إيمان أنور
إيمان أنور


مصرية أنا

المحطة الأخيرة !

إيمان أنور

الأحد، 28 مارس 2021 - 08:13 م

لا أحد منا يعرف ما هى محطته القادمة.. أين ومتى؟.. قبل الحادث الجلل بدقيقة واحدة.. كان الركاب مجتمعين فى مكان واحد.. هنا هذه الفتاة الشابة اليانعة المتوهجة بكل حماس تنطلق بالحديث فى الموبايل مع خطيبها تطمئنه أنها بخير وعلى اعتاب دقائق معدودات لتلتقى به بعد غياب دام شهرا كاملا..

بينما يجلس هناك فى هذا الركن البعيد فى المقعد الأخير من العربة قس يرتدى ملابسه الرسمية بلونها البنى الغامق ويتدلى من صدره سلسلة ضخمة معلق بها صليب خشبي مشغول بدقة ومحفور عليه مجسم للسيد المسيح عيسى عليه السلام وتشير ملامحه إلى بلوغه الحلقة الخامسة من العمر أو يزيد قليلا بعد أن اختلطت لحيته الطويلة باللونين الأسود والأبيض..

وقد جلس متأملًا يمد رأسه من شرفته المجاورة وكأنه يستشرف مستقبلا مجهولا فى انتظاره.. اما هناك فكانت تجلس هذه الأسرة المتواضعة.. رجل بدين يرتدى جلبابه الصعيدى ويلف رأسه بعمامته الهارب بياض لونها حاملا على رجله ابنه الصغير ذا الثمانى سنوات وقد غط فى نوم عميق وهو مطوق ذراعيه حول رقبة أبيه.. بينما تجلس فى المقعد المجاور زوجته الهزيلة الرفيعة بجلبابها الأسود الطويل وشعرها الأشعث الذى تظهر بعض خصلاته مطلة من طرحتها وتحمل على ذراعيها طفلا صغيرا لا يتجاوز عامه الأول..

أما شباب الصعيد الجدعان فقد افترشوا الأرض فى نهاية العربة على حد البصر والشوف، هؤلاء يضحكون ويهللون ويتبادلون أطراف حديث لا يخلو من الضحكات والقفشات بصوت مرتفع جعل طبيب القرية الذى يجلس على مقربة منهم يوبخهم بصوته العريض ويلقنهم درسا.. كان الأخير فى حياتهم.. فى آداب الجلوس فى الأماكن العامة !.... أحد منهم لم يكن يتصور أنه على أعتاب محطته الأخيرة.. !!
ولأن العربة اكتظت بالركاب فخرج منها إلى العربة التالية هذا الرجل..الذى لم يتبين هويته.. باحثا عن ملاذ اخر.. لينفد بجلده من مصير مكتوب محفوفا بالدموع والدماء !....
ستون ثانية مرت.. فانقلب كل شىء رأسا على عقب..وتحول إلى رماد وأشلاء وأطلال ودماء وبكاء ونحيب !!..
دار فى مخيلتى هذا الشريط وأنا أتابع بمرارة أخبار الحادث المروع لقطارى سوهاج.. فانفطر القلب ودمعت العين.. فاجعة وحزن كبير اعتصر الفؤاد..اللهم ارحم ضحايانا الشهداء الأبرياء وصبر ذويهم واشف المصابين.. اللهم احفظ بلادى فى هذه الأيام المفترجة من كل شر يارب العالمين.. اللهم الطف بنا واكتب لنا حسن الختام فى محطتنا الأخيرة !
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة