محمد بركات
محمد بركات


يوميات الأخبار

النيل ومصر.. وقضية السد

محمد بركات

الثلاثاء، 13 أبريل 2021 - 06:01 م

 

بالنظر والتأمل فى قضية السد الاثيوبى، تجد أنها قضية مليئة بالخداع والتضليل من الجانب الأثيوبى،..،

فى مقابل الكثير من حسن النوايا من الجانبين المصرى والسودانى.

رغم الشيوع العام للقول بأن مصر هبة النيل، وبالرغم من عدم رفضنا له، تبقى الحقيقة الثابتة بأن مصر هى صناعة أهلها وجهد شعبها، ونتاج عملهم الدائب والمستمر بطول وعرض الأيام والسنين،...،

فهم بناة الحضارة ومنشئو أقدم دولة مستقرة ومركزية عرفها الانسان، فى فجر التاريخ على ضفاف النهر العظيم.

ولولا هذا الجهد ولولا عبقرية الانسان المصرى ونبوغه فى إعمال العقل والفكر فى كل ما يحيط به، من أرض وسماء  وبحار ما كان ممكنا أن تقوم حضارة عظيمة فى هذا المكان الذى أضاء العالم..

وبدد ظلامه بنور العلم والمعرفة والبناء والتشييد، فى رحاب الايمان المطلق بوجود اله واحد خالق للكون.

وإذا كانت هذه الحقيقة ثابتة ومؤكدة وهى كذلك بالفعل،...،

فإن ذلك لاينفى ولايتعارض مع الثابت والمؤكد، بأن نهر النيل كان ولايزال هو شريان الحياة والنماء فى مصر القديمة، وأيضا الحديثة،...،

وأنه سيظل كذلك فيما هو قادم بإذن الله، رغم كل المحاولات الأثيوبية الساعية دون ذلك.

الخلافات القائمة!

وفى ظل هذه الحقيقة وفى اطارها، تأتى ضرورة وأهمية المعرفة الواضحة بكل المعلومات المتصلة بنهر النيل، والخلاف القائم حاليا بين اثيوبيا ومصر والسودان فى ظل السد الاثيوبى، بخصوص الإجراءات والقواعد التى يجب الالتزام بها فى ملء وتشغيل السد، والعمل الجاد والواجب للتوصل الى اتفاق قانونى شامل وملزم لدولة المنبع «اثيوبيا» ودولتى المصب «مصر والسودان» ينظم هذه الإجراءات وتلك القواعد.

بحيث يضمن مراعاة مصالح الدول الثلاث، وعدم التسبب فى وقوع أى أضرار لأى طرف من الأطراف، كما يضمن فى ذات الوقت عدم قيام أى طرف بعمل احادى «منفرد» من جانب واحد دون التشاور والاتفاق مع بقية الأطراف،..،

كما يضمن ايضا عدم المساس بالحقوق التاريخية والقانونية، لكل من مصر والسودان فى مياه النيل، وفقا للحصص المحددة والمعمول بها فى كل الاتفاقيات القائمة والمتفق عليها، والتى تحصل مصربموجبها على حصتها من مياه النيل البالغة خمسة وخمسين مليار متر مكعب ونصف المليار «٥٥٫٥» من المياه.

ورحلة البحث عن المعلومات الصحيحة بخصوص نهر النيل، والاتفاقيات الخاصة به بين الدول الواقعة عليه، ليست رحلة شاقة أوعسيرة، لمن يريد المعرفة والوقوف على حقائق الأشياء دون لبس أو ابهام،...،

فهناك كتب عديدة ومراجع كثيرة متاحة فى هذا الشأن، وتضم بين ثناياها كل التفاصيل والمعلومات الخاصة بالنهر العظيم الذى نشأت على ضفافه منذ فجر الانسانية أعظم الحضارات الانسانية فى تاريخ البشر.

وفى هذه الكتب وتلك المراجع الموثوق بها، تجد كل المعلومات والحقائق المتصلة بالنيل وحوضه، ابتداءمن منابعه الاستوائية والهضة الاثيوبية وحتى مصبه فى مصر،..،

كما تجد كذلك سردا تاريخيا وجغرافيا واضحا لقصة النهر العظيم والدول الواقعة عليه، وما يدور على ضفافه من صداقات وصراعات، وماتم وعقد بينها من اتفاقيات تنظم وتضبط علاقاتها واستخدامها لمياه النيل.

اتفاقيات هامة!

ولمن لا يعلمون فإن هناك عدة اتفاقيات خاصة بمياه النيل وقعت عليها مصر، تنظم حصتها من المياه لعل أهمها اتفاقيات أعوام «١٩٠٢» و«١٩٠٦» و«1929» و«1959»..وكلها تؤكد حق مصر فى الحصول على حصتها، وتمنع إقامة أى مشروعات على مجرى النيل أو فروعه، تقلل من نسبة تدفق المياه أو تؤثر على كمية المياه الواردة الى مصر، بل وتشترط موافقة دول المصب أولا على إقامة أى مشروع على النهر، بما يعنى ضرورة الموافقة المسبقة لمصر والسودان.

أى أن كل هذه الاتفاقيات تؤكد وتنص على الحقوق المشروعة والثابتة لمصر، فى الحصول الدائم والمستدام على حصتها فى مياه النيل بما لايقبل اللبس أو الشك على الاطلاق، وذلك بعلم وموافقة كل دول حوض النيل وفى مقدمتهم اثيوبيا.

ولكن اثيوبيا تحاول الآن التملص من التزامها بما ورد فى هذه الاتفاقيات، بدعوى أن هذه الاتفاقيات تمت فى عهود الاستعمار، ولذلك فإنها تصبح غير ملزمة لها الآن،..،

وهذا قول مغاير للواقع وليس صحيحا على الاطلاق، حيث أن هذه الاتفاقيات تمت ووقعت من الدولة الاثيوبية غير المستعمرة وغير المحتلة، أى دون وجود استعمار.

وفى هذا السياق حاولت اثيوبيا الزج بالدول الواقعة على حوض النيل لاعلان عدم اعترافها بتلك الاتفاقيات بحجة أبرامها تحت سلطة الاحتلال، ولكن مصر والسودان رفضتا هذا الادعاء، واعلنتا تمسكهما بحقوقهما التاريخية المستندة الى القانون الدولى، واتفاقية فينا لعام 1978، التى تؤكد وتنص على استمرار سريان الاتفاقيات الدولية، وعدم المساس بما ترتبه من حقوق والتزامات حرصا على استقرار النظام الدولى.

حقائق غائبة!!

وفى هذا السياق لابد أن نذكر هنا عدة حقائق هامة قد تكون غائبة عن البعض أو الكثيرين منا فى زحمة الأحداث والمتغيرات الجارية كل يوم، وهى أن حجم الأمطار المتساقطة بغزارة على دول حوض النيل،...،

عدا مصر طبعا، يزيد عن الف وستمائة وستين مليارمتر مكعب من المياه، وان حصة مصر المقررة من هذه الكمية لاتزيد عن «٥٥٫٥» خمسة وخمسون مليارا ونصف المليار متر مكعب، فى حين أن ما يسقط على الهضبة الاثيوبية وحدها من امطار يزيد عن تسعمائة وخمسين مليار متر مكعب من المياه «٩٥٠» مليار متر مكعب.

وحقيقة أخرى لابد أن تبقى واضحة فى الذهن، وهى ان 85٪ من مياه مصر فى نهر النيل تأتى اليها من الهضبة الاثيوبية ومن النيل الازرق بالذات، وان «15٪» فقط من المياه لمصر تأتى من منابع النيل الأخرى.

وهذا يعنى أن اثيوبياالتى يهطل عليها ما يقارب الألف مليار متر مكعب من الامطار سنويا، بما يحقق ويضمن لها رىا دائما بالمطر لكل الزراعة التى يمكن أن تقوم بزراعتها ولكنها، لا تكتفى بذلك بل تريد ايضاان تتحكم فى المياه الواردة الى مصر والسودان عبر نهر النيل، رغم انهما لايحصلان إلا على نسبة قليلة جدا من المياه لاتزيد عن «5٪» فقط من المياه المتساقطة على الهضبة الاثيوبية كل عام، وكل ما يصل لمصر حاليا من مياه النيل لم يعد يكفى احتياجاتنا المائية، بل الحقيقة أن مصر تعانى من الشح المائى أو القحط المائى، وتحتاج الى زيادة هذه الكمية الى الضعف لمواجهة احتياجاتها الأساسية، فى ظل الزيادة السكانية العالية، وما تحتاجه من توسع زراعى وعمرانى وفقا لخطط التنمية وعدد السكان.

الخداع والتضليل!!

والنظر والتأمل والتدقيق فى قصة بناء سد النهضة الاثيوبى، وما أثارته من خلافات بين الدول الثلاث مصر والسودان فى جانب واثيوبيا على الجانب الآخر، يؤكد انها قصة مليئة بالخداع والتضليل من الجانب الأثيوبى، فى مقابل الكثير من حسن النوايا من الجانب المصرى والسودانى.

ومنذ بداية الاعلان الاثيوبى عن شروعها فى بناء السد، كان الكذب والخداع هو النهج والأسلوب الذى اتبعته، فقد اختارت اثيوبيا انشغال مصر البالغ فى دوامة الأحداث الطارئة، التى اجتاحتها مع عواصف وزوابع الربيع العربى والفوضى غير الخلاقة  فى «يناير 2011»، كى تعلن وضع حجرالاساس للسد، دون اخطار مسبق وبالمخالفة لكل القواعد والقوانين الدولية المعمول بها بالنسبة للانهار العابرة للدول.

وكذبا اعلنت اثيوبيا على لسان رؤسائها ومسئوليها فى ذلك الحين ابتداء من «مانجستو»..

وحتى «ابى احمد»، انها حريصة على عدم الحاق أى اضرار بمصر أو السودان، ولن يكون هناك أدنى مساس بالحقوق التاريخية والمشروعة لمصر أو السودان فى مياه النيل.

وقد كررت اثيوبيا ذلك القول عدة مرات على لسان كل المسئولين بها،..،

وهو ما ظهر وتأكد كذبه تماما الآن،....،

وطوال السنوات العشر الماضية التى شهدت المفاوضات الطويلة حول القضايا الخلافية بخصوص السد، والتى تدور وتتركزحول وسائل حماية مصر والسودان من الاضرار الناجمة عن السد.

فطوال هذه السنوات الممتدة من المفاوضات، استمر الطرف الاثيوبى فى تعنته ورفضه لكل المقترحات الايجابية، التى تقدمت بها مصر والسوادن للتغلب على الخلافات القائمة، والوصول الى حل شامل وعادل يحقق مصالح الدول الثلاث.

وظل على تعنته ورفضه كل الحلول، وسعيه الدائم لإضاعة الوقت والمماطلة، وسد كل الطرق المؤدية للتفاهم والتوافق،..،

بل على العكس تماما رفض بشدة واصرار  الوصول الى اتفاق قانونى شامل وعادل وملزم للدول الثلاث، ينظم عمليات الملء والتشغيل للسد،..،

ورفض الالتزام بعدم المساس بحقوق مصر والسودان القانونية والمشروعة والتاريخية فى مياه النيل.

وفى ظل ذلك بات واضحا أن الهدف الوحيد للجانب الاثيوبى من المفاوضات هو اهدار الوقت، حتى يتم الانتهاء من استكمال بناء وقيام السد، بحيث يصبح امرا واقعا وعلى مصر والسودان الخضوع له،..،

وهو ما لن يحدث على الاطلاق، حيث اعلنت مصر بوضوح لايقبل الشك، انها لن تسمح بالمساس بقطرة واحدة من حصتها المشروعة والتاريخية فى مياه النيل، وأن المياه بالنسبة لها قضية حياة والمساس بها خط أحمر.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة