محمود الورداني
محمود الورداني


أحداث

طارق البشري

أخبار الأدب

الثلاثاء، 09 مارس 2021 - 12:16 م

من حُسن حظي بلا شك أننى قرأتُ مبكرا كتب الراحل الكبير طارق البشري، وقد تأثر جيل كامل، بل وأجيال بأعماله الكبرى المؤسسِة لوعى تلك الأجيال منذ أواخر ستينيات القرن الماضي. أعني من قرأوا كتبا مثل تاريخ الحركة السياسية ( حتى في طبعته التالية للطبعة الأولى، حيث أعلن فى تلك الطبعات مراجعة موقفه وتخليه عن بعض الأفكار أو تغييرها، فهذا حقه الكامل، لأن هذا التغيير نابع عن قناعة وتفكير وتدبر، خصوصا والحديث يدور حول قاض عُرف بالنزاهة والانتصار للعدل وإعمال نصوص وروح القانون) ومثل كتابه المسلمون والأقباط فى إطار الجماعة الوطنية، والديمقراطية والناصرية.. وغيرها وغيرها من الأعمال المؤسسِة.

وكنتُ فى غضون عام 2005 على الأرجح قد أعددت بستانا نشرته أخبار الأدب عن طارق البشري الذى كان قد تقاعد (أعتذر بسبب الذاكرة اللعينة عن عدم دقة التواريخ، وإن كنت أعتقد أننى لم أخالف الحقيقة كثيرا) وضم ذلك البستان حوارا معه وشهادات من معاصريه وممثلين عن الأجيال التى تتلمذت على أعماله الفكرية والتاريخية، ومقالات أخرى حول تلك الأعمال.

لا أظن أن أحدا يجادل فى الدور الذى لعبه كقاض نظيف اليد ويتمتع بتلك السُمعة، ووصل إلى أرفع المناصب كنائب أول لرئيس مجلس الدولة، ورئيس للجمعية العمومية للفتوى والتشريع عدة سنوات.

وعلى الرغم من مواقفه الفكرية وقناعاته الدينية، فإن منهجه و تحليلاته اعتمدت على الوقائع المادية، ورصد أفكار القوى السياسية كافة ومناقشتها، فى سعى دائم ومتواصل نحو العثور على صيغة وطنية توحّد بين الفرقاء فى إطار وطن يتسع للجميع.

أعرف بالطبع أن هناك كثيرين يرون أن دوره بعد ثورة 25 يناير، كرئيس للجنة تعديل الدستور، التى قررت أن الاستفتاء أولا، قاد إلى تداعيات مخيفة، بينما كان موقف الكثيرين وأنا منهم يرى أن تعديل الدستور هو الأولى بالإقرار. فالإخوان والسلفيين كانوا يسيطرون منذ سنوات على الجماهير، ولم تتح الفرصة والتجربة للقوى الحقيقية التى قامت بالثورة لأن تتبلور وتؤثر وتمد الجسور مع الناس ومع الحياة السياسية عموما. لذلك شهدنا ماأطلق عليه السلفيون غزوة الصناديق التى دقّت أول مسمار فى نعش الثورة المصرية، وماتبعها من إجراء الانتخابات أولا، قبل أن تستعد قوى الثورة الوليدة. وكان من بين النتائج والتداعيات المترتبة على ذلك برلمان ومجلس للشورى يتمتع فيه الإخوان والسلفيون بأغلبية تتجاوز الأغلبية التى كانت للحزب الوطنى فى العهد البائد.. لاأجادل فى أن هذا كان الخطأ الأكبر الذى قاد إلى الكارثة الكبرى وفشل الثورة، لكن البشري لم يكن المسئول عن هذا وحده، كما أن أسباب الفشل متعددة، وليس هنا المجال المناسب للمناقشة فى هذاه القضية.

لا أدعى الرصانة وتكبير الدماغ وإعمال الديمقراطية الأثينية. الخطأ قاتل وواضح ومهلك. ومع ذلك فالرجل سيرته حافلة، وانتصاره للعدل والقانون ونظافة اليد على مدى نصف قرن من العمل المتواصل لاتحتاج إلى إثبات، وأعماله الفكرية والسياسية تشكلّ ركنا أساسيا ومهما من عقل الوطن بكامله.

ليختلف الواحد ومن واجبه أن يختلف وليس من حقه فقط. لكن الأستاذ طارق البشري عالم ومفكر كبير له هذا الإسهام البارز فى التاريخ المصرى الحديث، وهو مايجب أن يكون محل تقدير من المختلفين معه.

وداعا للأستاذ طارق البشري.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة