عبدالله البقالى نقيب الصحفيين المغاربة
عبدالله البقالى نقيب الصحفيين المغاربة


حديث الأسبوع

أصابع الاتهام تشير إلى المناخ

الأخبار

الأحد، 07 مارس 2021 - 05:59 م

بقلم/ عبدالله البقالي

لم تتسرب أية معطيات ولا أخبار حول نتائج الزيارة الاستقصائية التى قام بها وفد من خبراء منظمة الصحة العالمية إلى الصين، والتى قيل إنها حققت فى منشأ فيروس كورونا، مع كل اللغط الذى قيل حول عدم تعاون بيكين مع هذه المنظمة الدولية فى شأن مصدر هذا الوباء الذى هز أركان العالم بأسره.

لا أحد يمكنه حاليا الحديث بقطعية عن مصدر هذا العدو الفتاك، مما فسح المجال أمام التكهنات والتوقعات التى زادت الأمر تعقيدا وغموضا، بين من يجزم بأن الأمر يتعلق بإرادة متعمدة هدفت إلى الربح الاقتصادى عبر صناعة تلقيح يمكن شركات معينة من مراكمة أرباح مالية طائلة على حساب سلامة وأمن المجتمع البشرى العالمي، وبين احتمال ولادة فيروس من صناعة دوائية معينة حيث تسرب الفيروس من أحد المختبرات المختصة، ومن هناك انفلت من المراقبة وانتشر بسرعة فائقة بين البشر بطريقة لم يكن ممكنا معها مواجهته ومحاصرته.

وفى زحمة اجتهادات التفسير والتبرير التى سادت خلال الأشهر القليلة الماضية، هناك من ذهب بعيدا فى توجيه أصابع الاتهام إلى التغيرات المناخية، التى أدى التفريط فيها إلى إفراز ظواهر طبيعية جديدة حفلت بالمفاجآت الغريبة والكثيرة والتى أضحت تهدد سلامة وأمن العالم. وفى هذا الصدد نشرت وسائل إعلام غربية خلاصات دراسة أنجزها فريق من العلماء المتخصصين فى كل من المملكة المتحدة وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية أكدت أن "سبب تفشى فيروس كورونا فى الصين يكمن فى خفافيش نقلت الفيروس" وفسرت الدراسة هذا الأمر بأن آليات التغيير البيئى فى جنوب الصين والمناطق المحيطة أدى إلى زيادة حادة فى تنوع أنواع الخفافيش. وأن تغير المناخ العالمى وارتفاع درجات الحرارة وزيادة ضوء الشمس وارتفاع ثانى أوكسيد الكاربون فى الغلاف الجوى أحدث تغيرا فى تكوين الغطاء النباتى والموائل الطبيعية للحيوانات فى العديد من مناطق العالم.

هذه الفرضية العلمية وجدت سندا لها فى دراسة علمية بيئية أخرى نشرتها مجلة "sciencedirect" همت منطقة جنوب الصين والمناطق المحيطة بها فى ميانمار ولاووس، كشفت من جهتها عن حدوث تغيرات كبيرة فى نوع الغطاء النباتى فى هذه المنطقة خلال القرن الماضى. وتشير المعطيات فى هذا الشأن إلى أن مدينة ووهان الصينية التى انطلق منها فيروس كورونا، عرفت ظهور 40 نوعا جديدا من الخفافيش منذ بداية القرن العشرين إلى اليوم، وهذا العدد الهائل من الخفافيش قادر على جلب 100 نوع جديد من الفيروسات من جنس كورونا، ويعود ذلك، بحسب العلماء المتخصصين إلى ظاهرة الاحتباس الحراري، وما يرتبط به من نمو للغابات المطيرة، مما أهل المنطقة لتصبح "نقطة ساخنة عالمية" لظهور مسببات أمراض حيوانية جديدة المنشأ.

وأكد أحد العلماء المشرفين على إنجاز هذه الدراسة، الدكتور روبرت باير من قسم علم الحيوان فى جامعة كامبردج بأن " تغير المناخ خلال القرن الماضى جعل الظروف فى مقاطعة ووهان جنوبى الصين مناسبة لظهور مزيد من أنواع الخفافيش " وأضاف بالقول إنه " نظرا لأن المناخ غير صالح، فقد انتقلت العديد من أنواع الخفافيش إلى أماكن أخرى، تحمل معها فيروساتها، وقد أدت التفاعلات بين الحيوانات والفيروسات فى الأنظمة المحلية الجديدة إلى ظهور عدد كبير من الفيروسات الضارة الجديدة " ويناصر العلماء هذا التفسير بالتأكيد على "أن الزيادة فى أعداد الخفافيش فى منطقة معينة تزيد من احتمال ظهور مسببات الأمراض الخطيرة على البشر هناك∪ ، ويستدلون على ذلك بالإشارة إلى أن تغير المناخ أدى إلى زيادة أنواع الخفافيش فى مناطق وسط إفريقيا وأجزاء من أمريكا الوسطى والجنوبية. وما يزيد هذه الخلاصات العلمية أهمية وخطورة التذكير بأن أنواع الفيروسات التاجية يصل عددها فى العالم إلى 3000نوع، وكل نوع من هذه الفيروسات يحمل فى المتوسط 2،7 فيروس كورونا، وإن لم يثبت بشكل قطعي، إلى اليوم، انتقال معظم هذه الفيروسات من الحيوانات إلى البشر.

هذه قراءة من رزمة كبيرة من القراءات التى حاولت كثير من الأطراف من خلالها فهم ما حدث فى العالم خلال سنة كاملة، وبالأحرى إنها محاولة من المحاولات العديدة التى اجتهدت فى البحث عن منشإ هذا الفيروس الذى لا يرى، ولكنه أحدث فى العالم ما لم تحدثه نزاعات مسلحة وكوارث إنسانية كثيرة، وهى قد تهدف إلى تسليط الأضواء الكاشفة على مناطق ظلمات قاتمة تسببت فيها الأزمة الصحية الطارئة التى خلقت أجواء الرعب فى العالم بأسره، ولم تستطع كبريات الدول بعلمائها وبإمكانياتها المالية والمادية واللوجستيكية الكثيرة والهائلة من محاصرتها والتغلب عليها.

وهى قراءات وتفسيرات لم تقنع البشر ليركن إلى الثقة والاطمئنان، لأن الوباء لايزال يحصد آلاف القتلى بشكل يومي، ولا زال يفرض تشديدا متواصلا فى تدابير العزل والانغلاق والاحتماء فى المنازل، وفى التسلح بالاحتياطات التى أحدثت تغييرات عميقة فى السلوك الإنسانى المعتاد وفى الحياة الطبيعية التى كانت محل قلق وغضب، لكن الجميع اليوم يتمنى أن تعود بما تحمله من سلبيات لأنها كانت على الأقل تسمح بأن يباشر الإنسان عيشه اليومى العادى.

و قد يكون المجتمع الدولى فى حاجة إلى سنوات أخرى لمعرفة ما جرى، فقد تكون هناك أسرار وخفايا تتجاوز الحقيقة العلمية، وقد تكون مرتبطة برهانات وحسابات متعددة ومختلفة. وإلى ذلك الحين سيستمر الغموض وستزيد مناطق الظل.

نقيب الصحفيين المغاربة

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة