رجائى عطية
رجائى عطية


مدارات

صناعة التفوق

رجائي عطية

الجمعة، 12 مارس 2021 - 09:41 م

ومن الغريب أن تسبقنا الحضارة الغربية إلى ما كنا أصحاب السبق فى إعلاء قيمه .. فالعمل فى ذاته قيمة ، وهو لغة الحياة ورباط الأحياء .. والآدمى معلق مصيره بعمله.
ماذا عمل وماذا قدم ! يتحقق ناتج هذا العمل بمهارة الأيدى وضربات السواعد وحبات العرق ، مثلما يتحقق بناتج القرائح والعقول .. كان رسول القرآن عليه السلام إماما للعاملين ، ومثالاً لاحترام قيمة العمل وشرفه .. لازَمَه وصاحَبَه من طفولته وصباه إلى شبابه وكهولته وشيخوخته ، ولم تثنه عنه مهام الدعوة .. رعى الغنم ، وباشر التجارة لحساب غيره فى أمانة ظلت مضرب الأمثال .. كان يخصف نعله بيده ، وشارك المسلمين فى حفر الخندق بيديه حتى تعفر وجهه الكريم بالتراب ، ويأبى إلاّ أن يشارك فى العمل .. ويقول لأصحابه ! « أعلم أنكم تكفوننى ، ولكن الله تعالى يحب العبد المحترف ويكره العبد البطال ». .. ويقول لهم : « من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفورا له».
على أن تقلص إفراز الأفذاذ والكفاءات المصرية التى عمرت بهم حياتنا حتى عهد قريب ـ ليس مهمة وزارة القوى العاملة ، فإعداد العقول ونشر التعليم  والثقافة ، وصناعة التفوق قضية كبرى لها وزاراتها وهيئاتها وأجهزتها المختصة بين التعليم والتعليم العالى والثقافة والإعلام .. وقضية التعليم فى مصر ، قضية تراخى ترتيبها زمنًا باتت فيه تعانى كثيرًا من الأسقام ، مع أنها يجب أن تتصدر جدول الأولويات .. فالعلم أولاً وآخرًا ، والتعليم أولاً والتعليم أخيرًا .. هذان المبدآن يجب أن يكونا قرة عين الدولة كلها إعلاءً وتطبيقا .. بينما توارت إلى عهد قريب أى استراتيجية ثابتة للتعليم إزاء تغييرات الوزراء وعدم الالتزام بهذه الاستراتيجية التى لا يجوز أن تتغير وتتبدل كل يوم ، ويجب أن تتبلور فيها القواعد العليا للتعليم والموازنات الواجبة بين قطاعاته المتنوعة ، وعناصر العملية التعليمية مـا بين البرامج ، والمعلم ، ودور التعليم ، مع وجوب الالتزام بروح وصناعة التفوق ـــ هذه الروح يبدأ غرسها فـى الأسرة ، ويتم تخصيبها ورعايتها فى مراحل التعليم .. وهذه الخاصية ـــ روح التفوق ـــ خاصية مانحة ذات أثر ممتد .. تلازم الإنسان فى حياته العملية طالما انزرعت فيه خلال مراحل التعليم ولاقاها المجتمع بمدد ثقافى وقاعدة معرفية ثقافية حية ومتاحة عبر قنوات التوصيل فى الثقافة والإعلام وفى غيرهما من منظمات المجتمع المدنى.
لا شك قد عانت العملية التعليمية ، فضلا عن التبديلات فى الاستراتيجية ، وتواضع مستوى الإدارة ، وتراجع مستوى ودور المعلم ، وتدهور المبانى والدور التعليمية  ـــ عانت فضلا عن ذلك كله من تغير جدول القيم بعامة ، وفى خريطة القيم الاجتماعية بخاصة ، ومن ورائها قيم الأفراد ، واختلاف توزيع الدخل بما صاحبه من اتساع الفجوة بين الأغنياء وباقى المجتمع ، ثم ما أدى إليه تضخم أعداد خريجى التعليم العالى  ـــ بلا تعليم حقيقى ! ـــ من هبوط مرتبات الوظائف المكتبية ، وارتفاع مـعدلات أجور المهارات الحرفية والخدمات اليدوية.
فى روح التفوق وصناعته ، يتجمع تقدم التعليم ومعه الأمم .. هذه الروح ومعها صناعة التفوق التى تهيئ أسبابه وعناصره وتوفر فرصه وإمكانياته ـــ هما اللتان تنقلان العملية التعليمية من الأداء العادى أو الباهت أو الفاتر أو المتواضع ، إلى أداء حى متفاعل مشبوب بالرغبة والحماس والعزم والإصرار على اتخاذ التعليم سبيلا لارتقاء حقيقى فى العقل والمعرفـة .. عينه على الذات وعلى الوطن جميعا ، واضعا فى الاعتبار أن كليهما يصب فى الآخر ، وأن الأمم كالأفراد ـــ لا تتقدم إلاّ بهذا المزيج من العزم والإصرار الذى تتلاقى فيه الصناعة مع الروح والانتماء للدفع الدائم إلى الأمام ! 
روح التفوق يجب أن تتلاقى مع صناعة فاعلة رشيدة للتفوق ، فالتفوق صار صناعة تستلزم الخبرة والدراية ، والتنظيم  والكفاءة ، وتتواصل مع روح التفوق ليحققا معا غاية التفوق المنشود.
هناك أسباب عديدة مردودة إلى هيئات كثيرة وإلى المجتمع بأسره ، وراء نضوب إخراج قامات مثل القامات التى زينت حياتنا العلمية والأدبية والثقافية والاقتصادية والفنية إلى وقت قريب.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة