عباس محمود العقاد
عباس محمود العقاد


في ذكرى رحيله.. «العقاد» عاش حياة صاخبة بالمعارك.. ونعى نفسه بالشعر

نادية البنا

الجمعة، 12 مارس 2021 - 07:35 م


«لي أصدقاء بحمد الله، ولي أعداء بحمد الله، لقد حاربت الطغيان والفوضى، وحاربت رؤوس الأموال، وحاربت مذاهب الهدم والبغضاء، وحاربت التبشير، وحاربت التقليد الأعمى والدجل المريب باسم الدين، وحاربت الجمود والرجعية، وحاربت الأحزاب والملوك، لقد حاربت هتلر ونابليون وحاربت المستعمرين، وحاربت أعداء الأدب المسمى بالقديم، وحاربت أصدقاء الأدب المسمى بالجديد، وحاربت الصهيونية، لقد حاربت جميع هؤلاء، فالتقى على محاربتي أناس من هؤلاء وهؤلاء» .

تلخص هذه الكلمات الحياة الصاخبة بالمعارك لأبرز أدباء مصر والعرب في العصر الحديث، عباس محمود العقاد، إنها الكلمات التي كتبها عن نفسه في كتاب «أنا».

شاهد أيضا: عجائب حياة «العقاد»| استعان بـ«صرصار» لينسى حبيبته

وتحل اليوم ذكرى رحيل مؤلف «العبقريات» عباس محمود العقاد الذي وافته المنية  في 12 مارس 1964، بعد 75 عاماً مليئة بالمواقف الجريئة والمؤلفات الرائعة، بالإضافة إلى تاريخه السياسي، وخوضه معارك بارزة في الأدب كما في السياسة.

مواقف أثرت في تكوينه

في أسوان بأقصى جنوب مصر ولد العقاد في 28 يونيو 1889 لأب مصري وأم كردية الأصول، ونال الشهادة الابتدائية عام 1903، ولم يستطع إكمال تعليمه لفقر والده، لكن بالصبر والصلابة والعناد التي قال إنه ورثها عن والدته قرر تعليم نفسه بنفسه، وأن يكون مثقفاً وأديباً ومفكراً وشاعرًا وروائياً لا يتطلع على الكتب العربية فحسب، بل الإنجليزية التي تعلمها بمفرده.

زار مدرسته الابتدائية الشيخ محمد عبده فأرا المعلم دفتر الإنشاء الخاص بالتلميذ النابغه، فأثنى عليه وتنبأ له بمستقبل باهر في الكتابة، وكان والد العقاد يأخذه إلى مجلس الشيخ أحمد الجداوي أحد علماء الأزهر الشريف الذين تتلمذوا على يد الشيخ جمال الدين الأفغاني.

..قابل العقاد في شبابه مشاهير عصره من أدباء مصر والعربية مثل عبد العزيز البشري وجورجي زيدان وعبد القادر المازني وعبد الرحمن شكري، كما قابل الأديبة اللبنانية مي زيادة، بالإضافة إلى لقاء كثير من أدباء مصر والعرب، فاجتمعت للعقاد أسباب النبوغ والنضج المبكر من صفاء ذهن وإصرار على المطالعة ولقاء المشاهير، وهي اللقاءات التي تحولت إلى معارك مع أبرزهم.

معاركه السياسية

لم يتزوج العقاد، وعندما سئل عن السبب قال إنه لا يريد أن يشق على امرأة بالزواج منها لكثرة معاركه وتنوعها.

وكانت أشهر معاركه السياسية مع الملك فؤاد عندما أراد إسقاط عبارتين من الدستور، الأولى تنص على أن الأمة مصدر السلطات، والثانية تؤكد أن الوزارة مسؤولة أمام البرلمان، ولما كان العقاد أحد أعضاء البرلمان وقف رافعاً رأسه بقوة وصلابة الجنوبي المثقف المفوه ليقول «إن الأمة على استعداد لأن تسحق أكبر رأس في البلاد يخون الدستور ولا يصونه» وكلفته العبارة 9 أشهر في السجن بتهمة العيب في الذات الملكية.

استقر العقاد في القاهرة بعد وفاة أبيه عام 1907، وتنقل بين أعمال مختلفة تخص الصحافة والوظيفة والتدريس، وعندما قامت ثورة 1919 كان أحد مناصريها بل المدافع الأول عن حزب الوفد وزعيمه سعد زغلول، لكنه سرعان ما اصطدم بالأخير، إلا أنه استمر في مناصرته لحزب الوفد حتى اصطدم بسياسته في عهد السياسي الراحل مصطفى النحاس، فأعلن العقاد عام 1935 اعتزاله السياسة، كما بدأ نشاطه الصحفي يخبو، فترك الأهرام وروز اليوسف وغيرهما ليتفرغ للتأليف.

معاركه الأدبية

خاض العقاد معارك أدبية استمرت قرابة نصف قرن، أولها كانت مع أحد أبرز أدباء عصره طه حسين بشأن "رسالة الغفران" لأبي العلاء المعري، وبدأها العقاد لما قلل من خيال المعري في الرسالة، لكن أعنف معاركه كانت مع أديب بارز آخر هو مصطفى صادق الرافعي، ودارت المعركة حول إعجاز القرآن الكريم واللغو بين الإنسان والحيوان، وشهدت هجوما بالغ العنف من طرفيها.

أما معركة العقاد مع أمير الشعراء أحمد شوقي فوصفها وزير الثقافة المصري السابق حلمي النمنم بأنها "انطوت على قدر كبير من القسوة حتى أنه (العقاد) يكاد يخلع عنه (شوقي) ليس فقط إمارة الشعر، بل جنسية جمهورية الشعر".

مؤلفاته

ترك العقاد رصيدا من المؤلفات تجاوز مائة كتاب، أشهرها العبقريات، ومن أبرزها عبقرية الصديق وعبقرية عمر وعثمان ذو النورين وعبقرية علي، وعندما سئل لماذا اخترت عنوان "عثمان ذو النورين" بدلا من عبقرية عثمان أسوة بالبقية، قال "لقد رأيت في عثمان ملكا من ملائكة البشر وليس عبقريا فحسب" .

وتعتبر العبقريات من أهم ما كتب في القرن الماضي، خاصة أن العقاد تصدى من خلالها وبشكل غير مباشر للداعين إلى التغريب والساعين للتركيز على بطولات وزعامة غربيين، مؤكدا جدارة وعبقرية شخصيات تاريخية مسلمة.

كما ترك مؤلفات تاريخية واجتماعية ودراسات نقدية ولغوية ودواوين شعرية ورواية واحدة هي "سارة"، ونال تكريما مصريا بجائزة الدولة التقديرية عام 1959.

ونعى العقاد نفسه بقوله:

إذا شيعتمونى يوم تأتي منيتي.. وقالوا أراح الله ذاك المعذبا

فلا تحملوني صامتين إلى الثرى.. فإني أخاف القبر أن يتهيبا

ولا تذكروني بالبكاء وإنما.. أعيدوا على سمعي القصيد فأطربا


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة