جمال حسين
جمال حسين


من الأعماق

تصادم القطارين.. واحترافية إدارة الأزمة

جمال حسين

السبت، 27 مارس 2021 - 07:09 م

 

32 عامًا هى عدد سنوات حياتى الصحفيَّة، قضيت معظمها فى تغطية الأحداث والحوادث والكوارث الكبرى؛ مثل السيول، وحوادث الطائرات، وأيضًا القطارات؛ بدءًا من كارثة قطار العياط حتى قطارى طهطا، وغرق العبارات وانهيار العمارات، وأُشهد الله أننى لم أرَ احترافيةً فى إدارة هذه الأزمات، كما رأيت فى حادث تصادم قطارى سوهاج.. لا يُمكن أن أنسى كارثة سيول أسيوط، التى راح ضحيتها أكثر من 500 شخصٍ من أبناء قرية درنكة غرقًا وحرقًا، عندما اقتحمت السيول المُشتعلة منازلهم فجرًا وهم نيامٌ، بعد تدمير مياه السيول المُنهمرة من أعلى الجبل خطوط إنتاج بنزين الطائرات.. رغم بشاعة هذه الحوادث كان تعامل الحكومة روتينيًا بطيئًا، لدرجة أن رئيس الوزراء الدكتور عاطف صدقى وقتها لم ينتقل إلى مكان الحادث إلا فى اليوم الثالث، ولم يستطع الوقوف فى مكان الحادث إلا خمس دقائق، وسارع بالعودة إلى ديوان عام محافظة أسيوط، بعد أن هاجمه الذباب المُفترس؛ الذى انتشر بكثافةٍ بسبب انتشار الجثث ونفوق آلاف الحيوانات والطيور.
أعود إلى أداء الدولة الاحترافى فى التعامل مع مأساة تصادم قطارى الصعيد.. فرغم وجع القلوب على شهداء ومصابى الحادث، فإن الاهتمام الكبير من الرئيس عبدالفتاح السيسى كان عظيمًا، ووجَّه الحكومة بالإسراع إلى موقع الحادث، وتقديم كل سُبل الرعاية والعناية للمصابين، فسارع رئيس الوزراء إلى سوهاج وبرفقته الوزراء، وقدَّموا جميعًا كل التيسيرات لعلاج المصابين، وتم التوجيه بإرسال طائرتين لنقل الحالات الحرجة للعلاج بالقاهرة.. كم كان رائعًا الرئيس السيسى وهو يتوعد بإنزال الجزاء الرادع لكل من تسبَّب فى الحادث؛ سواء بإهمالٍ أو فسادٍ أو سواهما، مما كان له أكبر الأثر فى تخفيف وطأة المأساة على الجميع.
أتمنى أن تكون أولوية الدولة الانتهاء من تطوير خط الصعيد للسكة الحديد بطول ألف كيلو متر، وأن تشمل عمليات التطوير ميكنة الإشارات والتحكُّم الآلى؛ لإبعاد العنصر البشرى عن المنظومة بالكامل، وأتمنى أيضًا سرعة تكهين جميع القطارات المُتهالكة، واستبدالها بأخرى حديثة، وأتمنى سرعة الانتهاء من خط السكة الحديد السريع؛ لوقف نزيف الدم من على القضبان.
ورغم كل السلبيات التى سبَّبت الحادث الأليم؛ فإن هناك العديد من الإيجابيات التى وُلدت من رحم المأساة.. شهامة أهل قرى ومدن سوهاج، الذين هرعوا إلى مكان الحادث وشاركوا فى إنقاذ الضحايا.. أيضًا تسابق الشباب للتبرُّع بدمائهم رغم تأكيد وزيرة الصحة على وجود كميات كبيرة من أكياس الدماء.
هذا التصادم الغريب يخلِّف وراءه العديد من علامات الاستفهام.. أعتقد أن تحقيقات النيابة العامة سوف تُجيب عنها.. لماذا لم يُوقف السيمافور القطار القادم من الخلف، خاصة بعد تأكيد بعض المسئولين أن المنطقة التى وقع بها الحادث تمَّت ميكنة إشاراتها منذ شهورٍ قليلةٍ؟ ولماذا توقَّف فجأة سائق القطار الأمامى؟ ولماذا لم يُخطر ناظر محطة طهطا التى اقترب منها وناظر محطة المراغة؛ ليُوقف أى قطارٍ يأتى من خلفه؟ لماذا لم يتحرَّك قائد القطار الأمامى بسرعةٍ لإصلاح ما أفسده ذلك المجهول، الذى شد بلف الخطر، كما جاء فى بيان هيئة السكة الحديد؟
يا سادة مشكلة السكك الحديدية هى نتاجٌ لسنواتٍ طويلةٍ سيطر فيها الإهمال والفساد، ولا يُنكر أحدٌ أن الرئيس السيسى هو أول تصدى لتحديث هذا المرفق الحيوى، الذى لم تمتد له يد التطوير منذ 170 سنةً، عقب تشغيله فى عام 1851.
خالص العزاء والمواساة لأهالى الشهداء، وأدعو الله، عز وجل، بأن يمن بالشفاء العاجل والتام على المصابين.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة