كتاب "رحلة الربيع والصيف"
كتاب "رحلة الربيع والصيف"


أحمد شوقي تغزل فى ربيع العباسيين ونسى مشاكله مع المصريين

ربيع الشعراء.. أكاذيب تفضحها رياح الخمسين

آخر ساعة

السبت، 27 مارس 2021 - 11:22 ص

 

كتب/ حسن حافظ

يكتسب فصل الربيع فى المخيلة الشعبية حالة خاصة لا تجد لها ظلا من الحقيقة على أرض الواقع، يمر فصل الربيع على خاطرك فتتذكر البساتين والمتنزهات الخضراء، وتفتح الأزهار وإقبال الحياة، لكن عندما تخرج إلى الشوارع فى مصر خلال أيام هذا الفصل حتى تجد عواصف ترابية تخنقك ورياح الخماسين تلفحك، وعينيك باكية من أثر حبات رمل متسللة، وأنفك مغلقة بسبب حساسية الربيع، فتجد نفسك فى حيرة، تسأل نفسك أين ربيع الشعراء؟ وأين تغزل الأدباء فى جمال الربيع؟

الشعراء‭ ‬تحدثوا‭ ‬عن‭ ‬أجواء‭ ‬فارسية‭ ‬وأوروبية‭ ‬وتجاهلوا‭ ‬أتربة‭ ‬الربيع‭ ‬المصرى

طه‭ ‬حسين‭ ‬والحكيم‭ ‬استغلاه‭ ‬رمزيا‭ ‬ونجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬فر‭ ‬منه‭ ‬للإسكندرية

مكاوى‭ ‬سعيد‭ ‬هاجم‭ ‬من‭ ‬يحتفى‭ ‬بالربيع‭ ‬وطالب‭ ‬بالاحتفال‭ ‬بالخريف‭ ‬أفضل‭ ‬الفصول

حين تواجهك تلك الأجواء، تعود لنفسك وتسلم أن المبدعين خدعوك، وعن ربيع آخر حدثوك، وينقلون صورا عن الفصل من مجتمعات أخرى، فالفصل الذى يتميز بالاعتدال فى بلادنا هو الخريف، لكن الفعل للخريف والاسم للربيع، وهو ما عبر عنه بعض الأدباء صراحة، فيما غرق الشعراء فى النقل عن شعراء العصر العباسى تغنيهم بربيع إيران والعراق، فالبحترى يقول:

أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكًا

من الحسن حتى كاد أن يتكلما

ويقول صفى الدين الحلى شاعر العراق العباسى فى وقته:

ورد الربيع فمرحبًا بوروده

وبنور بهجته ونور وروده

هذه الأشعار وغيرها الكثير من قصائد تغنى فيها الشعراء بقدوم الربيع تعكس بيئة مختلفة عن البيئة المصرية، فهى تتحدث عن مناخ أكثر اعتدالا يخلو من رياح الخماسين المهلكة، فأفضل فصول السنة فى الهضبة الإيرانية التى ينتمى إليها معظم شعراء العصر العباسى هو فصل الربيع، على العكس من مصر التى يعد أفضل فصولها فصل الخريف، وهى حقيقة غابت عن شعراء الإحياء الكلاسيكى وفى مقدمتهم أمير الشعراء أحمد شوقي، الذى تغنى بالربيع جريا على طريقة الشعراء فى القديم، فيقول:

مرحبا بالربيع فى ريعانه

وبأنواره وطيب زمانه

رفّت الأرض فى مواكب آذار

وشب الزمان فى مهرجانه

نزل السهل ضاحك البشر يمشى

فيه مشى الأمير فى بستانه

وعلى نفس النهج سار الشاعر مأمون الشناوى الذى كتب قصيدة الربيع، التى لحنها وغناها فريد الأطرش، وهى مثل قصيدة شوقى تتغزل فى ربيع غير ربيعنا، وهو يكشف عن تأثير الشعر العربى القديم فى تشكيل خلفية الشعراء المحدثين الذين حاكوا الشعر العربى القديم فى صوره الشعرية التى تحتفى بالربيع، على الرغم من اختلاف المناخ من دولة لأخرى.

أمام واقع الربيع كفصل كثير الأتربة ورياح الخماسين المضرة والتى تعكر مزاج المصريين، نرى أن الأدباء والمفكرين ابتعدوا عن التغنى بجمال الربيع المصرى بل نراهم اهتموا أكثر بالجانب الفلسفى لمعنى "الربيع" كفصل تبدأ فيه دورة الحياة السنوية، وتتفتح فيه الأزهار، والتركيز على هذه المعانى الفلسفية واضح فى كتاب عميد الأدب العربي، طه حسين، "رحلة الربيع والصيف"، فى هذا الكتاب يقدم العميد كتابات عن إجازته السنوية التى كان يقضيها فى أوروبا، وهو هنا يفر من ربيع مصر وصيفها إلى أجواء أكثر اعتدالا ولطفا فى أوروبا، ليعكس موقفاً لا يصرح به من الربيع المصرى بأتربته الشهيرة.

نفس الموقف نجده عند صديق طه حسين اللدود، عميد المسرح المكتوب، توفيق الحكيم، والذى جمع عددا من قصائده التى كتبها فى بدايات حياته فى كتاب "رحلة الربيع والخريف"، وهو هنا بما عرف عنه من نزعة للتفلسف والتفكير المجرد، يستخدم العلاقة النقيضية بين الفصلين ليغوص فى قضايا فلسفية مجردة باستخدام لغة نثرية ذات بعد رمزى يحتاج إلى الكثير من التأويل، وهى قضايا لا تمت لفصل الربيع بصلة، لكنها تأخذ من الحالة الفلسفية للربيع منطلقا للحديث عن القضايا التى تعن للحكيم فى عقله المتوثب من قضايا التأمل فى الكون والحياة والموت وغيرها من القضايا الفلسفية العميقة.

الربيع كان فترة قاسية تمر كل عام على أديب نوبل، نجيب محفوظ، الذى أصيب فى فترة مبكرة من حياته بحساسية الجلد والعين، والتى لازمته طوال حياته الإبداعية، وأجبرته الحساسية على أن يعيد تنظيم حياته، فكان يتوقف عن الكتابة طوال فصلى الربيع والصيف، ويتخذ من هذه الفترة التى تمتد لنحو ستة أشهر فترة استجمام وتأمل حر، استعدادا للاحتشاد للكتابة فى فصلى الخريف والشتاء.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة