الآثار اليونانية الرومانية
الآثار اليونانية الرومانية


قصة صورة.. رحلة مقصورة «طهارقة» إلى إنجلترا

شيرين الكردي

الأحد، 28 مارس 2021 - 10:35 م

تعود أصول الملك (طهارقة) إلى أرض (كوش)، وكوش هي جزء من النوبة القديمة (شمال السودان حاليا)، وقد حكم طهارقة مصر والنوبة خلال الفترة الانتقالية الثالثة، وبالتحديد أثناء حكم الأسرة الخامسة والعشرين في الفترة ما بين (690 - 664 قبل الميلاد)، كما أكد الدكتور حسين دقيل الباحث المتخصص في الآثار اليونانية الرومانية.

وأضاف دقيل، أن (كوش) كانت منطقة غنية بالماشية والذهب والمعادن، وكانت تعتبر موقعا تجاريا هاما بإفريقيا، ومن خلالها كان يتم تصدير العديد من البضائع النادرة مثل العاج والأبنوس والبخور والزيوت وجلود الحيوانات وريش النعام.

وكان جزء كبير من أراضي طهارقة بكوش عبارة عن صحراء، وبالرغم من ذلك كان الكثير من الناس يعيشون على نهر النيل فيفيض عليهم بالخيرات كل عام، فقد جلب الفيضان إلى هذه الأراضي الخصوبة التي جعلتها تنتج المحاصيل الجيدة.

عندما كان طهارقة شابا يافعا؛ مر ذات يوم وهو في طريقه إلى طيبة بمصر، مر على منطقة (الكوة)، فرأى هناك في (الكوة) معبدا قديما من الطوب مغطى بالرمال في حالة يُرثى لها، وبالرغم من أنه واصل رحلته إلى طيبة، إلا أن منظر المعبد المروع ظل عالقا بذهنه.

وعندما أصبح طهارقة ملكا على مصر؛ تذكر ذاك المعبد، وتعهد بإعادة بنائه من جديد، فعمل على إعادة إنشائه، وذلك من خلال العديد من المهندسين المعماريين والحرفيين المهرة الذين استقدمهم من مدينة (منف) بمصر والتي تبعد عن (الكوة) مسافة 1000 ميل، واستغرق بناء المعبد أربع سنوات كاملة.

وداخل المعبد، بنى طهارقة مبنىً خاصا؛ عبارة عن (مقصورة) رائعة خصصها للمعبود أمون رع، وكان يأمل من خلال إقامة هذه المقصورة أن يساعده آمون رع في حكم هذه المملكة الكبيرة التي تشمل مصر والسودان.

ورصد دقيل، أن هذه المقصورة، وصلت إلى أشموليان، بأكسفورد في إنجلترا.. فكيف وصلت إلى هناك؟

وخلال القرن الثالث الميلادي تعرض معبد الكوة للهجوم والحرق، كغيره من المعابد خلال تلك الفترة، وبعد ذلك تم إهمال المعبد وهجره حتى غطته الرمال، فلم يظهر من جماله السابق شيء يُبهر الأنظار.

لكن وفي عام 1930م؛ قام البروفيسور جريفيث، أستاذ علم المصريات بجامعة أكسفورد، قام بأعمال تنقيب في منطقة (الكوة)، واستطاع الكشف عن العديد من المواقع الأثرية المخفية. غير أن القائمين على الإدارة في ساعتها رأوا أن يهدوا (جريفيث) هذه (المقصورة) تقديرا لمساهمته في الكشف عن المواقع الأثرية بالسودان. وبالفعل تم تسليم المقصورة عام 1934م إلى جامعة أكسفورد.

وها هي الآن توجد في متحف أشموليان بأكسفورد، وتبلغ مساحتها أربعة أمتار مربعة، وقد تم بناؤها من 236 كتلة من الحجر الرملي.

وقد تم فك المقصورة ونقلها إلى أكسفورد التي تبعد عن موقعها الأصلي مسافة 2500 ألف ميل، وتم نقل الأحجار بشكل فرادي، حيث تم تغليف كل حجر على حدة، وتم تعبئتها بعناية في 200 صندوق خشبي كبير، ملفوفة بألياف النخيل لحمايتها، تم تحميل الصناديق على سفينة قطرها 300 متر فوق النيل إلى أقرب خط سكة حديد. ثم نقل القطار الصناديق إلى ميناء بورتسودان على البحر الأحمر، حيث تم نقلها إلى إنجلترا بعد ذلك بواسطة السفن، وهناك تم إعادة بناء المقصورة بالمتحف على أساس خرساني بعمق مترين لأنه كان ثقيلا للغاية.

المضحك في الأمر هو ما يُقال بأن مهمة تفكيك المقصورة كانت صعبة؛ حيث يُحكى أنه كانت هناك حشرات (البراغيث) منتشرة بالموقع بشكل كبير حتى إنها كانت تدخل في شعر الرجال وعيونهم وأفواههم، ولذا كان عليهم ارتداء أقنعة مصنوعة من الشاش لتغطية شعرهم، وقمصان بأكمام طويلة بأزرار وسراويل مدسوسة في جواربهم!.

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة