراكية فكرا ومضمونا، بينما يصنف شعره من الناحية الفنية ضمن ما يعرف بشعر التفعيلة.


وقد عاصر وزامل فطاحلة ذلك التيار الفكري، وتلك المدرسة الفنية في مصر من أمثال: أحمد عبد المعطي حجازي، وصلاح عبد الصبور، ومن السودانيين: محمد الفيتوري، ومحي الدين فارس، وجيلي عبد الرحمن.

 
وصدر له أول ديوان مشترك في القاهرة عام 1956 م ، بعنوان: " قصائد من السودان ".

وفيما يلي قصيدة " آسيا وإفريقيا " لتاج السر الحسن:

عندما أعزف يا قلبي الأناشيد القديمة
ويُطلُّ الفجر في قلبي على أجنح غيمة
سأغني آخر المقطع للأرض الحميمة
للظلال الزرق في غابات كينيا والملايو
لرفاقي في البلاد الآسيوية
للملايو ولباندونغ الفتية..
لليالي الفرح الخضراء في الصين الجديدة 
والتي أعزف في قلبي لها ألف قصيدة

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة