تاريخ «زفة» المصريين.. قهوة للمعازيم وإلقاء ذهب تحت قدمي العروسين
تاريخ «زفة» المصريين.. قهوة للمعازيم وإلقاء ذهب تحت قدمي العروسين


حكايات| تاريخ «زفة» المصريين.. قهوة للمعازيم وإلقاء ذهب تحت قدمي العروسين

شيرين الكردي

الثلاثاء، 16 مارس 2021 - 07:37 م

سُمعة مصرية تسبق شعبها لتفننه في إقامة الأفراح وربما لا يضاهيهه شعب آخر فيها، لأنه لا يدخر شيئا من أسباب السرور إلا أدخله في أفراحه مهما كلفهم هذا.

 

ولم يكن التفنن في الأفراح مقصورًا على الأغنياء والميسرين من المصريين فقط؛ بل العائلات المتوسطة والفقيرة أيضا تنفق في الأفراح نفقات تربو كثير على ما تسمح به ثرواتها وكثير ما يكون الزواج سببًا في إفلاس بعض العائلات وضياع أموالها.

 

الدكتورة قمرات السيد محمود المتخصصة في التاريخ الحديث أزاحت الستار عن شهادة الأميرة جويدان- زوجة الخديو عباس حلمي الثاني- في مذكراتها التى تطرقت لوصف الأفراح المصرية.

 

ورغم أن حديث الأميرة جويدان يعتريه الدقة ويشوبه التعميم خاصة وأنه يخالف ما أشار إليه أغلب الرحالة والمستشرقين الذين زاروا مصر في القرن التاسع عشر من أن أفراح العامة كانت تتسم بالبساطة والاقتصاد في النفقات، إلا أنه كان لحفلات الزفاف في ذلك العهد بهجة بالغة، خاصة عند الأعيان الذين كانوا يتفنون في تفخيمها وتعظيمها.

 

اقرأ أيضًا| «الجنيه أبو جملين».. أحمد «الأزهري» يحتفظ بكنز من العملات النادرة

 

وتنافست الأسر في مظاهر البذخ والإسراف فيها فينفقون المال بغير حساب، سواءً أكان ذلك في الولائم أو في الزينات ومعالم الأفراح، ولا يكتفون بليلة واحدة؛ بل يحيون في العادة ثلاث ليال، وبلغ بعض هذه الأفراح من البهاء والروعة ما جعلها أحاديث الناس يتناقلونها جيلًا بعد جيل.

 

وظل الزواج عند علية القوم يبدأ بالاحتفال الرسمي عندما يجتمع العريس بمنزله في الليلة التي تسبق ليلة الزفاف مع أصدقائه المقربين ممن يجيدون الغناء والعزف على الآلات الموسيقية، وكانت هذه الاجتماعات تعرف بالضمم فيقضي الجميع لياليهم في سهرات لطيفة ممزوجة بألحان الموسيقى ونغمات الغناء.

 

ومن العادات المتبعة في ليلة الزفاف أن يرسل العريس العربات الفخمة مع والدته إلى بيت العروس لأخذها من بيت أهلها إلى بيت الزوجية في عربة فخمة مزينة بالشيلان الكشميرية يجرها اثنان أو أربع جياد، ويحرسها اثنان من الأغوات على الجياد بالإضافة إلى المقدم "التابع" للعروس وهو يسير على قدميه بجانب العربة وهؤلاء جميعا كانوا يرتدون شيلانا من الكشمير تهدى إليهم من العريس.

 

وتتقدم عربة والدة العريس الموكب، يليها العروس وذلك لتقودها إلى المنزل ثم والدة العروس، ويظل هذا الموكب في سيره والموسيقى تعزف خلفه مارًا ببعض الشوارع المهمة حتى يصل إلى منزل العريس، بحسب ما رواه خبير الآثار الدكتور عبدالرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بجنوب سيناء.

 

ويتابع بأنه حينئذ يتقدم العريس لاستقبال عروسه فتأبى وتتمنع ثم تبدأ في النزول بعد فترة من الإلحاح الشديد عليها-وكانت هذه عادة متبعة-، وتنحر بعدها الذبائح على عتبة باب المنزل ثم تزف داخل حرم السراي حيث يسير العروسان معًا في فناء المنزل بين صفين من الأغوات يمسكون بالشيلان الكشمير لحجب العروس عن أعين الرجال.

 

ثم تقوم العوالم بالرقص أمامهما إلى الكوشة المزينة لاستقبال العروسين وفي أثناء ذلك تبدر "البدرة"- وهي عبارة عن نقود ذهبية أو فضية صغيرة يقوم أهل العروسين بإلقائها على المدعوين-، وتقضي العوالم والمغنيات الليلة في الرقص أمام كوشة العروس، وبعد تقديم المدعوات الهدايا الكشميرية إلى العروس والتهاني إلى الوالدة والأميرات، يقدم للمدعوات القهوة، وعند تكامل حضور الأميرات وكبيرات المدعوات يقمن إلى غرفة المائدة.

 

وعقب تناول العشاء توجه العريس مباشرة إلى المسجد في زفة مكونة من أصدقائه وبعض الخدم من حاملي الورود والمصابيح تتقدمهم جميعًا الموسيقي وذلك لأداء ركعتين يعود بعدهما العريس إلى المنزل، حيث يدخل ثانية إلى الحريم لتزفه العوالم إلى"الكوشة"، وتعاد عملية البدرة، وأخيرًا يتقدم العريس إلى عروسه فيرفع ما على وجهها من الدواك، ويراها لأول مرة ويجلس بجانبها برهة، يقدم لهما فيها الشراب، ثم يختفيان عن العيون.  

 

أما في الطبقات الفقيرة فإن موكب العروس كان على العكس من نظيره عند الطبقات الثرية فإذا كان الأول قد تميز بالإسراف فالثاني قد عرف بالبساطة الشديدة، ولقد قدمت سائحة إنجليزية تدعى إميليا إدواردز وصفًا لزفة عروس من العامة شاهدتها في شوارع القاهرة أثناء زيارتها لمصر عام 1873؛  حيث ذكرت بأن الزفة كانت عبارة عن حشد من الرجال، وفرقة موسيقية وعددًا من النساء المحجبات بينهن العروس يركبن ثلاث أو أربع من الحناطير المؤجرة، أمّا العريس فكان بين الرجال يداعبونه وهو محاط بالطبول الضخمة التي تعوق تقدمه.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة