علاء عبدالوهاب
علاء عبدالوهاب


يوميات الأخبار

من يقدر على «إلباس الشمس النظارة»؟!

علاء عبدالوهاب

الثلاثاء، 16 مارس 2021 - 07:57 م

 

«لم يكن هدفى من عقد المقارنة الحط أو التقليل من شأننا، بل العكس تماماً، أعنى إثارة نوع من الغيرة الحضارية، والدفع باتجاه التغيير الإيجابى»
الخميس:
يبرع أولاد البلد فى سك، ثم تداول تعبيرات تترجم إلى جانب خفة الدم، قدراً هائلاً من الفهلوة بداية من «دهان الهواء دوكو» مروراً بـ «عبيت المية المجففة فى زجاجة»، وليس انتهاء بـ «إحنا اللى لبسنا الشمس النظارة»!
تلك مجرد عينة من جمل بعضها أصبح جزءاً من الفولكلور المصرى، وأخرى تسربت إلى الغناء الشعبى، أو تسرب منه إلى لغة الشارع اليومية، وفى كل الاحوال فإنها تعكس جانباً من ملامح قيم وطبائع، تشكل فى مجملها خصائص ثقافية ونفسية، لفئات عريضة من المصريين.
تداعت الفكرة حين قرأت عن تجربة هى بمثابة تطبيق عملى، لمقولة «إلباس الشمس نظارة» التى لاتتجاوز عندنا حدود الفهلوة، لكن هناك من سعى لتحويلها إلى حقيقة، البداية تكون بالشق النظرى، ثم تطوير الفكرة عبر الكمبيوتر استعداداً لدخول مرحلة التطبيق العملى.
ثمة خاطر لايخلو من طرافة يمر سريعاً برأسي؛ هل استمع أحد المشاركين فى فريق البحث الأمريكى،  اثناء زيارته لمصر سائحاً حكاية «النظارة التى نجح أحدهم فى وضعها على وجه الشمس»، فاستفزته علمياً، وقال لنفسه، ولم لا أحولها لواقع؟!
ربما قفزت بخيالى مساحة هائلة إلى احتمال بعيد، لكن إذا كان الشيء بالشيء يذكر -كما يقولون- فقد تذكرت واقعة طريفة بطلها صحفى شاب- آنذاك- كان مسرحها باليابان قبل نحو ربع قرن من الزمان.
فى هذه الواقعة؛ ما كاد صديقى المصرى يستمع من ضيفه اليابانى إلى حكاية الماكينة التى تدخلها البقرة حية لتخرج من الجانب الآخر فى صورة علب بلوبيف، فباغته المصرى بأن مخترعاً من بلدياته إخترع آلة مذهلة، إذ يتم افراغ علب البلوبيف فى جوفها، فإذا بها تخرج من الجهة الثانية فى هيئة أبقار حية! كان التعليق الفورى للياباني: لن يمضى وقت طويل حتى نلحق بهذا الاختراع.
وسرعان ما اكتشف الاثنان أن كليهما يمزح، إلا أن المغزى يظل ماثلاً، فاليابانى قبل أن يلتفت إلى ان الأمر لا يخرج عن كونه دعابة من العيار الثقيل تعامل معه بجدية تامة، وكان رده التلقائى، ان فى بلده من يستطيع -أيضاً- وإن تأخر، فلابأس، والعبرة بالناتج النهائى.
أعود -بعد استطراد طال- إلى ما انجزه فريق علمى امريكى بجامعة هارفارد.
 إنهم فكروا فى مظلة لحماية الأرض من الحرارة الزائدة للشمس، التى تؤثر سلباً على حياة جميع الكائنات على، فى ظل تحولات مناخية خطيرة لابد من مواجهتها بسرعة.
الحل يتمثل فى سحابة أو «نظارة» بعرض مائة متر وطول تسعمائة متر تحجب الشمس لخفض الحرارة، عبر اطلاق بالون فوق القطب الشمالى، ينشر مادة كربونات الكالسيوم فى طبقات الجو العليا، لتنخفض الحرارة، لكن ما هى الآثار الجانبية للتجربة، المسألة مرهونة بما تسفرعنه عملياً، إلا أن وجهة نظر العلماء أن الأمر جدير بالمخاطرة، لأنه أياً كانت النتائج فلن تكون اسوأ من آثار الاحترار المتصاعد!
فى البدء كانت الملاحظة
السبت:
«وجدتها»..
صيحة أرشميدس الخالدة، التى كلما أستدعتها الذاكرة، فإنها تستدعى معها أهمية الملاحظة فى الاكتشاف، فإن لم تستطع أن تلاحظ ما حولك لن تطور معارفك، وخبراتك.
فى البدء كانت الملاحظة.
نيوتن- كنموذج آخر- لم يخلق الجاذبية، لكنه اكتشفها لأنه «لاحظ» ما لم يحرص غيره على ملاحظته.
شيء قريب من ذلك حدث قبل ثلاثة عقود وبالتحديد فى العام1991. ثار فى الفلبين بركان غاضب غضباً عظيماً شديداً، وحين انفجر قاذفاً حممه، انتج 20 مليون طن من ثانى اكسيد الكبريت، وحين وصلت إلى طبقة الجو العليا لاحظ العلماء أن الغاز المتصاعد صنع سحابة عملاقة، أحاطت بالكرة الارضية، أفضت لخفض فى درجة الحرارة نصف درجة مئوية لنحو عام ونصف العام، من هنا انطلقت شرارة الفكرة.
جهود كثيرة بُذلت، وأعوام انقضت قبل أن يعلن فريق هارفارد انجازه، والاستعداد لإجراء تجربتهم العملية قبل أن تغرب شمس 2021.
وإذا كان المرء لا يملك إلا الانتظار الممتزج بالاعجاب، فإن الاعلان عن التجربة استدعى من أرشيفى ماكتبته حول ذات الفكرة فى باب «آفاق المستقبل» بالصفحة الأخيرة من جريدتى «الأخبار» على مدى سنوات.
بعنوان «حلم تبريد الأرض» أشرت فى نهاية يونيو 2009 إلى فكرة شبيهة بما توصل إليه فريق هارفارد، تتلخص فى «حقن طبقات الجو العليا بجزيئات  كبريتية فائقة الدقة، يمكن أن تعكس ما بين ١و٢٪ من كمية ضوء الشمس التى تسقط على سطح الارض»، والفكرة تقترب من الوظيفة ذاتها التى تؤديها النظارة العاكسة للضوء الشديد.
بعدها بنحو شهرين عرضت مبادرة لعلماء من بريطانيا وأمريكا مفادها أن تجوب محيطات العالم ألف سفينة تعمل بطاقة الرياح النظيفة، تمتص المياه حيث تبحر، ثم تدفعها بقوة هائلة عبر أنابيب طويلة كقطرات صغيرة، فتصل لعنان السماء مكونة أعداداً هائلة من السحب البيضاء، فتشكل ما يشبه النظارة الهائلة أمام وجه الشمس لخفض حرارتها.
فى يوليو 2011 عدت للكتابة عن نفس القضية، بعد أن خرج عالم فلك أمريكى بتطوير لفكرة المظلة أو النظارة لحماية الأرض من أشعة الشمس، عالم الفلك روجر انجل تصور امكانية اقامة درع أو «نضارة» عند نقطة تسمى «لاجرانج» تقع بين الشمس والارض، على بعد ١٫٥ مليون كيلو متر، والتضاد بين جاذبية الارض والشمس عند هذه النقطة يتيح وضع عائق يلقى بظله الدائم على الأرض.
هكذا يفكرون فى كيف يتم إلباس الشمس نظارة؟!
هل نستطيع؟ نعم
الاحد:
عند تأمل طريقة التعامل مع حكاية «إلباس الشمس النضارة» عندنا، وعند «الآخر»، سوف نكتشف أن ثمة فوارق فى الثقافة وطريقة التفكير، وطبائع البشر، لكن حتى لا ننزلق إلى نوع من جلد الذات عند رصد بعض جوانب الخلل فى أهلنا، لابد ألا نقع فى محظور التعميم، فليس كل أولاد البلد فهلوية، أو متواكلين، أويميلون للعشوائية فى تفكيرهم، وبالمقابل ليس «الآخر» الغربى أو الآسيوى غاية فى الانضباط، وحب العمل، والالتزام بالمنهج العلمى.
هنا وهناك يوجد الصالح والطالح، لكن ثمة سمات مشتركة إلى جانب ما يتمتع به كل انسان ليشكل خصوصيته.
بل فى داخل كل إنسان على وجه الأرض الجيد والرديء، ويمكن لأى أمة أن يتجاوز مواطنوها الشوائب العالقة بتكوينهم إذا توافرت شروط التغيير للأفضل.
تنمية القدرة على التفكير العلمى، ممكن.
اكتساب القدرة على الحلم، عبر خيال لا يشطح بصاحبه بعيداً عن امكاناته، وقدرته على تعظيمها، وارد.
نبذ العادات السلبية، واكتساب بدائل إيجابية، لايدخل فى عداد المستحيل.موروثات من قبيل «دهان الهوا» و«تبليع الاونطة» و«تلبيس الشمس النظارة»، لم تكن أبداً منقولة جيلاً بعد جيل فى جيناتنا الوراثية.
لم يكن هدفى من عقد المقارنة على مدى السطور السابقة الحط أو التقليل من شأننا، بل العكس تماماً، أعنى إثارة نوع من الغيرة الحضارية، والدفع باتجاه التغيير الايجابى عبر تواصل حضارى منزه عن الوقوع فى حبائل التبعية.
المنجزات الحضارية، وإن كانت أوضح فى صورتها المادية، إلا أنها وليدة شرعية لنهوض أخلاقى وثقافى قبل أى اعتبار أو عوامل أخرى، والمهم هنا خلق المناخ والبيئة المهيئتين للخروج من الدوائر السلبية التى يحبس الكثيرون منا أنفسهم داخلها، ويواصلون الدوران فى اطارها، مع تحلية واقعهم بقدر لابأس به من خفة الدم والفهلوة.
أراهن فقط على استهداف التغيير للأحسن، ثم التكيف مع قيم وطبائع تقود نحو المستقبل الذى نستحقه إذا أخذنا بأسبابه. هل نستطيع؟ يقينى أنه: نعم نستطيع.
ورثة المستقبل
الاثنين:
د. مصطفى مشرفة، د.سميرة موسى، د.فاروق الباز، د. أحمد زويل و...و... وأسماء بالمئات بل بالآلاف أثبتت جدارتها بالانجاز العلمى، وأضافت لمسيرة الانسانية.
لن أستدعى التاريخ عبر خمسة آلاف سنة وتزيد، ففى الأمس واليوم ما يغنى.
فى الملتقيات العلمية، والمسابقات التى يشارك فيها علماء ومبتكرون ومبدعون مصريون من أجيال مختلفة يحتل كثيرون مراكز متقدمة، ومواقع مرموقة، مما يبعث الأمل فى القلوب، لكن ربما لا يجد هؤلاء -إلا ماندر- الحفاوة الاعلامية التى تجعل منهم القدوة والمثل، والأخطر أن غيابهم اعلامياً يحجب نور الأمل، بينما يكون الاحتفاء بالغث والتافه من نماذج يعنى تسليط الضوء عليها أن تكون الغلبة لمن يزينون «الاونطة» و«الفهلوة»!
ثمة نماذج مضيئة هم ورثة المستقبل.
مصر ولّادة، ولم تكن ابداً عقيمة، ولن تكون.
هكذا أردد، واستمع لصدى هذا اليقين فى ضميرى وقلبى، وأظن أن هذا ما يحدث مع ملايين غيرى.
الاستشراف، التنبؤ، التوقع، مفردات يجب ألا يقتصر التعامل معها على الكيانات الكبرى، بل ربما كان الأوجب أن تشغل مساحات متسعة من حيز عقل الانسان الفرد، إذ التطلع للمستقبل مسألة انسانية -بالاساس-  يجب أن تشغل بال الجميع منذ يتشكل الوعى، فلماذا لايكون الوعى الناضج عدوى حميدة تنتشر وتتغلغل، لتصوغ- فى النهاية- وعياً جماعياً يسهم فى صياغة مستقبلنا المشترك.
لنتطلع إلى الشمس بنظرة مغايرة لفهلوة أولاد البلد، فالنهضة لا تتحقق بالتقليد للغير، وانما بقدرتنا على انتاج المعارف والمهارات، تلك هى المعضلة.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة