شعب المستحيل
شعب المستحيل


شعب المستحيل| أستاذ التاريخ المعاصر: الصبر وقوة التحمل سمة الشخصية المصرية

زكريا عبدالجواد

الجمعة، 02 أبريل 2021 - 10:12 م

التنشئة الاجتماعية حائط الصد الأول ضد محاولات تشويه ذاكرة الأمة عبر الإنترنت

وعى الشباب سينتصر على حروب الجيل الرابع

قال د.جمال شقرة أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة عين شمس، إن المصريين ملوك التحدى عبر التاريخ، وأوضح فى حواره مع «أخبار اليوم» أن الصبر وقوة التحمل سمة رئيسية للشخصية المصرية، وأن هذا الأمر ثابت تاريخيًا، وأن خير شاهد على ذلك بناء الأهرامات، وحفر قناة السويس، ومواجهة العدوان الثلاثي، وانتصار السادس من أكتوبر.  

وأكد أن المصرى بطبعه شخصية عنيدة، وقادرة على صنع ما يبدو مستحيلا، وأن معظم المؤرخين والمفكرين لفت نظرهم هذه السمة فيه، بالإضافة إلى سمات أخرى كالتدين، واحترام الآخر والتسامح معه.

وأوضح أنه حين درس المؤرخ البريطانى الكبير «أرنولد توينبي» الحضارة المصرية خرج بنظرية تتحدث عن التحدى والاستجابة واستنتج أن الحضارة المصرية العظيمة جاءت نتيجة لقدرة الإنسان المصرى على تحدى الطبيعة القاسية وقدرته على التكيف معها.

أشار «توينبى» إلى دور النيل العظيم وتأثير فيضانه الذى كان يمثل تحديا تاريخيا للمصريين، إذ كان يدمر القرى ويفسد الزراعات، ولكنهم واجهوا هذا التحدى ببناء القرى التى هدمت بفعل الفيضان كل مرة فى مناطق مرتفعة.

واستفادوا من النيل فكانت مصر أول دولة زراعية فى العالم، وهذا فى حد ذاته تحد عظيم فى هذه القرون البعيدة من التاريخ.

وأوضح «شقرة» أنه من التحديات التاريخية للشعب المصرى فى العصور القديمة كونه يعيش على 3% من إجمالى مساحة مصر فى هذا الوقت، حيث النيل يخترق الصحراء الشرقية والغربية، ولم يكن أمام المصريين حينها إلا الوادى ليعيشوا حوله فقط، ومع ذلك بنى المصرى حضارته وتحدى الصحراء، ثم بدأ يتوسع أيضا.
وأكد أن هذه الحضارة العظيمة كانت نتيجة لتحدى المصريين وبفضل هذا كنا «كشعب» الأول فى كل شيء، ومن أوائل الشعوب التى آمنت بالتوحيد، وكنا عباقرة التداوى و الطب والهندسة العملاقة وغيرها من المجالات.

البناء ومواجهة الاستعمار

وقال «شقرة» إن الشاهد على قوة تحدى هذا الشعب منذ البدايات الأولى التاريخية ظهور فنون النحت فى الصخر، التى أنجز بها المصريون المعابد العملاقة، وبنوا الأهرامات، والتى لاتزال عملًا مبدعًا ومعبرًا عن قدرة المصرى على تحمل الصعاب.

وكذلك تثبت إيمانهم آنذاك بأهمية بنائها، بداية من هرم الملك زوسر، وانتهاء بباقى الأهرامات التى لازالت إحدى عجائب الدنيا السبع، وأكد أن بناء الأهرام بصخورها العملاقة فى حد ذاته تعتبر دليلا قويا على تحدى المصريين.

وأشار إلى أن مصر الدولة المركزية الأولى فى التاريخ، نتيجة لموقعها الاستراتيجي، ولتميزه الجغرافي، وغناه بالثروات الطبيعية التى جعلتها دوما مطمعا للغزاة.

ولذا سطر المصريون ملاحم من البطولة والفداء، وتعلم المصرى أن يتكيف مع أى مستعمر، ثم يبدأ فى التحدى بطرده والانتصار عليه وحدث هذا كثيرا مع الهكسوس والفرس والرومان والإنجليز والفرنسيين والعثمانيين وغيرهم من الغزاة الذين ذهبوا مهزومين وبقيت مصر فى النهاية.

بطولات ضد الرومان

واستعرض «شقرة» لمحات تاريخية من بطولات الشعب المصرى ضد الرومان فقال: عندما دخلت المسيحية إلى مصر فوجئ المصريون بغطرسة الأباطرة الرومانيين ومع ذلك انتصر الشعب واحتفظ بخصوصيته الأيدلوجية على أرضه. وحين ظهرت الحركات الهدامة بعد دخول الإسلام إلى مصر تكاتف المصريون وكان منهم مجاهدون رفعوا راية الإسلام فى كثير من بقاع الأرض.

إنجاز قناة السويس

وعن مشروع قناة السويس القديمة والإنجاز المتمم الذى أمر به وافتتحه الرئيس السيسى واعتباره حلقة ضمن سلسلة المشروعات التى تؤكد قوة التحدى لدى الشخصية المصرية قال «شقرة» : تعتبر قناة السويس وحفرها من أهم ملامح التحدى الذى تتصف به الشخصية المصرية فى العصر الحديث..

حيث تم إنشاء وحفر القناة القديمة فى ظروف صعبة للغاية، بمعدات بدائية آنذاك، ورغم ذلك أنجز المصريون هذا المشروع العملاق الذى سهّل حركة التجارة العالمية واختصر مسافة آلاف الأميال على رحلات السفن.

كما تنطبق شواهد التحدى على القناة الجديدة والتى أمر بإنشائها الرئيس عبد الفتاح السيسى وتم إنجازها فى عام واحد، فيا يشبه المعجزة.

شعب قهر إسرائيل

وأكد «شقرة» أن إحدى علامات التحدى الكبرى التى ظهرت للشعب المصرى كانت قهر إسرائيل فى ملاحم بطولية تستعصى على النسيان، وذلك حين واجه المصريون غطرسة العدو الصهيونى وانتصروا عليه ببطولات عسكرية استثنائية لازالت تدرس فى أكاديميات العالم العسكرية وهى حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، بعد أن تجرع الشعب مرارة نكسة 67 وأبلت القوات المسلحة بلاء حسنا فى حرب الاستنزاف التى استمرت لسنوات قبل أكتوبر.

واستطاع المصريون فيها هزيمة إسرائيل هزيمة نكراء، وإضعاف قوتها بعمليات نوعية لأبطال الجيش المصرى حتى انه من الثابت ومدون فى تسجيلات الإذاعة العبرية أن رئيسة الوزراء الإسرائيلية حينها «جولدا مائير» استغاثت بالولايات المتحدة وظلت تدعو الرئيس جمال عبد الناصر للجلوس معها فى أى مكان حتى يوقف حرب الاستنزاف.

ولكن الحرب استمرت واستطعنا بناء حائط الصواريخ وهو فى حد ذاته تحدٍ عظيم، لأن إسرائيل كانت تتربص بالصواريخ التى اشترتها مصر من الاتحاد السوفيتى السابق، وتحاول أن تمنعنا بأى طريقة من بناء حائط لها.
وهنا تأتى العبقرية المصرية فى خداع العدو حيث بنت القوات المسلحة هياكل لصواريخ وهمية، بالتزامن مع بناء قاعدة صواريخ حقيقية، وبالفعل وقعت إسرائيل فى الفخ وضربت الهياكل غير الحقيقية، وتمكنت مصر من بناء حائط الصواريخ وكان ذلك من أكبر التحديات.

وكان من ضمن التحديات أيضا مواجهة طائرات الفانتوم قبل حرب 1973 ونجحت قواتنا الجوية فى إسقاط الطائرات الإسرائيلية لدرجة أن أسبوع بناء حائط الصواريخ سمى فى إسرائيل بـ «أسبوع تساقط الفانتوم» وكان أسبوعا حزينا فى إسرائيل.

تحدى خط بارليف

وكذلك من شواهد التحدى العظيم الذى تتصف به الشخصية المصرية تحطيم خط بارليف المنيع، بعد أن أكدت الدراسات والإعلام الغربى حينها أن الجندى المصرى لن يكون قادرًا على عبوره، وهنا لابد من الإشارة إلى أنه بالإضافة إلى استخدام الطرق والوسائل العلمية كان التحدى -بعد التوفيق الإلهي- هو العامل الحاسم فى عبور خط بارليف.

واتضح ذلك باندهاش العالم بعد عبور الجندى المصري، وقالت وكالات الأنباء والمراكز التحليلية العسكرية قبل العبور إن قوتنا العسكرية أقل من قوة إسرائيل، وانبهرت من وقوف الجندى المصرى أمام الدبابات ولأول مرة فى التاريخ يتم تدمير الدبابات على يد جندى مشاة معه المدفع « البازوكا» المتواضع وهو دليل على التحدى الذى يملكه المصرى أيا كان موقعه.

تحمل الإصلاح الاقتصادى

وأكد «شقرة» أن من شواهد سمة التحدى أيضا لدى الشخصية المصرية حاليا تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى رغم ما يعانيه المواطن من ظروف اقتصادية، ومع ذلك تحملت الطبقان الفقيرة والوسطى نتائج الإصلاح الاقتصادى لأنها تعلم أن القيادة السياسية مخلصة، وأنها ستقودها إلى بر الأمان.

وكذلك من ضمن المشاريع العظيمة التى ينجزها الرئيس عبد الفتاح السيسى والتى تؤكد قوة التحدى عند المصريين: إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، ومزارع الأسماك، وتشييد المبانى العملاقة، وتطهير البحيرات، وإنشاء الطرق والكبارى والمصانع والمدن الجديدة وغيرها وأؤكد: لوكانت الشخصية المصرية كسولة وغير منجزة ولا تتسم بالتحدى لما تحقق مما ذكر شيء.

وأضاف شقرة: من حسن حظى أنى شاركت بنفسى فى افتتاح كثير من هذه المشاريع وكنت أرى إنجاز العامل والمهندس المصرى فى تشييدها، وبدقة متناهية.

كما تذكرنا المشاريع المقامة فى «الجلالة» تحديدا بعظمة الإنسان المصرى القديم وقدرته على التحدى حيث نحت الصخر وروض الطبيعة الوعرة لبناء مساحة من العمران.

احذروا الحروب الحديثة

وحذر «شقرة» من عوامل قد تؤثر فى سمة التحدى المعروفة عن المصرى منذ قديم الأزل وهى التأثيرات السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي، وقال إننا حاليا نواجه أعداء نوعيين، إذ كان العدو فى السابق مكشوفا أمامنا ونستطيع مواجهته، لكن العدو حاليا متستر وراء حروب الجيل الرابع والخامس.

وتابع: كل ما أخشاه هى السوشيال ميديا ودورها الخطير فى تشويه ذاكرة الأمة، وتغيير الخريطة الذهنية لشباب الوطن وتشويه رموزه.

ومازلت أُصدم حين أسمع أسئلة من طلاب ربما يدرسون فى الثانوية العامة أو بالجامعة وهم يسألون عن حضارتهم باستخفاف، ويتحدثون بسخرية عن انتصاراتنا، وللأسف جاءوا بهذه النظرة غير المنصفة ولا المنطقية من السوشيال ميديا وغيرها من وسائل التواصل الحديثة.

ولذلك أؤكد على دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية، بداية من الأسرة ثم المسجد والكنيسة والإعلام والمدرسة وغيرها وأطالب بتنشيط الوعى التاريخى بمنجزات أمتنا. حتى نتمكن من مواجهة الغزو الفكرى السلبى الذى تقوم به السوشيال ميديا وغيرها.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة