مروان بابلو
مروان بابلو


عن مصر التي لا نعرفها

الراب.. أغاني الأمل والهم

أخبار النجوم

الأحد، 07 مارس 2021 - 12:41 م

كتب/ أحمد بيومي

لم يتفق يوما مؤرخو الموسيقى العالمية عن زمن أو مكان أو كيفية نشأة موسيقى الراب. بعض النظريات تنسبها إلى أصحاب البشرة السمراء فى الولايات المتحدة الأمريكية، وأخرى ترجعها إلى جنوب أفريقيا أبان فترة الفصل العنصري، لكن ما اجتمع عليه الغالبية الساحقة أنها نشأت كصوت مغاير للرائج من الموسيقى والكلام، صرخة قادمة من الأحياء البائسة تعالج أمور الحياة اليومية، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، من منظورها الخاص ووفقا لمعطياتها الثقافية. الملايين من المصريين، خاصة فى أجيال صغيرة السن، تحب وتسمع وتردد هذه الأغنيات، لأنها تعبر عنها وعن أحلامها بأسلوب جرئ يشبه ما يمرون به فى حياتهم اليومية شديدة الصخب والخطر. 

فى مصر، لك أن تتخيل هذا المشهد، إن لم تكن قد رأيته مئات المرات، حارة أو شارع ضيق فى حي قديم متلاصق العمارات غير مخطط، ومع الساعات الأولى من اليوم وحتى فجر اليوم التالي، لا يهدأ الصخب، حتى تصبح التفرقة بين الأصوات أمرا مستحيلا، نداءات بائعو كل شئ، طرقات الورش المنتشرة بالضرورة، صوت الخبط على الأنابيب، محلات الطيور، قرآن المقهى وكركرة الشيشة، عشرات وربما مئات الأصوات المتداخلة والمتكررة بلا توقف. فكان من الطبيعى أن يطرح الزمن جيلا تشبع بهذه الضوضاء، يسعى للتعبير عن نفسه وعن همومه وأحلامه وربما كوابيسه، بصوته الخاص الجرئ .. فكانت أغنية الراب المصرية .. 
الآن، تشهد الساحة المصرية موجة جديدة، كالطفرة، من فن الراب، ومنه يتفرع نوع موسيقي منفصل سُمي بفن التراب Trap، والذى أصبح نوع موسيقي منفصل دمج لاحقا فى المدرسة الجديدة للراب، ويهتم بخلق جو موسيقي، لذلك يعتمد على تلحين الكلام بدرجة أكبر وانتقاء الكلام المُقفى البسيط. أما الراب فهو أقوى من حيث الكلمات، ويعتمد على رص الأخيرة فى الأداء دون تلحين زائد للحروف أو غناء. ويُطلق لقب رابر على من يؤدي أحد هذين الفنين.
يتميز مشهد الراب اليوم بوجود العشرات من المغنيين، ودخول استوديوهات عديدة فى الإنتاج، وطفرة جيدة فى صناعة الموسيقى، وتصوير الفيديو كليب الذي بات عاملا أساسيا فى نجاح الأغنية. وتسود تيمة الصراع اللفظي بين مؤديي الراب فى أغلب الأغاني، خصوصا الأكثر شهرة، وهو ما يُعرف بـ«الدسات» Diss وهي جزء من طبيعة فن الراب.
وعلى عكس ما قد يظنه البعض، الهدف من الدسات ليس الكراهية أو الخلاف، بل التنافس وإثبات القدرة على الكتابة والأداء، فهي تُشبه الهجاء والمبارزات الكلامية فى الشعر، خاصة أن مغنيي الراب هم من يكتبون كلماتهم، وبذلك هم أقرب إلى الشعراء. ومع الوقت، تأثر الراب المصري بأغاني المهرجانات. وقد ينتج الخلط بين اللونين أغاني قوية ومميزة، ويزيد من جمهور الراب، كما الحال مع أغنية «الجميزة» لمروان بابلو التي حققت نحو 4.5 مليون مشاهدة.
وإذا توقفنا عن مروان موسى، وهو من أشهر مقدمي الراب فى مصر، وأكثرهم احترافية وغزارة إنتاجية تجد اللغة المتحررة فيقول: «معايا موزة، معايا خوخة، جسم متخلف زي قزازة كولا، لما تلف تعملنا دوخة»، وهى كلمات يدركها ويفتن بها جيل لا نعرف عنه الكثير.  
في تراك 21، يخبرنا ويجز «21 ولساني 60 ولساني سكين»، «لسه بكتب أغنية بحط فيها الآمال والهم اللي فيّ»، الأغنية تبدأ بشاب مصري صغير السن، تم ضربه والتعدي عليه بشكل وحشي، يسيل الدم من كل شبر فيه، لكنه على الرغم من ذلك يقف على قدميه، يظل يبحث عن طريقة للبقاء على قيد الحياة، يحاول الجري والهرب حتى تنتهي الأغنية.
عفروتو، يعتبره كثيرون وريث التراب من أحفاد الغناء الشعبي، وكأنك تستمع لنسخة معدلة من موسيقى عدوية تختلط بموسيقى الراب. فى أغنية «سجارة» التي يبدو كأنه تم تصويرها بشكل شبه مكتمل على «سطوح» بيت عفروتو، يحكي لنا حكاية مأساوية للغاية عن غدر الصحاب والجيران وذكريات الأهل، محتوى قريب للغاية من الغناء الشعبي الذي تسمعه فى أغاني طارق الشيخ، لكنه يُقدم بشكل جديد وبموسيقى جديدة وبكلمات راب تشبه رصاص الآلي.
أبو الأنوار هو صاحب شخصية مغني الراب ذي الحس الساخر فى هذا المشهد المشتعل، يرتدي نظارته الشمسية، يجلس مرتديا الروب فى البيت وسط أصدقائه، عيون نصف مفتوحة ونصف مغلقة. فى سكو سكو يخبرنا أبو الأنوار «وأنا هادي هادي هادي، بكسب دايما أصلي عادي عادي عادي، احنا بنعمل مش بنهاتي». كلمات خفيفة مبهجة تخلق أجواء لطيفة فى أغاني أبو الأنوار، الذي يبدو أيضا أنه ليس ببعيد عن السخرية من الجيل السابق من الموسيقيين، الذي يصفه فى أغنية أخرى بأنه «جيل عمر أفندي».
وإذا كان ويجز هو المعبر عن هموم الشباب الصغير، ومروان موسى هو الشاب الوسيم، فمروان بابلو هو الأب الروحي لموسيقى التراب، وهو أكثر أفراد هذا الجيل كاريزما بلا منافس. بابلو هو رجل الجميزة، الأغنية الغرائبية التي جذبت اهتماما واسعا لموسيقى التراب، بابلو هو أيضا «دماغ شغالة مش بتنام» بكل ما حفزته من سخرية وميمز، وهو فى الحقيقة أحد أكثر مغني الراب المصري نضجا، فى أحد حواراته المصورة يخبرنا بابلو أن مغني الراب فى مصر يغنون بعضهم إلى بعض، لكي يثبتوا من فيهم أكثر «صياعة»، لكنه على جانب آخر يريد أن يغني للمستمع العادي، يريد أن يدفعه لكي يضع أغنية راب فى قائمة الأغاني التي يستمع لها على تليفونه المحمول.
غابة التي عاد بها بابلو تبدأ بـ «السلام عليكم اظهر يا مختفي»، وتنتهي بمقطع مستوحى بصريا من تحفة داود عبد السيد السينمائية «أرض الخوف»، مع كلمات «ده الموضوع وديا الغريزة بإيدك وسنانك ومتحلش الفريسة».
شاهين هو الصوت الغاضب فى مشهد الراب المصري، أقدم من ويجز وبابلو ورفقائهما، مر بتحولات، لكنه ظل مطرب الراب الذي يقدم نفسه بأنه لم يتغير ولا يزال منتميا للبسطاء والشارع، شاهين فى صوت غاضب وحزين، يتحدث عن الفقد الشخصي والمهني، ولا يختار كلمات رقيقة الملمس، على العكس تماما.
لشاهين تأثير كبير فى العديد من أبناء هذا الجيل، وقد حقق تراكه صوت بجع الذي يبدأ بحديث موجه لباقي مغني الراب فى مصر قائلًا: «سيبوني عايزين مني إيه، مبقاش عندي اللي أزعل عليه». 
ومروان موسى الذى يقدم وجها آخر، فى بوصلة التي حققت ما يزيد عن 3 ملايين مشاهدة على يوتيوب، نرى وجها مغايرا لتراك شيراتون، هنا مروان يقدم تراك راب رومانسيا هادئا للغاية، يقول مروان: «بحر كبير، مش عامل صوت، نور القمر سايح على الموج، بنموت م الخوف، ونخاف م الموت، كلها شوية نطلع على فوق».
مروان يمكنه الكتابة ليتحدث بصوت الناقم على الحياة، كما يمكنه الكتابة بصوت الشاب الصاخب مرتاد الحفلات ومحب الرقص، ويمكنه أيضا كتابة تراكات لـ «نكش» صناع الراب الآخرين.
هذه لمحة عن مشهد الراب المصري، وعن ملايين من المصريين خاصة فى أجيال صغير السن، تحب وتسمع وتردد هذه الأغنيات، لأنها تعبر عنها وعن أحلامها بأسلوب صاخب يشبه ما يمرون به فى حياتهم اليومية الصاخبة أيضا. 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة