ياورد مين يشتريك؟
ياورد مين يشتريك؟


يا ورد .. مين يشتريك؟

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 25 مارس 2021 - 02:54 م

كتب: هانئ مباشر        

يا ورد مين يشتريك وللحبيب يهديك.. غنى له محمد عبدالوهاب بلسان حال كل المصريين، حيث كان ولايزال الورد الوسيلة الأبرز للتعبير عن مشاعر الحب، حتى وُصفوا بأنهم من أكثر شعوب العالم رومانسية.. لكن بمرور الزمن اتضح أن الزهور والنباتات العطرية ليست للتعبير عن الحب فقط، بل هى أحد الأبواب التى تمثل أملاً حقيقياً لدعم الاقتصاد والإسهام فى حل مشكلة البطالة.. فما هى حكاية الورد؟

وقد عرفت مصر منذ قديم الأزل العديد" من أنواع الزهور، والتى نسب الكثير منها إلى مصر لزراعتها بها بكثافة، وقد وجد على الآثار الفرعونية العديد من رسوم الزهور، الأمر الذى يعكس اهتمام المصريين القدماء بزراعة الزهور ورعايتها، ولعل أبرز تلك الزهور هو زهرة اللوتس التى اتخذها جيش مصر شعاراً له فى العصور الفرعونية، كما أطلقوا عليها لقب "الجميل" أو "نانقر" لأنها أعظم الأزهار كمالاً، خاصة ذات اللون الأزرق التى تعتبر سيدة العطور. كان الاعتقاد السائد فى ذلك الوقت، أن استنشاق عبير الزهور يعطى ما يعرف بـ"رحيق الأبدية"، ومدون ذلك فى نصوص بعض المقابر الفرعونية من خلال النقوش الموجودة حتى الآن على جدران المعابد والمقابر جرى رصد وجود أكثر من 27 نوعاً من الزهور آنذاك.

ولا ينافس "اللوتس؛ على عرش الزهور المصرية إلا زهرة "الورد البلدى"، وهى زهرة رائعة الجمال، بل إنها تلقب بـ"ملكة الزهور"، خاصة ذات اللونين الأحمر والبنفسجي.

ومن بعد "اللوتس" و"الورد البلدى" يأتى "النرجس" وهو فى الأصل عبارة عن "شجرات" صغيرة جدا.

ولا يمكن الحديث عن التاريخ والفراعنة من دون التطرق إلى نبات "البردى"، الذى ينبت فى المستنقعات فى الدلتا.

كذلك لا يمكن تجاهل الحديث عن "زهور ست الحُسن" أو""بيلادونا" وهى على شكل جرس أحمر، جميلة الشكل ولها ثمار خضراء، ثم تتحول إلى اللون الأسود بعد النضج.

تشير خريطة زراعة الورد والزهور والنباتات العطرية بمختلف أنواعها، إلى أن هناك مناطق وقرى فى مختلف محافظات مصر متخصصة فى هذا المجال، ومنها ما يحظى بشهرة عالمية مثل "عزبة الأهالي""التابعة لمركز القناطر الخيرية بمحافظة القليوبية، التى تضم 90% من مزارعى الزهور على مستوى مصر ويعملون فى قرابة الألف مزرعة تقوم بزراعة وإنتاج الزهور ونباتات الزينة على مساحة تصل إلى 500 فدان، وتصدر إنتاجها للدول العربية والأوروبية، ويطلق عليها اسم "بورصة الورد"، لأن أسعار الورد والزهور غالباً يتم تحديدها فيها، وهى تشتهر بزراعة وإنتاج أنواع خاصة بها مثل "الدالي، الياسمين، البنفسج، التيوليب، الهايرنجا، السبيداجو".

وهناك "جزيرة الشعير" الموجودة أيضا بالقناطر الخيرية، وبها مساحات للياسمين البلدى والورد الأجهورى الذى يتم تقطيره لاستخراج زيت الورد والماء الناتج من عملية التقطير يسمى "ماء ورد"، وتعتبر قرية "شبرا بلولة" − التابعة لمركز قطور بمحافظة الغربية − قلعة إنتاج العطور فى مصر وتعد من أشهر مصدرى الزيوت العطرية وعجينة الياسمين لعدة دول أبرزها فرنسا وأمريكا والصين وروسيا، وذلك بفضل قيام الأهالى بزراعة وإنتاج نصف إنتاج العالم من الياسمين المستخدم فى صناعة العطور، وهناك أيضا "قرية المنصورية" التابعة لمحافظة الجيزة ويطلق عليها لقب "مستعمرة الزهور" لشهرتها فى زراعة أجود أنواع الزهور والورد.

وعموماً تحتل محافظات الوجه البحرى الصدارة فى مجال زراعة الورد والزهور، بينما تحتل محافظات مصر الوسطى المركز الأول "كالمنيا وأسيوط وبنى سويف والفيوم" فى مجال"المحاصيل الطبية والعطرية، مثل البابونج والبردقوش والريحان والينسون والنعناع البلدى والحناء.

أما أراضى الاستصلاح الجديدة فى توشكى والنوبارية وشرق العوينات ودرب الأربعين وغيرها، فهى أماكن واعدة لهذه الأنواع من النباتات‏، خاصة التى تزرع دون استخدام كيماويات وتستخدم طرق الرى الحديثة، وإنتاجها يلقى رواجاً فى الأسواق الأوروبية، وتضع وزارة الزراعة خطة تنفيذية لمشروع قومى للنهوض بزراعات النباتات العطرية والطبية وتستهدف زراعة 250 ألف فدان.

وتمر زراعة الزهور بعدة مراحل، تبدأ بزراعة الشتلات وهى إما أن تكون مستوردة عبر القطاع الخاص من عدة دول مثل هولندا وفرنسا، أو يستعين البعض بالشتلات والبذور التى ينتجها مركز بحوث البساتين أو كليات الزراعة فى مختلف الجامعات، ثم يتم عمل مشتل لها وأخذ ∀عُقل∀ الشتلات وتبديرها فى الحضانات، وزراعتها بعد ذلك لمدة 3 شهور ثم الإنتاج وطرحه فى السوق المحلية أو تصديره لاسيما أزهار الكرزنتم والجلاديولس والجبسوفيليا والورد البلدى وزهرة عصفور الجنة.

لكن هناك فصل حزين من "حكاية الورد فى مصر" تصدَّر فيه المشهد البطل الشرير "فيروس كورونا"، حيث أدت الإجراءات الاحترازية لمواجهته التى بدأ تطبيقها منذ عام ومع الموجة الأولى لهذا الفيروس إلى شبه توقف فى مبيعات الورود وتلفها فى المزارع.

حيث كان شهرا مارس وأبريل يعتبران أكثر الشهور بيعاً للزهور خلال العام، إضافة لاحتفالات الزواج والخطوبة وكذلك حفلات التخرج وأعياد الميلاد والمؤتمرات، لكن فيروس كورونا حل ضيفا ثقيلا علينا وألقى بظلاله على زراعة الورد ومبيعاته، حيث فرض نمطا جديدا فى طلب الورود من قبل التجار بل والباعة فى محلات وأكشاك الورد المختلفة، حيث تراجعت نسب الطلب، والأسوأ هو توقف حركة السفر للخارج، حيث كانت هناك أنواع مصرية تُطلب فى مختلف أسواق العالم ومع تلك الإجراءات مُنى المصدرون والمزارعون المتخصصون فى هذه الأنواع من الزهور بخسائر فادحة، وقام بعضهم منذ عدة أشهر بقطف الورود الناضجة وإتلافها لعدم وجود مشترين، وذلك للحفاظ على الأشتال الأساسية ما يضمن لهم عدم الخسارة الكاملة، وكذلك مع بداية التحضير للموسم الحالي.

وزراعة الزهور وتصديرها من المجالات التى يعمل بها عدد ليس بالقليل، بخلاف أن إجمالى الصادرات المصرية من زهور القطف يمثل 0.02% من إجمالى الصادرات العالمية للزهور، هكذا يقول لـ"آخرساعة" الدكتور أنور عثمان جمعة، أستاذ نباتات الزينة والطبية والعطرية بكلية الزراعة فى مشتهر بجامعة بنها، موضحا: يبلغ متوسط المساحة المزروعة بالزهور ونباتات الزينة نحو 11 ألف فدان، يزرع منها للتصدير نحو 650 فدانا فقط، والفدان المتميز يوفر صادرات بما يوازى 35٫6 ألف يورو سنوياً، وكل طن يتم تصديره يوفر نحو 40 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، وتمثل الصادرات 80 مليون دولار سنويا فقط كمواد خام، ولا يوجد سوى مصنع حكومى وحيد لإنتاج العطور.

وأجريت دراسة عام 2001 لمقارنة الربح الناتج عن محصول فدان الطماطم الذى وصل إلى حوالى 3 آلاف جنيه بالربح الناتج من زراعة فدان بابونج، الذى وصل إلى حوالى 14 ألف جنيه، ما يؤكد الجدوى الاقتصادية الكبيرة من الاستثمار الزراعى فى مجال الزهور والنباتات الطبية والعطرية، وبالتأكيد  فإن الفارق فى الناتج من الربح بين المحاصيل التقليدية وهذه المحاصيل هذه الأيام سيكون أضعاف أرقام تلك الدراسة.

وتختلف مساحة الأراضى المزروعة فى الوادى والدلتا بالزهور والنباتات الطبية والعطرية من عام لآخر، وتتراوح بين 60 و90 ألف فدان، منها نحو 50 ألف فدان من الأراضى القديمة و31 ألف فدان من الأراضى الجديدة، إضافة للمناطق التى تنمو فيها الأعشاب الطبية بشكل فطرى فى المناطق الصحراوية عقب مواسم سقوط الأمطار‏، التى لا يمكن حصر مساحتها.

وتستهدف خطة الدولة التوسع فى المساحات المزروعة بمصر، لتصبح 250 ألف فدان بحلول عام 2030.

وهناك مشكلات تواجه المنتجين والمصدرين جعلت صادراتنا من الزهور ونباتات الزينة للدول الأوروبية تتراجع رغم أن اتفاقية "الشراكة المصرية − الأوروبية" تسمح بتصدير زهور القطف ونباتات الزينة بدون تعريفات جمركية وبدون حد أقصى، وحتى تستعيد مصر قدرتها التنافسية فى هذا المجال، يوضح الدكتور أنور عثمان جمعة، أن صناعة الزهور فى مصر قديمة جداً، والإنتاج يغطى كافة احتياجات السوق المحلية والتصدير للخارج، الذى كانت معدلاته معقولة خاصة التصدير لأوروبا، وذلك حتى عام 2008، ثم بدأ يشهد تراجعاً مع التركيز على التصدير للدول العربية نتيجة لتدنى الأسعار وارتفاع تكلفة النقل، وحالياً نصدِّر نحو 90% من إنتاجنا للدول العربية خاصة السعودية والإمارات والكويت وسلطنة عمان وليبيا والأردن، والـ10% الباقية تذهب لأوروبا.

يتابع: كنا نصدر القرنفل لكن نظرا لزيادة تكاليف إنتاجه لم يعد يُزرع كثيراً، ويحصل مصدرو الزهور ونباتات الزينة على دعم صادرات يصل إلى 7%، لكن هناك منتجون يعترضون على كلمة "الدعم" ونسبته، حيث يطالبون بتخفيض الضرائب والجمارك المدفوعة على مستلزمات الإنتاج التى يتم استيرادها من الخارج أو رفعها عن كاهلهم.

وللأسف لا توجد خطة إنتاج لدى صغار المنتجين، فمن بين المشكلات اعتقاد المنتج أن الإنتاج عالٍ جدا، ولا يعرف مثلا أن هذا الإنتاج به كثير من العيوب، مقارنة بالمواصفات والمعايير الدولية للإنتاج المحلى أو للتصدير، ويظل على هذا الإنتاج طالما أنه يربح، وبمجرد دخول شركة كبيرة فى الإنتاج تظهر رداءة إنتاج هذه المشاتل، وتتم غالبية عمليات الإنتاج من خلال خبرة المزارعين التى أصبحت كبيرة، لكن مستوى الإنتاج مقارنة بالإنتاج العالمى لايزال دون المستوى المطلوب عالميا.. كذلك عدم خضوع الكثير من مشاتل إنتاج نباتات الزينة للرقابة، خاصة لطريقة الإنتاج من تسميد ومكافحة، فيمثل ذلك عاملا معيقا لأن المنتجين يعتبرون عدم استخدام الزهور فى أغراض غذائية يمكن معه استخدام أى نوع مبيد.

ويوضح أيضاً أن عملية "القطف" والحصاد، لاتزال تتم بطريقة قديمة وبوسائل لا تراعى فيها معايير الجودة الإنتاجية، مثل تطهير الأدوات والأوقات المناسبة للقطف، بالإضافة إلى عدم إجراء التبريد السريع عقب القطف، وكلها عوامل قد تجتمع فتؤدى إلى خسارة الإنتاج، كما أن غياب وسائل النقل الجيدة، وبالتالى صعوبة النقل إلى المطارات وطول فترة الحفظ لحين الشحن تزيد من حجم الخسائر رغم أن بعض الدول تقيم مطارات فى أماكن تركيز زراعة زهور القطف للشحن المباشر إلى مكان التصدير أو النقل إلى المطار الرئيسى، وحلا لهذه المشكلة يمكن إنشاء مناطق إنتاج قريبة من المطارات مثل مدينة العبور والظهير للقاهرة الجديدة والقطامية التى يمكن استغلالها لهذه الأغراض.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة