الموسيقار محمد عبد الوهاب
الموسيقار محمد عبد الوهاب


الموسيقار يكتب عن إبداعات الباعة الجائلين

الأخبار

الأربعاء، 17 مارس 2021 - 08:19 م

 

بقلم: محمد عبد الوهاب

لو تتبعنا الباعة واستمعنا لتأليفهم للكلمات التى ينادون بها على بضاعتهم لتلمسنا جمال التعبير والتصوير ودقة اختيار كلماتهم التى تؤدى المعنى وتخاطب عقلك وقلبك ومعدتك قبلهما، وسوف تدهشنا الصورة التى يرسمونها بكلماتهم وطريقة الأداء الملحنة والمنغمة بطبقات صوتية عفوية جميلة تترجم جمال الصورة، وجمال أناقة التعبير أيضاً.. فبائع "الكومثرى" مثلاً لا يرى أنه يبيع "الكومثرى"، وإنما يبيعها وهو ينادى عليها بقوله: "يا قلل الشربات يا كومثرى"، تخيلوا المعنى اللطيف والمقارنة التى يعقدها بين فاكهة "الكومثرى" و"قلل الشربات"، وإذ ما أردنا أن نبحث عن لفظ آخر فيه خفة دم وظروف يؤكد لنا هذا التشبيه، فهيهات أن نجد ما هو أفضل من "قلل الشربات"!

وبائع "البطاطا " لا يبيعك "البطاطا"، وإنما هو يبيع "قرب العسل" التى تمثل الدقة، والبساطة التى ترتفع حتى على التعابير المركبة، وتذوق مرة أخرى ما فى قولهم "قلل الشربات" و"قرب العسل" من انسجام فى الصورة واللون والطعم.. أما بائع " البلح " فأنشودته أمام عربته: "عسل وساح منى يا مين يجيب الأناجر" !

تخيل كيف ساح منه العسل، ثم خبرنى أو فأذهب إليه ومعك "الأناجر" فإنه فى انتظارك.. وبائع "العنب" يعطيك الصورة واللون والطعم عندما يقول: "يا بيض اليمام.. ومحنى كمان.. يا عنب وعنب.. وعناب.. وهدية للأحباب.. يا يا يا عنب".. وحتى بائع الترمس فهو ينادى ويقول: "دانا اشتريته.. ترمس لقيته.. لوز.. لوز.. يا يا يا ترمس "، وهو إذا لا يعترف لك "بترمسيته" وإن كان فى الحقيقة لا يبيعك سواها.. وللباعة تشبيهات فى منتهى الطرافة، فمثلاً بائع الباذنجان عندما ينادى عليه قائلاً: "العروس".. وتخيل عروساً سوداء على رأسها طرحة خضراء! 

وقد يبلغ الأمرأحيانًا أن يغازل البائع بضاعته غزلاً، أو كالغزل فى الصد والهجران وذكر العوازل.. وتعالوا نستمع لبائع "التفاح" وهو ينادى عليه قائلاً: " يا ناعم الهوى رماك.. وأنا الطمع اللى رمانى.. وراحوا يجيبوا زيك.. غرقت مراكبهم.. ويا مورد الخدين.. يا ناعم.. ومهما قال العزول بيزيد هيامى بيك ".. وبعد.. ألا ترى أن للعامة والبسطاء حصيلة من البلاغة، وأن لهم ذوقًا وفناً وإبداعاً؟!

مجلة‭ ‬"الهلال"‭ - ‬سبتمبر1947

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة