د. مصطفي رجب
د. مصطفي رجب


يوميات الأخبار

حتى تعِيشْ طويلاً !!

الأخبار

السبت، 06 مارس 2021 - 06:25 م

بقلم/ د. مصطفي رجب

ثم اتلُ عليهم ما تحفظ من فتاوى التحريم والكراهة التى تحفظها.

فالمهم −فى الحالين− أن يسلم لك مبدأ "خالف تعرف" !!

​تعانى المجتمعات البشرية المعاصرة من ظاهرة سلبية بدأت تثير قلق العلماء والباحثين وهى ظاهرة تناقص أعداد المغفلين بشكل ملحوظ. فقد أدى انتشار وسائل الإعلام والتوسع فى استخدام التكنولوجيا فى المنازل والمدارس إلى ) تنوير ( العقول تنويراً مبالغاً فيه حتى أصبح العباقرة والمستنيرون يمارسون أحقر الحرف ويمتهنون أدنى المهن من فرط زيادتهم. فى حين أصبح العثور على مغفل واحد يقتضى جهداً وبحثاً طويلين.

وقد دعت هذه الظاهرة العلماء إلى محاولة إيجاد حلول علمية لحماية فصيلة المغفلين من الانقراض حتى لو أدى الأمر إلى إنشاء عدد من ) المحميات الطبيعية ( لتربية وحماية حقوق فئة المغفلين واستخدام الهندسة الوراثية فى استنبات أجيال جديدة من المغفلين.

وقد عقد مؤخراً عدد لا بأس به من المؤتمرات العلمية فى عدة دول لم يُعلن عنها بعد لوضع استراتيجية محددة الملامح لرعاية المغفلين. وتحديد المهارات الواجب توافرها فى الفرد لينتقل إلى صفوف المغفلين. وقد تسربت أنباء تلك المؤتمرات فمن خلال تلك المؤتمرات تم وضع استراتيجيات محددة للحفاظ على هذا النوع النادر من البشر، وأيضاً توصل بعض العلماء إلى عدد من المهارات التى يمكن للشخص العادى إذا تحلى بها أن ينضم إلى صفوف المغفلين بسهولة. ومن هذه المهارات على سبيل المثال :

1− الهرولة إلى " الأوكازيونات " : التى تعلن عنها الشركات وتزعم أنها تبيع خلالها منتجاتها وما تقوم بتوزيعه بثمن بخس يصل أحياناً إلى نصف الثمن الأصلى. ويزعم المتشائمون وأعداء النجاح أن تلك الأوكازيونات تقام سنوياً مرتين لتصفية السلع الراكدة فى المصانع والشركات والتى ساءت أحوالها من التخزين الطويل ولم تعد تتحمل تخزيناً أكثر فهم يعرضونها بأسعار مخفضة ليتخلصوا منها لتفريغ المخازن وخوفاً من فسادها وليس سعياً مشكوراً لإسعاد المواطن وتخفيف أعبائه.

ويروج بعض الخبثاء وسيئى النيات أن الشركات والمصانع تعيد تسعير سلعها قبيل الأوكازيون بحيث إذا أعلنت عن تخفيضات تكون فى الواقع تبيع بالسعر الذى أعرض عنه الناس طوال العام حتى ما قبل الأوكازيون بأيام.

والواقع أن تلك الأقاويل مغرضة وواضحة التهافت فالشركات والمصانع أسمى من أن تلجأ إلى هذه الأساليب الرخيصة وذلك ببساطة لأنها تعانى أساساً من شدة الرواج وجميعها −بلا استثناء−

حازت كأس الإنتاج وشهادات الجودة العالمية ومنتجاتها تهدد منتجات اليابان وأمريكا وألمانيا فى جميع أسواق العالم كما شهد بذلك الرحالة وجوّابو الآفاق. وإنما هى تقيم الأوكازيونات لدواعٍ إنسانية نبيلة هى التمتع برؤية الموظفين وهم يقفون خاشعين إلى جوار زوجاتهم يوازنون بين الأسعار المخفضة وعلى وجوههم ملامح السعادة.

2− التشبث بأقوال الأطباء : يسىء بعض الناس الظن ببعض الأطباء الذين يطلبون إليهم تقديم صورة بالأشعة أو رسم للقلب ويفهمون ذلك على أنه نوع من الكسل ورغبة فى توفير الوقت فى حالة الأشعة. أو أنه رغبة فى تحصيل ثمن جهاز رسم القلب الموجود بالعيادة ذاتها. كما يشيع بعض الخبثاء أن بعض الأطباء حين يتمسك بأدوية معينة من صيدلية معينة إنما يفعل ذلك لأن الصيدلية ملك له أو لزوجته أو لأخيه. فكل ذلك محض افتراء، وقد وصل ببعضهم الافتراء إلى حد مخيف فقد حكى أحد القرويين أنه زار طبيباً جراحاً مشهوراً نصف شهرة وكان يشتكى من البواسير فصمم الطبيب أن يقوم هذا الفلاح بعمل نظارة فلما توجه إلى طبيب العيون الذى حدده له الجراح وجد تشابهاً فى الأسماء فأصابته حالة غريبة اتضح فيما بعد أنها حالة نادرة من ) الزغطة ( أصابت عبارات هذا الفلاح بالتقطع وأصابت مجالسيه ومستمعى قصته بحالة غريبة من الضحك المفاجئ مما انتهى بالفلاح إلى طبيب نفسى يعالجه من الاكتئاب الذى أصيب به ليمكن بعد ذلك تحويله إلى طبيب باطنى يخلصه من حالة الزغطة التى تكاد تنسيه ضعف بصره بسبب إصابته بالبواسير الحادة !!.

ويقال إن سبب انحسار الأمية يعود إلى قانون كان وراء إصداره نخبة متميزة من النواب من العمال والفلاحين  ليتسنى لناخبيهم التصويت من أجل نجاحهم ! وقد قضت مواد القانون الشهير بصرف مكافأة قدرها جنيه واحد عن كل ) رأس ( يتم محو أمية صاحبها للمعلم الذى يقوم بالتدريس لهذا الأمى، وخمسة جنيهات عن كل ) رأس ( لمدير المدرسة وعشرة عن كل ) رأس ( لمدير الإدارة التعليمية وعشرون جنيهاً عن كل ) رأس ( للمدير العام للتربية والتعليم وخمسون جنيهاً عن كل ) رأس ( للسيد المحافظ.!!

كيفَ تكونُ مُمِلاًّ ؟

يتهددك خطر عظيم إذا استلطفك الناس، فالإنسان أنانى بطبيعته ومؤثر لمصلحته بفطرته، فإذا ما آنس فيك لطفاً، أو خفة ظل، أو مروءة، أو أريحية، سارع إلى صداقتك، وألح فى التقرب إليك، والاستئثار بك، فيغنم منك جليساً مريحاً، وسميراً ودوداً، وإلفاً مألوفاً، وتخسر وقتك الثمين فتسكبه طواعيةً واختياراً لترطيب جلسات أصدقائك الجافة، وتجهد عقلك ولسانك وفكرك وراحة بدنك من أجل سعادتهم وهم بذلك مغتبطون وعليه حراص.

فتنبه –أرشدك الله إلى القصد وعصمك من الغفلة− إلى هذا المنزلق الخطر، واجعل من شخصك المحبوب المطيع المهذب اللطيف شخصاً آخر مثيراً للملل، مستفزاً، ثقيلاً، سمجاً، حتى تكسب نفسك، وتوفر جهدك، وتفوز بوقتك.

وما عليك إن أردت أن تكون مملاً إلا أن تتخذ " التناحة " لك منهجا، وتقاطع من يتحدث، مرة بعد مرة، بأسباب ومداخلات تافهة مغرقة فى التفاهة، فيبغضك المتحدثون، ويرون فى حضورك جلساتهم مصدراً عظيماً من مصادر التوتر والقلق والإملال.

ثم عليك إذا رأيت اثنين يتسارَّان أن تقتحم عليهما ما يحاولانه من خلوة، وأن تسأل وتلحَّ فى السؤال عما يصل إلى أذنيك من حديثهما ذاك الذى يتسارَّان به، ولا تستح إذا ما جَبَهَك أحدهما أو كلاهما بكلمة نابية، أو لوم عنيف، أو ذمٍّ قاسٍ. وعليك الاستمرار فى تقَحُّم سرهما ومحاولة فكِّ غوامضه، وتفسير كوامنه.

واعلم –وفقك الله للخير ووفق الخير إليك− أنك لن تدرك من بُغْيتك كلَّ ما تريد أو بعض ما تريد إلا إذا أخذت نفسك بكثير من الصبر والجَلَد، ووطنتها على مغالبة الغضب ومدافعة الثورة إذا ما سبك أحد الجالسين، أو سخر منك، أو طلب إليك أن تفارق جلستهم.

فإن حدث شيء من ذلك معك، فتقبله قبولاً حسناًَ، وأيقن فى داخل نفسك، أن ما يوجَّه إليك من سبٍّ وشتمٍ وطردٍ وسخريةٍ، إنما هى دلائل انتصارك، وعلائم فوزك، وأنك عما قليل بالغٌ من هدفك – وهو إملالُ الجالسين− بعضَ ما تريد.!

واعلم – نوَّرَ الله بصيرتك− أن من أسباب انتصارك أن تتبنى الرأى الضعيف، وتنتصر للفكرة البغيضة، وتدافع عن السخف بقوة وحماسة . ضد أى أحد فى أى مجال !!!

ولكى تكون مملاً عظيماً، عوِّد نفسك الخوضَ فيما لا تفقهُ من الأمور، ووطِّنها على الجدل العقيم، فإذا ثار جدل بين فريقين من جلسائك حول كرة القدم التى لا تفقه فيها شيئاً، فخُضْ مع الخائضين، واعمد إلى أبغض اللاعبين إلى نفوس القوم فامتدحه ما استطعتَ، وتخيَّرْ أسوأ مواقفه الرياضية التى يمقتونها لتتخذ منه دليلاً على عبقريته الرياضية !!. ولا تبالِ بما يتناثرُ على وجهك من بُصَاق القوم – إن وصل المللُ إلى حد البصق على وجهك− بل قابلْ هذا السلوكَ ) وهو كما تعلم سلوك قبيح( بصدرٍ رحب، ونفسٍ متسامحة، وضحكةٍ صفراء فاقع لونها تصيب مرارة جلسائك فى مقتل !!.

وإذا سألتنى – وقاك الله الفهمَ− عن أعظم أبواب الملل أثراً، فسأجيبك بأنه الرغى والإزباد، فما عليك إلا أن تبدأ الحوار بموضوع تافه، أو قصة سبق أن حكيتَها لأصحابك خمسين مرة، أو معلومةٍ عديمة القيمة، ثم تأخذ فى شرح الواضح وتفسير مالا يحتاج إلى تفسير، وتستشهد فى كلامك – من باب حرق الدم− بأسماء ومصطلحات أجنبية تخترعها اختراعاً إن لم تمطرك بها ذاكرتك لحظتئذ.

ومن باب التلطف وتخفيف حدة الخلاف، عليك أن تستعين ببعض النكت بشرط أن تكون من السخف والقدم والبرود بحيث لا تُضحِك حتى الأبله، فإذا ما انتهيتَ من روايتها، ففجِّر ضحكةً عاليةً، مجلجلةً، طويلةً، صاخبة، هادرة، مدويِّةً، متصلةً لا تكاد تنقطع، ولا بأس إن صحبت تلك الضحكةَ مصافحةٌ قسريةٌ منك لأقرب مجالسيك. على أن تكون مصافحةً قاسيةً عنيفةً مؤلمةً تنقصف لها أصابعُه أو تكاد.

ومن تراث المُمِلِّين العظام مبدأٌ معروفٌ هو : "خالف تعرف" فإذا هاجم القوم التدخينَ فحدِّثهم عن مزاياه، فمثلاً إذا تحدثوا عن خطره الصحي، فشككهم فى مصادرهم، وأنها ليست علمية وإنما هى من الصحف تنشر ذلك دون مرجع موثوق بصحته، كيف وقد أثبتت التحاليل أن فى النيكوتين شيئاً قل أو كثر من البروتين ؟!! وهل يكون خطره الصحى على ذى المِرَّة السويِّ هو نفسَ الخطر على ضعيف البنية المتهاوي؟

وإذا تحدثوا عن حرمته الشرعية فما عليك إلا أن "تقلوظ" العمَّةَ على دماغك الكثيفة الأحراش، "وتلغوص" فى أدلتهم تفنيداً وتضعيفاً مستدلاً بآراء من أباحوا التدخين من قدامى العلماء، حينئذ ستظفر من جلسائك –أعداء التدخين− بقدر كبير من الاحتقار والشعور بالملل منك ومن اليوم الذى عرفوك فيه.

فإذا كان جلساؤك ممن يدخنون، فأفرغ عليهم جعبةَ مضارِّه الصحية منسوبةً إلى مصادر طبية تختلق أسماءَها بوقارٍ شديد، ثم اتلُ عليهم ما تحفظ من فتاوى التحريم والكراهة التى تحفظها.

فالمهم –فى الحالين− أن يسلم لك مبدأ "خالف تعرف" !!

ولست أدرى أينجح هذا المقال فى تعليمك فنون الملل أم لا ؟ أتمنى ألا يكون قد أطلت أوخاننى " التعمير " !!

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة