رواية الأجيال
رواية الأجيال


رواية الأجيال.. تخلع عباءة نجيب مــحفوظ

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 28 مارس 2021 - 02:30 م

 

كتب: حسن حافظ

عادت رواية الأجيال إلى الواجهة، وهى الرواية التى يعمد فيها المبدع لكتابة عمله فى إطار من الأجيال المتلاحقة، التى تعطيه مساحة لتغطية فترات تاريخية بما تشهده من تغيرات وتحولات على مصائر شخصيات الرواية..

ظهور عدد من روايات الأجيال فى السنوات الأخيرة وقدرتها على خلق حالة من الرواج التجارى والاهتمام النقدى له ما يبرره، فهذا الفن الروائى وصل إلى ذروة شكله الكلاسيكى فى مصر على يد نجيب محفوظ، وكان الخروج من تحت عباءة "الأستاذ" وتقديم نماذج لهذا الفن يعترف بتأثير محفوظ الذى لا يمحى وفى نفس الوقت يقدم تجربة جديدة تضيف للسرد العربي، وهو ما نجح فيه مجموعة من الأدباء بداية من مجيد طوبيا، ومرورا برضوى عاشور ومحمد البساطى وعزت القمحاوى وليس انتهاء بأحمد صبرى أبوالفتوح وعادل عصمت، وهى أسماء رسخت مملكة رواية الأجيال فى المشهد الروائى المصرى المعاصر، خاصة فى ظل السنوات العاصفة التى مرت بها مصر فى العقدين الأخيرين.

وتعود رواية الأجيال بتاريخها إلى أوروبا، وتحديدا القرن التاسع عشر الذى شهد ميلاد هذا الفن وازدهاره السريع، إذ قدم ليو تولستوى عمله "الحرب والسلم" والذى أجلسه على قمة الرواية العالمية، ثم كتب الألمانى توماس مان رائعته "آل بودنبرك" فى مفتتح القرن العشرين، لتتحول بعد ذلك إلى تيار عالمى شارك فيها مختلف كتاب الرواية على مستوى العالم، وربما يكون النموذج العالمى الأشهر لهذا الفن هو رواية جارثيا ماركيز "مائة عام من العزلة". ويعرف الدكتور زهير محمود عبيدات فى كتابه "رواية الأجيال فى السرد العربى الحديث"، بأنها الرواية التى تركز على تعاقب الأجيال فى إطار أسرة تبدأ بداية غامضة أو من أصول بعيدة، ثم تصعد هذه الأسرة إلى قلب الأحداث تتفاعل مع المتغيرات التاريخية التى تمر بها، فتعكس فى الأساس اهتمامات الطبقة الوسطى، إذ تعد رواية الأجيال والتى يطلق عليها أيضا الرواية النهرية ورواية الحقبة والرواية الانسيابية، المعبر الأبرز عن أفكار الطبقة الوسطى، إذ يعبر الروائى عن أزمة الفوضى التى يعيشها مجتمعه فيعود إلى التاريخ ويحاكمه من جديد على أساس من أزمة حاضره.

يمكن التأريخ لظهور رواية الأجيال أو رواية الأزمان فى الأدب المصرى بظهور رواية "شجرة البؤس" لعميد الأدب العربي، طه حسين، سنة 1944، وهى الرواية التى تحكى قصة فتاة ليست على قدر من الجمال، تعيش حياة بؤس متواصل وتذرع شجرة البؤس التى تثمر الحنظل، وتورث حظها السيئ فى الحياة لبناتها، ورغم أن الرواية صغيرة إلا أنها تعد فنيا أول رواية أجيال تكتب فى مصر، وقدم فيها طه حسين تجربة جديدة على فن الرواية، والأهم أن هذه الرواية تحديدا أثرت فى أحد قراء طه حسين، وتفاعل معها ومع قراءات أخرى عن كتابة الرواية، وكان هذا القارئ هو نجيب محفوظ نفسه.

وصل فن رواية الأجيال إلى قمته وذروة نجاحه على يد عميد الرواية العربية، الذى قدم مجموعة من الروايات التى تعد من عمد الرواية العربية، ومن أشهر روايات الأجيال فى الآن ذاته، ففى مقدمة هذه الأعمال نجد الثلاثية الخالدة، فقد قدم صاحب نوبل فى "بين القصرين" و"قصر الشوق" و"السكرية"، رواية أجيال نموذجية والأكثر اكتمالا، عبر متابعة تطورات حياة عائلة السيد أحمد عبد الجواد، وهى الرواية التى أثرت فى كل من كتب رواية الأجيال فيما بعد، وكما قدم محفوظ فى رائعته "الحرافيش" واحدة من أعظم الروايات العربية إطلاقا وهى رواية أجيال تتبع مصائر عائلة عاشور الناجى فى مسيرتها عبر الأجيال فى عمل لا يزيده الزمن إلا ألقا، ثم عاد نجيب محفوظ وقدم رواية أجيال فى عمله الشهير "حديث الصباح والمساء" وهو العمل الذى استخدم فيه تقنية التراجم التراثية المرتبة بحسب الأبجدية العربية. 

ويعد مجيد طوبيا أحد أبرز كتاب رواية الأجيال فى تاريخ الأدب المصرى بعد نجيب محفوظ، من خلال رائعته "تغريبة بنى حتحوت"، والصادرة العام 1988، وهى مصنفة ضمن أفضل 100 رواية عربية فى القرن العشرين، وتدور أحداثها فى قرية تلة غربى مدينة المنيا، بداية من سنة 1754 حيث حُكم العثمانيين والمماليك على مصر التى تعانى من فداحة المظالم، ليحكى قصة ثلاثة أجيال من أسرة حتحوت، ويقدم طوبيا عمله قائلا: ∀حيث الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة، وخوض الأهوال، وانقلاب الأحوال، وتسلط الفأر على القط، وركوع الأسد للقرد∀.

وفى 2003، كتب محمد البساطى رواية "أوراق العائلة"، وهى تحكى قصص ثلاثة أجيال فى عائلة مصرية تربط بينهم شخصية الجدة زينب، وقدم البساطى فى روايته تجربة جديدة عبر صفحات تتعاشق فيها المصائر وتختلط الرغبات وتمتد حالة الشجن التى تلف الشخصيات لتشمل القارئ المتعطش، عبر البطل الذى يقلب فى أوراق عائلته القديمة ليكتشف أسرارها وحكايات ثلاثة أجيال فى إحدى القرى التى تمتاز بثقافة "القيل والقال"، ليعرض التغيرات التى مر المجتمع الريفى فى مصر خلال القرن العشرين، وهى فترة شهدت الكثير من الأحداث العظام.

وقدمت صاحبة رائعة "ثلاثية غرناطة"، رضوى عاشور، فى 2010، تجربة عن رواية الأجيال فى صورة "الطنطورية"، وهى رواية تؤرخ لمعاناة الشعب الفلسطينى بعد التهجير والاحتلال الإسرائيلى فى نموذج قرية الطنطورة الواقعة جنوب حيفا، وتبدأ الأحداث باستعراض مذبحة لأهالى القرية من العرب على يد العصابات الصهيونية العام 1948، لتهاجر عائلة فلسطينية وتبدأ تغريبة طويلة ومستمرة لأكثر من نصف قرن تشمل تجربة صعبة للجوء فى لبنان، وتحكى رضوى عاشور القصة التى يمتزج فيها التاريخ بالخيال الروائى عبر قصة رقية التى تتابع من خلالها أجيال أسرته.

واختار الروائى علاء خالد، أن يقدم أولى رواياته فى شكل رواية أجيال بعنوان مميز "ألم خفيف كريشة طائر تنتقل بهدوء من مكان لآخر"، والصادرة العام 2009، إذ يركز خالد، على قصة عائلة ممتدة على مدار خمسة أجيال، وتدور فى مدينة الإسكندرية، وتقدم الرواية تفاصيل حياتية عن مدينة الإسكندرية وأثر تحولات الزمن عليها، عبر قصص حية لأبناء الأجيال الخمسة التى تدور حياتهم فى ملحمة يمتزج فيها الخاص مع العام وتتصارع الشخصيات وتروى حكاياتها ومواقفها من الحياة، فيما يظل بيت الأسرة هـــــــــو الشـــــاهد الأمين على جميع العابرين، هو فى الحقيقة أحد أبطال الرواية.

أما "بيت الديب" والتى يعتبرها مؤلفها الروائى عزت القمحاوي، أصغر رواية أجيال )318 صفحة من القطع الصغير(، فقد اعتمد فيها على لغة مكثفة لرواية فصول الرواية التى تغطى أكثر من 150 عاما من تاريخ مصر، وتحديدا منذ محاولة المصرى لمظالم الجباية العثمانية فى الريف مرورا بتجربة التحديث مع محمد علي، وصولا إلى الغزو الأمريكى للعراق فى 2003، وهو استعراض كثيف لتاريخ مصر عبر نافذة قرية متخيلة تعكس واقع الريف المصرى فى قرنين من التحولات العميقة، وهى رواية بدأ الكتابة فيها العام 1999 لكنها لم تخرج إلى النور إلا فى العام 2014.

وتعد ملحمة "السراسوة" لأحمد صبرى أبوالفتوح، إحدى أكبر روايات الأجيال فى الأدب المصري، والتى بدأت فى كتابة أول أجزائها العام 2004، وصدر الجزء الخامس منها العام 2015، يظهر الطموح الروائى فى مشروع أبوالفتوح الذى يغطى نحو عشرة أجيال من أسرة السراسوة فى قرية سرس الليان بمحافظة المنوفية، خلال فترة زمنية تتجاوز الثلاثة قرون، وهى تجربة فريدة وشديدة الطموح كانت محل ترحيب نقدى بموهبة أبوالفتوح فى نسج عالم روائى شديد الخصوبة يبحث فى تلافيف الشخصية المصرية عبر قرون من التحولات.

وتنتمى رواية "الوصايا" لعادل عصمت إلى رواية الأجيال، إذ صدرت العام 2018، ودخلت القائمة القصيرة لجائزة البوكر فى 2019، تمتد من عشرينات القرن الماضى حتى الوقت الحاضر، وتتخلل الأحداث ثلاثة أجيال من الأسرة التى تدور حولها الرواية، أما أحدث تجربة فى هذا الفن فهى رواية "ورثة آل الشيخ" لأحمد القرملاوي، والتى صدرت العام الماضي، والتى تحكى قصة أسرة مصرية خلال فترة زمنية تمتد لتغطى خمسة أجيال فى عائلة الشيخ تنتهى عند أحمد الشخصية الراوية والذى يرغب فى كتابة رواية تحكى تاريخ عائلته، فيفتش عن الذكريات والأحداث يلملم تاريخ الأسرة المبعثر على مجرى الزمن.

ويستعرض الدكتور شريف الجيار، أستاذ الأدب والنقد بجامعة بنى سويف، فى حديثه لـ "آخر ساعة"، أهمية رواية الأجيال فى المشهد الروائى العالمي، قائلا: "تعتبر رواية الأجيال أو الرواية النهرية ملمحا بارزا فى الرواية العالمية، والأوروبية منها ابتداء، ثم انتقلت إلى الأدب العربى فى القرن العشرين، وتجلت أبرز نماذجها فى إبداع نجيب محفوظ خاصة عمله الفذ الثلاثية، فعبر مئات الصفحات تناول محفوظ عدة أجيال حكاياتهم، فمثل حالة من الواقعية التاريخية والاجتماعية لمصر، وبهذا الدور والمكانة أثر محفوظ فى كل الأجيال التى جاءت من بعده وكتبت رواية نهرية، مثلما نجد عند مجيد طوبيا وغيره".

ولفت الجيار إلى أن الأجيال الشابة عادت إلى رواية الأجيال فى شكل مكثف من حيث الحجم والصياغة اللغوية، ويبرر حضورها الآن، قائلا: "نعيش فى عصر كثير التفاصيل والأحداث والتحولات، فيما يريد المبدع أحيانا العودة الماضى كنوع من الحنين إلى الماضى )نوستالجيا(، وهنا يقدم الروائى قراءة شخصية تفاعلية مع عقود وعصور مختلفة، أو يعقد مقارنة تاريخية فى إطار من المتابعة، وهنا يطرح أسئلة حول جدوى الزمن كامتداد لظاهرة الحداثة وما بعد الحداثة التى شككت فى الأفكار والسرديات الكبرى، وطرحت كل شيء للشك وإعادة القراءة".

وتشكل رواية الأجيال فى بعض صورها ردا على ما بعد الحداثة، بحسب شريف الجيار، الذى يتابع: "الكاتب من خلاله تأكيده على الزمن واستمرارية الأجيال كأنه يرد على ما بعد الحداثة ويدخل فى صراع معها، ومحاولتها نفى الزمن، والأهم أن رواية الأجيال تشبع نهم الأجيال الشابة فى قراءة تتماس مع أحداث تاريخية مؤثرة، لذا سيظل لهذا الفن الروائى حضوره القوى والأساسي، بل من المتوقع أن يزداد الاعتماد عليها فى اللحظة الراهنة والمستقبل طالما هناك فترات تاريخية يمكن الكتابة عنها والاشتباك معها، فى إطار حقيقة أن إعادة قراءة التاريخ تتم باستمرار بما يلائم الراهن من الأحداث، فكل جيل لديه أسئلته التى يقدمها للتاريخ، فضلا عن محاولات إعادة فهم الذات والهوية المصرية".

وحول مستقبل هذا الفن الروائي، يقول الدكتور حسام عقل، أستاذ النقد العربى بجامعة عين شمس، لـ "آخر ساعة"، إن رواية الأجيال تيار قصصى وروائى مستمر معنا فى اللحظة الراهنة ومستمر معنا فى المستقبل، مع التأكيد على تغير تقنياته وأدواته ومنظوره، فتم التحول من مفهوم الاعتماد على مقولة بلزاك من أن "الرواية حليفة للتاريخ" إلى مقولة فوكنر بأن رواية الأجيال باتت مبطلة لمسار التاريخ، ومن خلال هذين المفهومين المختلفين لراوية الأجيال يمكن فهم إمكانية استمرار هذا الفن الأدبى مستقبلا.

وأشار عقل إلى أن بداية الزلزلة فى العلاقة الحميمية بين الرواية والتاريخ، بدأت مع الثورة الفرنسية، والتى أدت لانهيار الكثير من المفاهيم وخلقت حالة جديدة من رؤية التاريخ وعلاقتنا بالمجتمع وذواتنا بل ورؤيتنا لأنفسنا، وصولا إلى شكل الرواية الحداثية والتى قدمت مفهوما جديدا للزمن فلا تلتزم بالخطية الزمنية، بل تقفز على التاريخ والأجيال، فلم تعد رواية الأجيال نبتة فى حضن التاريخ، وهو ما يكشف حجم الاختلاف فى كتابة هذا النوع الأدبى فى شكله الكلاسيكى الذى وصل إلى ذروته فى مصر على يد نجيب محفوظ، والأشكال الحداثية والتى يعبر عنها بشكل واضح ومتكامل رواية "الوصايا" لعادل عصمت.

ويشرح الدكتور حسام عقل أهمية رواية عادل عصمت قائلا: "تتعامل )الوصايا( مع فكرة الأجيال بشكل مختلف وجديد تماما على تجربة نجيب محفوظ، فقد جعل عصمت من التاريخ مجرد منطلق لحرق المراحل الزمنية، واستخدم بكفاءة تقنيات الاسترجاع، ليقدم لنا عملا يقوم على التجديد والابتكار فى السرد العربي، لننتهى أمام نص ذكى حداثى يختلف فى بنيته تماما عن بنية ثلاثية نجيب محفوظ، وهنا نجح عادل عصمت فى الخروج من عباءة أديب نوبل وتأثيره الضخم على مختلف الأجيال، لذا يمكن أنه بمتابعة روايات الأجيال التى ظهرت فى الأعوام الماضية أن هذا الفن الروائى سيظل موجودا على الساحة وقادرا على تجديد نفسه".

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة