د. أحمد الطيب
د. أحمد الطيب


أحد عشر عاماً طيباً

بوابة أخبار اليوم

الثلاثاء، 16 مارس 2021 - 08:02 م

يبدأ فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، نهاية الأسبوع الجارى، العام الثانىَ عشر له فى مشيخة الأزهر الشريف، بعد أحد عشر عاماً طيباً أزهرَ فيها فِكْرُه، وأثمر خلالها زَرْعُه، ومكث فى الأرض أَثَرُه الذى ينفع الناس؛ كُلَّ الناس، وبلغت رسالة منهجه بقاعاً شتَّى، أقرَّت له ولأزهر المسلمين بالإمامة والتمثيل، وتشبَّثت به لتُضمِّد جِراحها، وتبحث عن خروجٍ آمنٍ من دوَّامات الكراهية والعنف والرفض والإقصاء.

11 عاماً ارتكزت على 14 قرناً من إسهام رسالة الإسلام السَّمْحة فى مسيرة الحضارة الإنسانية، بوصفها دعوةً عالميةً جاءت لبناء الإنسان، وصيانة دَمِه ومالِه وعِرْضه، ورفضت- فى حقيقتها النَّاصعة- الظلم والعنصرية والتطرُّف والإكراه، وأقرَّت الرِّفْقَ بكل مخلوقات الله. 

11 عاماً استندت على 10 قرون أضاء فيها الأزهر بقاعاً شاسعةً من الدنيا بنور العلم والمعرفة وحفظ الدين، متمسِّكاً بجذور المنهج، ومتكيِّفاً مع مقتضيات العصر، ما جعله قادراً على الاستمرار ألفَ عامٍ ويزيد، متجاوزاً الأنواء والاضطرابات والقلاقل والغُزاة والسلطات. 

11 عاماً بَنَتْ على مسيرة عطاء ممتدة ومتواصلة من ألف عام لأبناء هذه الجامعة الأزهرية الفريدة، الذين حملوا مشاعل التنوير والتحديث فى مصر ومحيطها وسائر العالم الإسلامى؛ فكانوا بذوراً لزَرْعٍ يَنْعَمُ الجميع بثماره ويحاولون البناء عليه.

عاماً وراء عامٍ فى تلك الأعوام الأحد عشر، عَبَرَ خلالها الإمام الطيب بسفينة الأزهر أمواجاً متلاطمة، قَصَمت ظَهْرَ أنظمة ودول وجيوش ومؤسسات، واجه الرِّيح العاتية محافظاً على كيان الأزهر ومكانه ومكانته، بالتزامن مع الحفاظ على الوطن واستعادته وحماية هُوِيَّته التى كان ولا يزال الأزهر جزءاً أصيلاً منها.

أحد عشر عاماً من التجديد والاشتباك مع واقع الناس، وإطلاق نموذج إنسانىٍّ نبيلٍ للإسلام، لا إفراطَ فيه ولا تفريط، لا تهاون مع من يختطفه لصناعة تطرُّفه وتشدده، ولا مع من يطعن فيه لتمييع منهجه وتذويب هُوِيَّته، ما جعل الأزهر حصناً للمصريين، ومرجعاً للمسلمين، ومقصداً للراغبين فى الحوار والفهم، ونصيراً لكل الإنسانية حول العالم. 

أحد عشر عاماً اختبرت فيها الوقائعُ والحوادثُ الإمامَ الطيِّبَ فلم تجد نتيجةُ أوضح من زهده، ووسطيته، وصلابته، واستقلاله، وانفتاحه، وانحيازه للحوار لا الصدام، وإغاثته للمظلوم، وتعزيزه للمقاصد، وجنوحه للسَّلْم، وولائه لوطنه، وانتصاره لأُمَّته، وصَرْف جهده لما ينفع الناس ويمكث فى الأرض.

أحد عشر عاماً سار فيها خلف فِطْرته التى عاش بها عقودَ عُمْره المديد، ولم تجد يوماً أى حرج من التعايش والاندماج والقبول، وسار خلف عقله فيلسوفاً عالِماً صاحبَ عقيدة أشعرية قادرة على المزج بين النصِّى والعقلىِّ، والتمييز بين الدينى والسياسى؛ ليَشُقَّ لنفسه طريقاً وَسَطاً ينبذ الصراع ويُدِين الفتن، ويقف بين التطرُّف العلمانى والتشدُّد الدينى، ولم يترك لحظة وطنية تاريخية إلا كان شريكاً فيها، ضابطاً لفورانها، وراعياً لأهدافها المستحقة، ومدافعاً عن جوهرها النبيل.

أحد عشر عاماً نحتفى معها بالأثر قبل صاحبه، وبالرَّمْز قبل شخصه، وبالمعنى قبل المبنى، وبالقيمة والقامة معاً؛ كونهما مصدرَ فخرٍ مستحَقٍّ. 

بقلم: أحمد الصاوى
    رئيس تحرير صوت الأزهر

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة