رجائى عطية
رجائى عطية


مدارات

نشاط الروح

رجائي عطية

الجمعة، 09 أبريل 2021 - 07:15 م

ابتسامة الرضا العريضة على وجه الطفل قديمة قدم الإنسانية كلها ـ لكنها ليست مكررة ولا تتكرر قط ، لأنها ابتسامة روح تحمل تعبيراً عن أمل وود لروح معينة، ولا يعجز عن الانجذاب إليها إلا حجر أو آدمى قد تحجر، حجّره خوفه أو شهوته أو أنانيته الكثيفة التى لا يمكن أن ترى إلاّ نفسها ومن هم فى حكم نفسها. 
إن نشاط الروح هو الذى يعطى الطعم الحقيقى لحركات البشر ، وهو الذى يضمن وجود الجدّة والحدة وليس تغيير الشكل أو تغير الزمان أو المكان.  الجدة تصدرها الحياة ذاتها.. لا توجد إلاّ فى الأحياء.. ولا توجد قط فى الكون الطبيعى المادى، ولا يستولدها ليفرح وينطلق ويفخر بها إلاّ آدمى. هل ذلك لأن الحياة طارئة على الكون الطبيعى كما تقول الكتب المقدسة، ولذا يشعر الآدميون بأن الكون الطبيعى شىء يقع خارجهم دائمـا، وأنه دائما غريب على الأنا والذات والنفس؟ هذا السؤال يطرحه الآدميون على أنفسهم من قديم ومازالوا بعيدين عن إجابة صحيحة عليه.. لأنهم مازالوا بعيدين عن أى حوار حقيقى مع الكون الطبيعى يخرجه من سلبيته العنيدة تجاه الآدميين. 
بل مازال الآدميون يحاولون الاتصال بأحياء واعية قد توجد فى كوكب أو كواكب أخرى. ويرصدون لذلك العلماء والأجهزة والأموال على غير طائل حتى الآن. 
اقتنع الآدمى الآن تماما ـ أنه وحده وبرغم كل ما حققه وحده من التقدم فى المعرفة ـ لن يستطيع أن يزيح الأستار الكثيفة والأسرار التى تحيط بوجوده أصلا وغاية ومستقبلا، ولا أن يعلم علما قطعيا بالكون الطبيعى أو بعالمه هو ، أو أن يعلم بحقيقة الروابط بين هذين العالمين وأيهما تطور عن الآخر أو طرأ عليه .
ومكتوب على معظمنا أن يعيش حياته كلها قبل أن يفهم شيئا يُذكر عن نفسه أو عما يحيط به ـ لأنه مشغول باستمرار بمطالب العيش ، ليس لديه فرصة للتأمل. والمتأمل إذا أراد الفهم كتب عليه أن يصبر حتى ينمو فهمه مدة عمره، وعليه أن يستعين بما فهمه الآخرون أمواتاً وأحياءً حسب ذوقه وحظه وقدر تقبله، وعليه أن يستكمل القصور ويصحح الخطأ ما وسعه، وعليه أن يغير الفهم ويعيد تغييره من زمن لزمن إذا دعا الداعى لذلك التغيير.. لأنه يجب أن يستمر فى لهثه وراء معرفة الحقيقة التى لا يعرف الآدميون منها إلاّ جوانب وأجزاء ورؤى ونظريات بشرية.. إذ لا يشارك فى هذا الكون الهائل فى الجرى من أجل الفهم إلاّ بعض الآدميين هم دائما قلة قليلة !! .. فيا لقوة الأمل عند هؤلاء ويا لشدة الإصرار والمثابرة وعظم الثقة عند المتمسكين بالفهم وضرورته والزيادة المستمرة فيه!
واكتسحت موجة التجزئة ساحة الفهم منذ القرن التاسع عشر خاصة فى العلوم الطبيعية التى انقسمت إلى فروع والفروع إلى أقسام والأقسام إلى بحوث وهكذا.. وصار فهم الباحث مقصورا فقط على ما رُصد له واعتبر ذلك تخصصا يباشره.. وقد أفاد هذا فى تعميق المعرفة فى تلك العلوم ، لكنه قطع اتصالها وقطّع وشائجها وأوجد علماء يعرفون رقعة محدودة جدا من المعرفة شديدة العمق والتخصص.. قد ينتفع بها التكنولوجى فى أغراضه، لكن لا يستفيد منها المتأمل الذى يريد فهم من أين وإلى أين وهل لنا دور خاص أو عام ـ أو ليس لنا دور على الإطلاق شأننا شأن غيرنا من الكائنات حيّة وغير حيّة.. توجد وتزول لا ينقص بزوالها ميزان ولا يزيد بوجودها! 
أما جمهور الآدميين الذى يكاد عدده يغطى المسكونة ـ فلا يحتاج للفهم الذى هو ثمرة التأمل.. لأنه لا يعرف التأمل ولا يفتقده .. وهذا الجمهور هو الذى يبنى الجماعات فعلا وواقعا ويوجد الحكام والمحكومين.. ومن أجله توجد السياسات والأنظمة والإدارات والمرافق والصناعات والتجارات والزراعات، وهو مشغول دائما بمشاغله العامة والخاصة التى لا تنقطع.. سواء تعلقت بالدولة أو بالاقتصاد أو بالعمالة أو بالأسرة والأصدقاء أو التعليم أو بالرياضة أو باللهو أو بالأخبار والأحداث العالمية والمحلية.. كل ما يدور بين هذا الجمهور بمحكوميه وحكامه وفقرائه وأثريائه ـ عرضى وقتى يفقد أهميته بحصوله أو بمرور وقت قصير على إخفاقه واختفاء الذين يُظن أنهم مسئولون عن هذا الإخفاق.. وزادت هذه العرضية حدة وشدة بازدياد الازدحام والحركة والمرور والأسواق ووسائل الإعلام وصحافة الصحف وبيوت النشر والدعاية والإعلان.
والسؤال الذى يجب أن يسأله الإنسان العاقل هو: هل هذه الحال التى أشرنا إليها وإلى تفاقمها يمكن أن تصحح نفسها تلقائيا ـ وكيف؟.. كيف تعود البلايين من البشر  التى ألفت الاعتياد وعدم القدرة على إمعان الفكر وعدم الوقوف أو التوقف للتأمل ـ  كيف يعود من ألفوا هذا إلى نشدان الفهم والتمسك به وإعطائه حقه من الروية والتثبت والمثابرة؟!! 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة