مارييت باشا
مارييت باشا


حكايات| «مارييت باشا».. مؤسس أول متحف مصري مات مقهورًا على الآثار

نادية البنا

السبت، 20 مارس 2021 - 10:22 ص

بين جدران شوارع القاهرة، آلاف القصص بعضها يحتفظ بروائح وعبقرية أصحابها أو من سميت بأسائهم، وأحد هؤلاء الفرنسي «مارييت باشا»، الذي يحمل اسمه أحد شوارع وسط القاهرة في محيط ميدان التحرير.

ومارييت هو مؤسس المتحف المصري، وعاشق مصر وآثارها، حفظ لمصر تاريخها، وأخطأ المصريون في نطق اسمه، فاسمه بالكامل فرانسوا أوجست فردينان مارييت، ولد في بولوني سور مير بفرنسا في 11 فبراير 1821م، وقد نشأ مارييت محبًا للأسفار والاكتشاف منذ نعومة أظافره. 

ولم يلبث طويلاً حتى سلك طريق العمل لمساعدة عائلته قبل أن يكمل دراسته؛ فعين سنة 1839م معلمًا للرسم واللفة الفرنسية في مدرسة أسترافورد بإنجلترا، فنمت فيه موهبة الرسم العملي، ولكن حبه للعلم تغلب عليه، فعاد إلى بولون للحصول على درجة البكالوريا.

عمل مارييت بالتدريس فترة من الزمن، إلى أن مل التدريس، فاتجه إلى الكتابة بالصحف، وتولى تحرير جريدة فرنسية اسمها «الشاح البولوني»، فاشتهر بحسن الأسلوب.

وكان الرحالة المسيو «دينتون»، رفيق حملة بونابرت على مصر، قد أهدى إلى متحف بولون سنة 1847م تابوتًا مصريًا فيه مومياء، وقد تصادف أن رأى مارييت ما على التابوت من الكتابة المصرية القديمة، فتاقت نفسه إلى حل رموزها، واستعان بكتابين لشامبليون، وظل يتردد على المتحف ليقضي أوقاته بين الآثار المصرية، حتى تمكن من اللغة المصرية القديمة. 

ثم سافر إلى باريس وانقطع إلى متحف اللوفر لقراءة ما فيه من الآثار المصرية، وتولى منصب صغير في المتحف، تمكن من خلاله التبحر في اللغة الهيروغليفية، وألف كتابًا في اللغة القبطية.

أرادت فرنسا أن ترسل من يبحث في مكتبات الأديرة المصرية عن الكتابات القبطية القديمة، أملاً في معرفة حقائق جديدة تتعلق بتاريخ اليونان، وكان مارييت قد اشتهر بينهم بمعرفة اللغة القبطية، فأسندوا إليه هذه المهمة، وجاء إلى القاهرة في عام 1850م.

إلا أنه عندما وصل إلى القاهرة وشاهد أهرامات الجيزة وسقارة، تاقت نفسه إلى زيارتها، ونسي ما جاء من أجله، وتحول عقله إلى الآثار، فاكتشف كثيرًا منها، فعثر على آثار كثيرة، منها معبد يعد من أقدم المعابد المصرية، ثم انتقل إلى الصعيد واكتشف الكثير من آثارها.

وعندما توفي عباس باشا الأول، كان مارييت تربطه علاقة قوية بفرديناند ديليسبس، الذي كان يتمتع بنفوذ واسع وشهرة عظيمة، فطلب منه تقديمه إلى الوالي محمد سعيد باشا والي مصر آنذاك ومساعدته في إنشاء دار للآثار. 

وبالفعل تمت المقابلة وشرح مارييت لسعيد باشا كيف تنهب آثار مصر مدللاً على صدق كلامه بأنه أمضى أربع سنوات بين الفلاحين رأى خلالها ما لا يصدقه عقل من اختفاء 700 مقبرة من منطقتي أبو صير وسقارة. 

فأوكل إليه سعيد باشا مهمة الحفاظ على الآثار المصرية، وعَيَّنه مديرًا لمصلحة الآثار المصرية، ومن هنا انطلق مارييت في عمله في مجال التنقيب المنظم، وأسس أول متحف للآثار في مصر، والذى عُرف بإسم متحف بولاق، وفي 18 أكتوبر 1863م تم افتتاح المتحف في حفل رسمي بهيج اجتمع فيه كبار رجال الدولة.

وعندما توفي سعيد باشا وجاء من بعده الخديو إسماعيل، اعتمد كليًّا على مارييت في أمور شتى بدء من تنظيم الجناح المصري بمعرض باريس الدولي عام 1867م، ومصاحبته لرحلة ضيوف مصر أثناء احتفالات افتتاح قناة السويس عام 1969م، وتحضيره لأوبرا عايدة، كما ذاع صيت مارييت كثيرًا بفضل اكتشافاته في مجال التنقيب خاصة في سقارة أبيدوس.

وفي عامل 1887م، زاد فيضان النيل وغمرت المياه مبنى متحف بولاق، وأتلفت الكثير من معروضاته وفُقد الأكثر، وعندما انحسرت المياه عن المبنى أخذ مارييت في التنقيب من جديد عن معروضاته، ولكن هذه المرة تحت ركاد الطمي الذي خلفه الفيضان وراءه، وأخذ يعيد ترتيب ما عثر عليه ووضع ما تبقى في صناديق، وحزن كثيرًا لفقدان الكثير من القطع وتَهشُّم الرقيق منها.

 ولجأ إلى الخديو إسماعيل طالبًا العون للحفاظ على ما تبقى من معروضات، خاصة بعد أن أصبح موقع المتحف غير آمن بالمرة من ناحية الفيضان، ومن ناحية أخرى أن المبنى أصبح متهالكًا ولا يليق بكونه متحفًا لأعظم حضارة عرفتها الإنسانية، وكل ما فعله الخديو هو إعطاء مارييت عربخانة أمام مبنى المتحف ليزود بها متحفه.

ولم يعترض مارييت وبدأ العمل من جديد في ترتيب المعروضات وتنظيفها من الطمي لتصلح للعرض. وتم افتتاح المتحف من جديد في عام 1881م.

كتب مارييت الكثير من المؤلفات باللغة الفرنسية، يزيد عددها على 63 مؤلفًا، منها: سرابيوم منف، جدول سقارة، زيارة متحف بولاق، وصف هيكل، دندرة الكبير، وصف هيكل الكرنك وتاريخه

لم يلبث أن توفي مارييت في نفس العام الذي أعاد فيه افتتاح المتحف عام 1881م، وكأنه مات مقهورا على ما ألم به، وقد خلفه من بعده «ماسبيرو» ليواصل حلم مارييت بنقل المتحف وتوسعته، فتم نقل المتحف في عام 1891م إلى سراي الجيزة، واستمر بها إلى أن تم نقله للمرة الثالثة عام 1902م إلى موقعه القابع بميدان التحرير.


أما مارييت فقد أقيمت له جنازة رائعة وأقيم قبره في حديقة متحفه أمام تمثال خفرع.

صَمَّم تابوته الحجري المهندس المعماري أمبرواز بودري وكانوا ينقلون قبره إلى كل مكان جديد يُنقل إليه المتحف ففي عام 1891م نُقل مع المتحف إلى سراي الجيزة، وفي عام 1902م نقل إلى المتحف المصري الحالي؛ حيث لايزال قائمًا إلى الآن.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة