القانون الدولى يعفى الهيئة من تعويضات التأخير
القانون الدولى يعفى الهيئة من تعويضات التأخير


وإعلان استئنـاف الملاحة

ملحمة مصرية تنهي أزمة السفينة.. 144 ساعة عمل من «الجنوح» حتى «التعويم»

خالد رزق

الإثنين، 29 مارس 2021 - 07:37 م

- ١٢ قاطرة وكراكتان شاركت فى الإنقاذ.. واستئناف الملاحة فور انتهاء العملية

- الفريق الهولندى قام بتوثيق كل التفاصيل.. وإعلان الأسباب كاملة عقب التحقيقات

4 أمتار تحركتها سفينة الحاويات العملاقة «إيفر جيفن» الجانحة بقناة السويس فى الساعات الأولى من صباح الإثنين كانت كافية جداً لأن يلتقط رجال هيئة القناة أنفاسهم، وليطمئنوا بأن العمل الذى بدأوه منذ فجر الثلاثاء الماضى بدأ يؤتى ثماره، الأمتار الأربعة استتبعها عمليات شد وقطر سريعة متواصلة مكنت قاطرات الانقاذ الإثنتى عشرة المشاركة فى العملية من سحب السفينة لمسافة 98 متراً أخرى لتبتعد بذلك عن ضفة قناة السويس وقاع مياهها الذى كان بدنها قد شحط فيه بمسافة 102 متر وتتخذ وضعية أقرب إلى الموازاة مع المسار الطبيعى للمجرى الملاحى، وهو ما أعلن معه الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس نجاح عملية التعويم بنسبة 80%، وأضاف أنه على الأرجح سيشهد إعادة السفينة إلى المجرى الملاحى وسحبها إلى منطقة الانتظار للفحص واستكمال التحقيقات، مشدداً على أن استئناف حركة الملاحة بالقناة سيبدأ فور اكتمال عملية التعويم.


الأنباء السارة التى زفها الفريق ربيع للمجتمع الملاحى الدولى، هى نتاج خبرات فريدة لرجال القاطرات والكراكات والإدارة الهندسية بالهيئة وعمل وجهد فائق تواصل منذ الدقائق الأولى لجنوح السفينة بمنطقة القطاع الجنوبى ذات المسار الواحد غير المزدوج عند الكيلو 151 ترقيم القناة.. فى الواحدة والنصف من صباح الثلاثاء الموافق 23 من مارس وحتى فجر أمس أى ما يقرب من ١٤٤ ساعة.
بداية الجنوح.


وكانت السفينة البنمية العملاقة «إيفر جيفن» البالغة حمولتها 223 ألف طن والواصل طولها إلى 400 متر وارتفاع حمولة الحاويات على ظهرها «18.300 ألف حاوية» إلى 59 مترا بدأت بعبور قناة السويس بعد انتصاف ليل الإثنين وبوصولها إلى نقطة الكيلو 151 تعرضت لانحراف مفاجئ «لم تعلن أسبابه بعد» أدى إلى خروجها عن مسارها المحدد بالمجرى الملاحى للقناة واستدارتها بزاوية 90 درجة لتسد القناة عرضياً فى منطقة لايتجاوز عرض المجرى بها 250 متراً.


وهنا دفعت قناة السويس منذ اللحظة الأولى لوقوع الحادث بقاطرات الشد والإنقاذ التى توالى وصولها تباعاً إلى موقع الحادث حتى وصل عددها إلى 12 قاطرة بينها القاطرتان الأكبر فى قناة السويس «عزت عادل وبركة 1 » وهما قاطرتان تبلغ قدرة الواحدة منهما 160 طنا، وكانت آخر القاطرات المنضمة للعمل فى مناورات القطر والشد هما قاطرتا قناة السويس الأحدث عبد الحميد يوسف ومصطفى محمود واللتان وصلتا إلى الموقع مباشرة بعد انتهاء تجارب تشغيلهما، والقاطرة الهولندية التابعة لشركة شميت أ.ب. إل جارد وقدرتها 250 طنا.

وشملت الأعمال التى جرى تنفيذها أعمال تكريك بمنطقتى البروه «مقدمة السفينة»  ومؤخرتها باستخدام الكراكتين «مشهور والعاشر من رمضان»، واستمرت بلا توقف فى العمل من مناسيب 4 أمتار وحتى 20 متراً رفعتا فيها كميات هائلة من رواسب قاع القناة المنحشرة بها السفينة تقترب من 30 ألف متر مكعب من الرمال والصخور ورواسب القاع الأخرى، وهى العملية شديدة الصعوبة إذا ما وضعنا بالاعتبار تسبب التيارات المائية وظاهرتى المد والجزر والتى تسببت بشكل يومى فى إعادة عجلة العمل الذى جرى تنفيذه فعلياً إلى الوراء عدة مرات.


وفى النهاية تكللت جهود رجال الهيئة لتعويم السفينة بالنجاح وفق السيناريو الذى تم تنفيذه للتعامل مع الحادث دون اللجوء لخيارات صعبة مكلفة فى الوقت ومحفوفة بالمخاطر، ومن بينها: تخفيف حمولة السفينة وهى المهمة التى كانت ستنفذ بمعرفة الشركة الهولندية وكانت ستتطلب نوعية خاصة من الأوناش وإلى ذلك فهى وبالحسابات غير مأمونة.


  الحادث الأول


والثابت أن حادث جنوح سفينة الحاويات البنمية العملاقة «إيفر جيفن» التابعة لخطوط إيفر جرين أحد عمالقة النقل البحرى العالميين هو بالفعل الأول الذى تتعرض له سفينة حاويات من الأجيال الجديدة لهذه النوعية من السفن العملاقة فى ممر ملاحى ضيق ( كما حال قناة السويس )، وهو بكل المقاييس الأشد تأثيراً على حركة النقل البحرى العالمى تجارية وغير ذلك منذ افتتحت القناة فى 1869، باستثناء فترات الإغلاق الإجبارى للقناة إبان الحرب العالمية والعدوان الثلاثى وفترة الإغلاق التام الأطول بين عامى 1967 و1975.


ولم يسبق منذ تأميم القناة وقوع حادث ملاحى لأسباب فنية تسبب فى توقف الملاحة لأكثر من ساعات عدا حادث واحد مسجل عام 2004 وتسبب بتوقف حركة الملاحة ما بين الشرق والغرب لثلاثة أيام، وفى هذا الحادث نحن نتحدث عن توقف مستمر منذ عدة أيام.. والفارق بين الحادثين هو نوعية السفينتين واختلاف طبيعة حمولتيهما، فمن ناحية كانت الناقلة التى تسببت بالحادث عام 2004 أصغر حجماً ولطبيعة حمولتها السائلة، كان ممكناً تخفيفها بنقل جزء من حمولتها إلى ناقلة أخرى مما ساعد فى تسهيل مهمة القاطرات.. أما فى الحادث الجديد فنحن نتعامل مع سفينة حاويات بطول 400 متر، وحمولتها نفسها ذات طبيعة خاصة وليكون الأمر أقرب للفهم فهى تنقل 20 ألف حاوية أو تانكر، أى حمولة 20 ألف شاحنة ثقيلة ( سيارة نقل ) وهذه الحاويات مرصوصة على ظهر السفينة متجاورة وفوق بعضها البعض، مما يشكل أدواراً تتجاوز فى ارتفاعها ارتفاع أبراج سكنية، وهو ما يعنى أنها حمولة تحتاج لدقة فائقة للحفاظ على توازنها، فلا يمكن التعامل مع السفينة فى هذه الحالة سوى بأنماط شد أقل قوة وأكثر هدوءاً.


اهتمام العالم


ولقى الحادث اهتمام العالم كله لتأثيره البالغ على الاقتصاد، والمصالح المباشرة للدول الصناعية الكبرى ولأسواقها حول العالم «تحتم» عليها الاهتمام ببقاء حركة الملاحة عبر قناة السويس مفتوحة على الدوام، ورغبة بعض الدول فى تقديم الدعم لهيئة القناة فى جهودها لتعويم السفينة تنطلق من تحقيق مصالحها المباشرة والحد من خسائر مباشرة تؤثر باقتصاداتها القائمة على النقل البحرى، وليس حرصاً على المصالح المصرية فى قناة السويس.


ولا يعنى قبول مصر بإيفاد الشركة المؤجرة لسفينة الحاويات فريقاً فنياً هولنديا أو الاستعانة بأى جهة تراها الشركة للمتابعة،  أن هذه الفرق هى التى تتولى تنفيذ عملية إعادة التعويم ولا حتى تخطيطها، وإنما وجودهم لرصد وتقييم الإجراءات وتوثيق العمل الجارى..، ولتقديم المعونة بآليات مختلفة حال اللجوء لتخفيف حمولة السفينة من الحاويات.. والحقيقة التى تعرفها كل الأوساط الملاحية الدولية أن خبرة رجال هيئة قناة السويس فى عمليات الإنقاذ بالممرات الملاحية الضيقة، ليست فقط الأعلى عالمياً، وإنما هى الوحيدة لأنه ليس بالعالم ممر ملاحى آخر بمواصفات قناة السويس.. وفى ذلك نحن نتحدث عن خبرات متفردة عالمياً ووحدهم رجال القناة القادرون على التعامل مع مثل هذا الموقف.


 كما أن الترحيب المصرى بكل عروض الدعم التى تقدمت بها بعض الدول ينطلق من الشفافية فى التعامل مع حادث مؤثر عالمياً، وليس الحاجة إلى أى نوع من الدعم.


أنباء مغلوطة


ونشرت بعض المواقع ووكالات الأنباء قائمة طويلة من المعلومات المغلوطة حول الحادث والوضع فى قناة السويس، حتى ان بعضها أكد فشل محاولات تعويم السفينة، وهو كلام يتجاوز حدود الخطأ ويرقى إلى حد التزييف والتدليس المغرضين، ذلك أن المؤكد والذى حدث على مرأى ومسمع العالم كله هو أن قناة السويس لم تعلن وقف محاولات التعويم بل واصلت تنفيذ عملية مركبة معقدة التفاصيل والحسابات استخدمت فيها آليات بحرية وبرية بمهام متزامنة مختلفة وفق متتاليات وحلول حسابية وهندسية لا يعرف بها سوى خبراء متخصصين فى عدة فروع من العلوم البحرية والجيولوجية والهندسية والفيزيائية وجميعهم يعملون ضمن فرق خبراء هيئة القناة، وهذه العمليات يحتاج تنفيذها برنامجاً زمنياً مرناً يتعاطى لحظياً مع معطيات جديدة مع كل تغيير طارئ أبسطها زوايا ودرجات الميل فى بدن السفينة العالقة بقاع القناة وارتباطها باتجاهات التيارات المائية وحركة المد والجزر وعلاقتها بتوازن حمولة الحاويات المتراصة والمصفوفة على ظهرها.. فمن ذلك الذى يحكم بالفشل على عملية كانت بعدها جارية قيد التنفيذ.


مقترحات التعامل


 قناة السويس لم تكن بحاجة لمقترحات للتعامل مع الأزمة حال بقاء السفينة على وضعيتها بعد تنفيذ عمليات تكريك القاع ومناورات القطر بقاطراتها.. وحلول المشكلة على اختلاف خياراتها التى تقود إلى نتيجة واحدة هى إعادة فتح القناة أمام الملاحة الدولية فى أسرع وقت، موجودة ومحفوظة لدى خبراء هيئة القناة، ومن بين هذه الحلول ما اقترحت شركة شميت الهولندية تنفيذه من تخفيف للحمولة كخيار محتمل تال ولايتم اللجوء إلى حل من الحلول إلا بترتيب تحدده أولويات.


ولم تعلن هيئة قناة السويس رسمياً أسباب وقوع الحادث، واكتفى رئيسها الفريق أسامة ربيع بالإشارة إلى أن عامل الرياح لم يكن سبباً رئيسياً لوقوعه، وإن احتمالية الخلل الفنى والخطأ البشرى البعيد عن مسئولية الهيئة واردة وستعلن كل التفاصيل عند انتهاء التحقيقات التى ذكر أنه لن يتحدث بشأنها فى توقيت متزامن مع المهمة الأكبر والأهم وهى إعادة فتح القناة أمام حركة الملاحة.


بينما أعلنت الشركة اليابانية المؤجرة والمشغلة للسفينة إثر الحادث أنه وقع نتيجة تعرض بدن السفينة لدفعة قوية من الرياح، فيما يبدو أنه استباق للأمور ومحاولة لإرجاع سبب الحادث إلى عوامل طبيعية.


وبدورها رصدت الأقمار الصناعية المختصة بمتابعة حركة الملاحة الدولية فى بحار ومحيطات العالم قيام السفينة «إيفر جيفن» بعدة التفافات دائرية عكس اتجاه عقارب الساعة خلال تواجدها بالمياه المفتوحة فى خليج السويس وقبيل دخولها القناة وهو ما رجح معه الخبراء تعرضها لعطل فنى بدفة التوجيه، جرى إصلاحه بمعرفة طاقمها قبل الوصول إلى نطاق تعامل هيئة القناة، كما رصدت الأقمار اتخاذ السفينة مساراً غير منتظم بعد دخولها المجرى الملاحى وقبيل جنوحها وهو ما يعزز فرضية العطب الفنى.


خسائر يومية


 الخسائر اليومية لقناة السويس جراء توقف حركة الملاحة تتراوح ما بين 12 مليونا و14 مليون دولار، أما خسائر شركات النقل البحرى العالمية فتقدر بما يتجاوز 500 مليون دولار يومياً، ويرتبط أكثر من 9 مليارات دولار من حركة التجارة العالمية المنقولة بحراً يومياً بقناة السويس، وقد تعطلت أو اضطربت هذه الحركة جراء الحادث.


وفى كل الأحوال تبقى قانوناً السفينة العابرة للقناة مسئولية قبطانها الأصلى وليس مرشد هيئة القناة وليس لشركة ملاحية أن تطالب هيئة قناة السويس بتعويضات لتأخر عبور سفنها بدعوى تعرضها لخسائر نتيجة الحادث القهرى، وذلك وفقا للقانون البحرى الدولي.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة