عمال قناة السويس سطروا ملحمة جديدة تحدث عنها العالم
عمال قناة السويس سطروا ملحمة جديدة تحدث عنها العالم


شعب المستحيل | «المصريون» ملوك التحدي

أخبار اليوم

الجمعة، 02 أبريل 2021 - 10:18 م

محمود بسيونى

تحرير الأرض وإنقاذ القناة..البطل واحد

عمال قناة السويس سطروا ملحمة جديدة تحدث عنها العالم

كان نجاح هيئة قناة السويس وعمالها المصريين فى تعويم السفينة البنمية الجانحة «إيفرجيفن» إنجازاً تحدث عنه العالم ونال فيه العامل المصرى تقديراً واحتراماً دولياً لقدرته على إنجاز ما يشبه المعجزة البحرية، حجم السفينة وحمولتها وطريقة جنوحها وحاجاتها لقدرات تفوق ما تملكه مصر صعبت المهمة وعقدتها ولذلك كان تحريرها حدثاً عالمياً فريداً أيقظ فى المصريين ثقتهم فى أنفسهم وفى قدراتهم ورد بشكل عملى على قطعان الشامتين والمحبطين على وسائل التواصل الاجتماعى والفضائيات المعادية وذكر الأجيال الجديدة بأن المصريين قادرون فى لحظة التحدى على قهر المستحيل.

قبل آلاف السنين وقع المصريون اتفاقا مفتوحا مع كتاب التاريخ، وسجلوا باسمهم الكثير من الأعمال المستحيلة، وذلك ليس احساسا بالشوفونية أو الاستعلاء أوالمبالغة بل هى رواية التاريخ وحكمة الجغرافيا.

واجه المصرى كثيرا من المحن والصعاب ولايزال وسيظل، وفى كل مرة يظن البعض أنه تمكن منه وأنهى اسطورته يجده يخرج من بين الرماد كطائر العنقاء ويشق بجناحه عنان السماء.

هذا المخزون الحضارى الكبير المكتوب المسجل على جدران المعابد الفرعونية اقدم حضارات الارض، لا يزال يحكم جينات شعب المستحيل، ومن الخطأ البالغ ان تحكم عليه بمجرد النظرة على أحواله، صحيح انه يعانى بسبب الاهمال اوالعشوائية يبدوساخطا غير راض، لكن لحظة الخطر تجمعه وتوحده، لنداء الوطن شفرة خاصة تكسر حلقات المعاناة من حوله وتحرر المخزون الحضاري المتراكم بداخله فتجد نفسك امام شخص آخر قادر على تحقيق ما يراه البعض صعبا اومستحيلا.

كثيرا ما ترسم تلك الحالة علامات استفهام حول طبيعة الشخصية المصرية وتحولاتها وقد شغلت بالفعل كثير من المفكرين، الانتقال مباغت ودائما ما يأتي على عكس المتوقع.

كان حفر القناة معجزة هندسية بمقياس زمنها، لم يكن العالم يعرف بعد معدات الحفر والكراكات، حفرها المصريون بأيديهم العارية ومعداتهم البسيطة،حفر القناة استمر 10 سنوات (1859 - 1869)، وشارك فيه ما يقرب من مليون عامل مصري، مات منهم أكثر من 120 ألف أثناء عملية الحفر نتيجة الجوع والعطش والأوبئة والمعاملة السيئة. وتم افتتاح القناة عام 1869، حفروها بمفهوم السخرة والعبودية لكن طبيعتهم الفدائية واصرارهم على الانجاز جعل القناة فى النهاية واقعا، ثم استعادها الاحفاد بالتأميم الذي قرره الرئيس جمال عبد الناصر، بل كانوا مستعدين للتضحية بالدم لحماية القرار وهوما حدث فى العدوان الثلاثى.

قبل حرب أكتوبر 1973 اتفق الخبراء العسكريون على استحالة العبور، وذهب بعضهم الى حاجة المصريين الى قنبلة ذرية لهدم خط بارليف المنيع، لكن المصريين كان لهم رأى آخر، بالتخطيط العلمي والاستفادة من قدرات البشر وتوظيف طاقاتها حقق المصريون المستحيل وحرروا سيناء.

لم تكن محنة السفينة البنمية ايفرجيفن جنوب القناة أزمة عادية، لقد تعطلت حركة التجارة فى العالم، اهتمام إعلامى عالمى وغير مسبوق بالقناة، عروض لا تنتهى من دول تريد استثمار الازمة وطرح بدائل للقناة، اواستعراض قوتها اوعودة تدخلها الاجنبى فى ادارتها، وكالعادة شماتة من أعلام جماعة الإخوان.

الجميع اتفق على ان المصريين لن يستطيعوا تحرير السفينة بمفردهم، جنوح السفينة معقد هندسيا، ويحتاج لمعدات ربما لا تملكها القناة، بدأت البورصات تخسر والتجارة تنهار، أسعار البترول والغاز ترتفع، الإدارة الأمريكية تحذر، واوروبا تتساءل وصحف العالم تلوك سمعة مصر ومؤشرات الاستهداف تتجه لمعدلات قياسية.
مشهد صعب على اى دولة ان تتحمله خاصة فى ظروف مصر الصعبة.

اراد الجميع ان يستغل الازمة ويحقق منها اهدافه، وبدأت حملة جانبية لتشويه ادارة مصر وصل الى اتهامها بالانغلاق وادارة الازمة بطريقة الستينيات، وهوتشويه مخل ومنافى للواقع، فمصر حاليا تختلف جذرياً عن تلك الفترة، دولة منفتحة تقدر التعاون الدولى، وتسعى لتعزيزه بشكل مستمر، وتتبنى خطاباً للتقارب بين دول العالم والتشارك فى تنفيذ استراتيجية التنمية المستدامة بالتعاون مع الأمم المتحدة.

اتخذت مصر منذ بداية الأزمة مجموعة من الإجراءات المتعارف عليها فى إدارة هذا النوع من الأزمات الفنية الصعبة فى مجرى ملاحى عالمى، والتزمت بالمنهج العلمى فى وضع سيناريوهات التعامل وفق المعطيات والمعلومات المتوافرة، وألزمت نفسها بالشفافية الكاملة فى الإعلان والإفصاح عن كل ما يتعلق بها.

ونقلت وسائل الإعلام العالمية عبر تقنيات البث المباشر كل عمليات التعامل المصرى مع الأزمة، وتعاونت مع شركات دولية متخصصة، من أجل حل الأزمة سريعا حرصا على حركة التجارة العالمية والعمل على تقليل تأثرها بإغلاق القناة.

وتشكلت فرق عمل داخل هيئة قناة السويس، وقامت الحكومة بتنسيق العمل بين كل الوزارات والمؤسسات المعنية، لتلبية احتياجات الهيئة، وشاهدنا على سبيل المثال تعاونا بين الهيئة ووزارة الزراعة، من أجل توفير علف لسفن كانت تحمل ماشية، وهوما يشير إلى أن الهيئة كانت على تواصل مع كل السفن المنتظرة للمرور، وأنها كانت تعمل على توفير كل احتياجاتها وطلبات أطقمها والحرص على راحتهم خلال انتظار حل الأزمة.

ورحب الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس، بالتعاون مع كل دول العالم التى عرضت المساعدة، وتجاوب بإيجابية مع كل التخوفات، فيما أشادت الشركة الهولندية المتخصصة فى مجال الإنقاذ بالإجراءات التى اتبعتها الهيئة وسرعة تنفيذها لعمليات الحفر والتكريك ورهانها على ارتفاع منسوب المياه فى مرحلة المد لتعويم السفينة، وهوالرهان الذى أثبت كفاءته ونجاعته لإنقاذ السفينة.

وكان واضحا أن الهيئة درست كل السيناريوهات، حتى ما تطوع البعض بكتابته على وسائل التواصل الاجتماعى، وهوما يؤكد انفتاح الهيئة على الجميع فى حل الأزمة واستعدادها لتنفيذ أى سيناريو.

كما أمر الرئيس عبد الفتاح السيسى بالاستعداد لتنفيذ السيناريوالثالث الصعب، والخاص بتفريغ حمولة السفينة، الذى يتطلب إغلاق القناة وقتا أطول، إلى أن تمكن المصريون من تحقيق المعجزة وتعويم السفينة الجانحة فى ستة أيام، دون اللجوء إلى السيناريوالصعب، باستخدام القاطرات والكراكات التابعة لهيئة قناة السويس.

وبالرغم من الخطأ البالغ الذى وقعت فيه وكالة رويترز، بنشر معلومة غير دقيقة عن عودة السفينة لوضعها قبل التعويم، وهوخبر محبط، كشف زيفه الإعلام المصرى بنقله المباشر للحدث، وفتح القناة للملاحة.

لكن رويترز كانت حالة فردية، فقد صدرت صحف غربية كبرى تشيد بانفراج الأزمة بأيد مصرية، وأن المصريين نجحوا فى حل معضلة فنية صعبة ومركبة فى المجرى الملاحى للقناة، ربما تحدث للمرة الأولى فى العالم مع سفينة بهذا الحجم، وهوتراكم مهم فى منسوب الثقة بقناة السويس، وقدرتها على توفير مرور آمن لحركة البضائع المنقولة من الشرق إلى الغرب والعكس.

وخلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى لقناة السويس من اجل تهنئة ابطال تحرير السفينة كشف الفريق اسامة ربيع رئيس الهيئة عن الكلمة السحرية التى قالها الرئيس له ودفعت فريق العمل إلى مواصلة العمل ليل نهار حتى تنتهى الأزمة، وهى سمعة مصر أمانة فى رقبتكم.

ومن على ضفاف قناة السويس المحررة أطلق الرئيس تحذيره المدوى عن حق مصر فى مياه النيل وانه لاتنازل عن نقطة مياه واحدة تخص مصر والمصريين، وان مصر مستعدة لكل الخيارات الصعبة لحماية نهر النيل، انهى الرئيس كلمته وضجت وسائل التواصل بالمصريين يعلنون اصطفافهم جميعا خلف القيادة لحماية مياه النيل احد مهام المصريين المقدسة منذ الدولة الفرعونية.

مصر هى هبة النيل والحضارة، شكلت محنها وازماتها المعقدة طبيعة وشخصية فريدة للانسان المصرى، فهومستعد دائما للتضحية والفداء من اجل مصر، حماية مصر هوالجين الذى يجمع المصريين ويصهر علاقتهم بالارض والنهر والقناة ويدفعهم الى إنجاز ما يظنه البعض مستحيلا.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة