محمد سعد
محمد سعد


أمنية

خريف الثلاثينيات

محمد سعد

الأحد، 07 مارس 2021 - 06:12 م

شريط طويل من الذكريات يشهد شهادة حق يوثق لمجتمع أبدا لن تموت فى جوفه قيم وتقاليد تبقى خالدة خلود الوجود، أول أمس عند الظهر جاءنى اتصال من رقم غريب وكنت متواجدا فى إحدى المصالح الحكومية لإنجاز بعض الأوراق، هممت بالرد رغم ان المتصل مجهول واذا بى افاجأ بأن الشخص الموجود على الطرف الأخر ما هو الا احد اساتذتى القدامى الذين مدوا يد العون لى فى بداية الطريق، هو أستاذنا وائل صادق معجزة الاخراج الصحفى فى زمانه، وكان الرجل قد سافر منذ ما يزيد على خمسة عشر عاما إلى إحدى الدول العربية، و كعهدى بى وجدته مرحبا حنونا فى حديثه واخبرنى انه ينتظرنى فى الجريدة وأنه متشوق لرؤيتي، اغلقت الهاتف على وعد باللقاء فى خلال ساعة وتفرغت لأنجز مهمتى وأعود سريعا للقاء شيخى الجليل.

ما ان اغلقت الهاتف وجدتنى أنظر إليه وابحر فى عمق ذاكرتى فالمكالمة اعادتنى الى الوراء سنوات امتدت لأكثر من ستة عشر عاما حين كنت فى بداية حياتى العملية، اكتشفت فجأة اننى اصبحت فى خريف الثلاثينيات وقد قارب قطار العمر أن يصل إلى محطته الرابعة، رحلة طويلة امتدت لما يقرب من عقدين قضيتها داخل جدران هذه المهنة قابلت الكثير وسمعت الكثير وكنت شاهدا على ما هو أكثر بكثير، ولست أبالغ ان جيلى من أبناء مهنتى كان محظوظا للغاية انه عاصر حقبة من اهم بل وادق الحقب التى عاشتها الدولة المصرية.

نعم شهادة حق للتاريخ جيلى كان محظوظا للغاية فقد عاصر عهد مبارك وشارك فى تغطية أحداث ثورة يناير 2011 وعام الاخوان الحزين وثورة 30 يونيو الخالدة وما تبعها من احداث ارادت بها الجماعة أن تسرق مصر، شاركت الصحافة فى إعادة رسم وجه الدولة المصرية فى هذا الوقت وكانت مهنتى شاهدة على التنمية التى حدثت على الأرض منذ 2014 وحتى يومنا هذا.

دون شك أو تحيز لمهنتي فإن الصحافة جسدت صورا حياتية مضيئة أضاءت وجه حياة المصريين وأظهرت قسمات ملامحه الأصيلة فبانت ما اختبأ خلف جدار الأيام واختبأ بفعل عوامل حياتية ومتغيرات اعترت وجدان الناس واختبأت عن عيون الناظرين وعادت إليها تنظرها العيون.

الحقيقة ان لكل زمان صورة ينسج ملامحها واقع ومتطلبات تتجدد تفرضها المتغيرات والابتعاد عنها يدفع الجميع ليضلوا الطريق فلا يهتدوا سواء السبيل فتسير الخطى على درب غير الطريق ونبتعد عن مرفأ ترنو إليه العيون بعد سفر طويل وقد يطول السفر دون وصول إذا ما افتقدنا القدرة على نسج صورة تبدو بملاح واقعية لطبيعة ومتطلبات شعب.

شريط الذكريات لا يزال يمر واعتقد سوف يستمر حتى تكتب كلمة النهاية ويسدل الستار على مشهد الحياة، وعلى ما يبدو كتب على هذا الشريط ان يظل حافلا بالاحداث التى لم ولن تنسى فبعضها عالق لا ينسى والبعض قد أخذ مكانا فى القلب لا ينازعه فيه احد واخر سيظل محفورا فى الوجدان مهما حيت، بين لحظة واخرى تعيدنا بعض الاحداث الى دفتر الذكريات نقلب فيه ربما نضحك على ماضينا وربما نأنس بما فاتنا، لكن الاهم أن الذكرى باقية لا ترحل الا بالرحيل.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة