د. أحمد كريمة
د. أحمد كريمة


د.أحمد كريمة: المخدرات تتساوى مع الخمور فى التحريم.. والتوبة مقبولة

سنية عباس

الخميس، 11 مارس 2021 - 09:00 م

 

تعاطى المخدرات داء يصيب ضعاف النفوس والوازع الدينى، الصغير منهم والكبير، الغنى والفقير، الجاهل والمتعلم من الجنسين، فيشكل ذلك ظاهرة لا تنتهى حوادثها ولا يرتدع من يستحلها من العقوبة رغم تعقب السلطات لهم، وفى هذا الحوار مع د.أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف، نناقش ما يختلط على البعض من مفاهيم خاطئة للإجابة على تساؤلات عديدة.

يقول د.أحمد كريمة: تقوم الشريعة الإسلامية على جلب المصالح ودرء المفاسد وحماية الإنسان من الخبائث التى تهدد سلامته وتصده عن ذكر الله والتقرب إليه تعالى، والمخدرات من الخبائث وتعاطيها محرم باتفاق فقهاء المسلمين، يقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) وضرب الفقهاء مثالاً فى ذلك بقولهم ولو تناول مقدار قطرة فقليل الربا وكثيره سواء وأى مقدار من لحم الخنزير قليله وكثيره سواء، واتفق الفقهاء الذين ظهرت المخدرات فى زمانهم فى القرنين السادس والسابع الهجرى على حرمة تعاطيها وكان المنتشر منها الحشيش، ولم يرد عن المتقدمين من الفقهاء تعريف بالمخدرات ولكن وافقوا علماء اللغة فى معنى التخدير الذى يولد الكسل والفتور وهو ما ينطبق على المخدرات المصنعة والمخلقة أيضاً المنتشرة بكثرة فى وقتنا الحاضر وتنتج من المواد الطبيعية والكيميائية سواء كان تعاطيها عن طريق الأكل أو الشرب أو الحقن أو الشم، ويتابع: وبناء على ما تقدم فكل مادة يثبت أنها تسكر أو تخدر أو تفتر العقل ينطبق عليها الحكم بالتحريم، وإذا كان حكم التشريع الإسلامى فى الخمر واضحاً فى القرآن الكريم والسنة الشريفة بالتحريم والمخدرات تحدث نفس أثر الخمور فإنها حتمًا ستأخذ حكم المسكرات وإن لم يرد نص صريح فيها لعدم تداولها فى صدر الإسلام ولكن يكفى نهى الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن تناول كل مسكر ومفتر والنهى عن تناول الشيء يدل على تحريمه.

ولذا شدد التشريع الإسلامى فى تحريم المخدرات لاتفاق ذلك مع تعاليم المحافظة على الضرورات الخمس وهى الدين والنفس والنسل والمال والعقل وفى تعاطى المخدرات ما ينافى المحافظة على هذه الأصول، كما تحرم الشريعة الإسلامية كل اتصال بها حيازة أو تهريباً أو تصنيعاً أو زراعة أو تملكها وبيعها والانتفاع بها مثلها مثل الخمر فقد لعن الرسول، صلى الله عليه وسلم، فى الخمر عشرة عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشترى لها والمشتراة له، قالت عائشة رضى الله عنها: (إن الله لا يحرم الخمر لاسمها وإنما حرمها لعاقبتها فكل شراب عاقبته كعاقبة الخمر فهو حرام كتحريم الخمر)، وعليه فإن الإتجار فى كل من المخدرات والخمور مكسبه خبيث وينشر الفساد بأنواعه ويحط قدر متعاطيها فى المجتمع.

ويضيف: أباح علماء الشريعة تناول القليل من المخدرات بقصد التداوى كالاستعمال الظاهرى كمخدر موضعى ويكون من قبل طبيب موثوق به تخصصاً وأمانة، كما يجوز استعمال الكثير منها إذا اقتضى الأمر ذلك لغرض شرعى صحيح كالتخدير فى العمليات الجراحية فحرمة المخدرات ليست حرمة ذاتية إنما حرمتها مبنية على ما تحدثه من أضرار عقلية وجسدية وبيئية، وعند استخدامها فى الحالات المرضية لا يقصد به السكر المؤدى إلى النشوة للمتعاطى ولكن لأمر طبى مباح بقدر الضرورة للتخدير (كالبنج) قال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه).. ويؤكد: تحرم مجالسة من يتعاطون المخدرات أو يتعاملون بها لما فى ذلك من ضرر بالجليس فى دينه ودنياه قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك (يعطيك) وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا منتنة)، فلا يصاحب العبد إلا مؤمنا ولا يأكل طعامه إلا تقى كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.

ويستكمل: أفاض العلماء الحديث عن تعاطى المخدرات لما ينتج عنها من آثار سيئة فى المعاملات كالتصرفات بتحرير العقود الصادرة ممن زال عقله فأقر البعض بعدم صحة هذه المعاملات لعدم القصد الصحيح منها واختلف البعض بصحتها لأن زوال العقل كان بسبب محظور الإنسان مختار فيه، وكذا اتفق فقهاء الشافعية والحنفية على أن إيقاع الطلاق يكون صحيحا لمن يزول عقله بسبب التعاطى لأنه لم يكن مكرها على ذلك.

وعن عقوبة متعاطى المخدرات يوضح أن تعاطيها له عقوبات دنيوية زجرية وعقوبات أخروية، والدنيوية حد من الحدود الشرعية وهى ضرب المتعاطى ثمانين جلدة بحكم قضائى وموافقة ولى الأمر ومن يفوضه الحاكم لأن الحدود الشرعية لا تقام إلا بأمر الحاكم عندما تتوفر أركان جريمة التعاطى وهى العمد والعلم والقصد والشيء المسكر (المخدر)، أما العقوبات الأخروية فهى اللعن والوعيد الشديد لعدم الامتثال لتحذير الله بقوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة).

ويضيف: التوبة من تناول المخدرات مقبولة بإذنه تعالى لقوله عز وجل: (قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً)، وأيضًا واقعة لعلمنا بحال أناس كثيرين تابوا من المخدرات وحسنت توبتهم وصاروا ممن ينهون غيرهم عن هذا المنكر. 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة