الشيخ الشعراوي
الشيخ الشعراوي


عمارة الأرض عبادة

الأخبار

الخميس، 11 مارس 2021 - 08:49 م

"إن الحق سبحانه وتعالى قد استخلفنا فى الأرض من أجل أن نعمرها. ومن حسن العبادة أن نتقن كل عمل وبذلك لا نقيم أركان الإسلام فقط ولكن نقيم الأركان والبنيان معاً".

"‎واستعمركم فِيهَا" أى طلب منكم أن تعمروها، فكل حركة فى الحياة تؤدى إلى عمار الأرض فهى من العبادة، فلا تأخذ العبادة على أنها صوم وصلاة فقط؛ لأن الصوم والصلاة وغيرهما هى الأركان التى ستقوم عليها حركة الحياة التى سَيُبنى عليها الإسلام، فلو جعلت الإسلام هو هذه الأركان فقط لجعلت الإسلام أساسا بدون مبنى، فهذه هى الأركان التى يُبنى عليها الإسلام، فإذن الإسلام هو كل ما يناسب خلافة الإنسان فى الأرض يبيّن ذلك ويؤكده قول الله تعالى: "هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأرض واستعمركم فِيهَا" "هود: 61".

‎ويخرج إلينا أناس يقولون: نحن ليس لنا إلا أن نعبد ولا نعمل. ونقول لأى منهم: كم تأخذ الصلاة منك فى اليوم؟ ساعة مثلا. والزكاة كم تأخذ منك فى العالم يوماً واحداً فى العام؟ والصوم كم يأخذ منك من وقت؟ نهار أيام شهر واحد. وفريضة الحج أتأخذ منك أكثر من رحلة واحدة فى عمرك؟ فبالله عليك ماذا تفعل فى الباقى من عمرك من بعد ذلك وهو كثير؟ إنك لا تأخذ أكثر من ساعة فى اليوم للصلاة، ولا تأخذ أكثر من يوم فى السنة لإخراج الزكاة، وتقضى شهراً فى السنة تصوم نهاره. وتحج مرة واحدة فى عمرك، فماذا تفعل فى بقية الزمان، ستأكل وتلبس، ستطلب رغيف الخبز للطعام فمن الذى سيصنعه لك؟ إن هذا الرغيف يمر بمراحل حتى يصير لقمة تأكلها. ويحتاج إلى أكثر من علم وأكثر من حركة وأكثر من طاقة.

‎إن المحل الذى يبيعه فقط ولا يخبزه يحتاج إلى واجهة من زجاج أو غيره، ولابد أن يعمل فيه من يذهب بعربته إلى المخبز ليحمل الخبز، وينقله إلى المحل ويبيعه وإذا نظرت إلى الفرن فسوف تجد مراحل عدة من تسليم وتسلم للدقيق، ثم إلى العجين، وإلى النار التى توقد بالمازوت، ويقوم بذلك عمال يحتاجون لمن يخطط لهم، وقبل ذلك كان الدقيق مجرد حبوب، وتم طحنها لتصير دقيقاً، وهناك مهندسون يديرون الماكينات التى تطحن، ويعملون على صيانتها، وبعد ذلك الأرض التى نبت فيها القمح وكيف تم حرثها، وتهيئتها للزراعة، وريها، وتسميدها، وزرعها، وحصدها، وكيف دُرِسَ القشر والسنابل، وكيف تتم تذريته من بعد ذلك، لفصل الحبوب عن التبن، وتعبئة الحبوب، إلى غير ذلك؟

‎انظر كم من الجهد أخذ رغيف الخبز الذى تأكله، وكم من الطاقات وكم رجال للعمل، فكيف تستسيغ لنفسك أن يصنعوه لك، وأنت فقط جالس لتصلى وتصوم؟ لا، إياك أن تأخذ عمل غيرك دون جهد منك.

‎مثال آخر، أنت تلبس جلبابا، كم أخذ هذا الجلباب من غزل ونسج وخيط؟ إذن فلا تقعد، وتنتفع بحركة المتحرك فى الحياة، وتقول: أنا مخلوق للعبادة فقط، فليست هذه هى العبادة، ولكن العبادة هى أن تطيع الله فى كل ما أمر، وأن تنتهى عن كل ما نهى فى إطار قوله تعالى: "هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأرض واستعمركم فِيهَا" إن كل عمل يعتبر عبادة، وإلا ستكون (تنبلاً) فى الوجود. والإيمان الحق يقتضى منك أن تنتفع بعملك ولا تعتمد على عمل غيرك.

‎إن الحق سبحانه وتعالى قد استخلفنا فى الأرض من أجل أن نعمرها. ومن حسن العبادة أن نتقن كل عمل وبذلك لا نقيم أركان الإسلام فقط، ولكن نقيم الأركان والبنيان معا. ونكون قد أدينا مسئولية الإيمان، وطابق كل فعل من أفعالنا قولنا: (لا إله إلا الله).

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة