جمال الشناوي
جمال الشناوي


جمال الشناوي يكتب: صعب أن تكون حليفًا لـ«واشنطن»

جمال الشناوي

الخميس، 15 أبريل 2021 - 02:46 م

 

كان المشهد لا تصدقه عين  ..العالم يتابع على الشاشات عملية القتل الأكبر والأضخم.. بفعل طائرات ضخمه محملة بالركاب تحوم حول برجي مركز التجارة العالمية ..ثم تخترقها ..بعد تلك المأساة ساد الارتباك أمريكا ..وأطلقت آلة الحرب في غارات وعمليات تستهدف أوكار الإرهاب في عده دول.

وبينما كنت أقلب في أوراقي لاستشراف ملامح السياسة الخارجية للجمهورية الثانية المزمع الإعلان عنها قريبا ..وجدت أثارا للقاءا منفردا  مع "أمريكي" دعيت  في السفارة ..فأمريكا كعادتها  كدولة عظمى تطلق الباحثين في مسار موازى لعمليات الجيش خارج حدودها. وهو ما حدث بعد تفجير برجي مركز التجارة. وباغتني يومها بالسؤال لماذا تكرهون أمريكا؟.. وبعد حوار استمر ما يقرب من الساعتين ..خلصت فيه إلى سجل طويل من استهداف أمريكا لشعوبنا ومصالحها ، لإضعافها في مواجهة إسرائيل ..ورجعنا إلى نموذج لموقف من بناء السد العالي ..وانحيازها السافر لإسرائيل في كل الحروب مع العرب.

فمثلا عندما بدأت مصر في بناء السد العالي راهن الأمريكان على فشل المشروع، لسبب غريبا لم تكن الإدارة في مصر تعرفه وقتها.. سبب الفشل كما توقعه روبرت ميرفى مساعد وزير الخارجية الأمريكي في الخمسينات أن المصريون كما درسناهم لن يتحملوا الإنفاق الكبير دون عائد سريع ..فهى اشبه بعملية اختناق "المصريون لم يتعودوا على مشروع ضخم مثل السد العالي ..مشروع ينفقون عليه الكثير من أجل عائد يتحقق بعد 20 عاما ..لا لن يتحملوا ذلك" . الاقتباس من مقال للأستاذ هيكل .

الآن ومصر تبنى نهضتها الجديدة ، هل هناك من يراهن على عدم صبر الشعب ، الذي تحمل الكثير من  آلام العلاج  الاقتصادي ؟ الإجابة باختصار شديد نعم ..هناك من أزعجه ما يحدث ويستغل أي نقطة يراها ضعفا ليعاود الهجوم من جديد. 

السؤال الآن ..هل يمكن أن تكون أمريكا حليفا داعما لمصر في مسيرة العمل الرائع الذي يقوده رئيس مغاير لمن سبقوه في شجاعة منقطعة النظير لاقتحام الأزمات ..رئيس ينكر الذات ، ولا تطربه حناجر الجماهير وهى تهتف بحياته ..بل يسعد أكثر بأصوات ماكينات المصانع ..ومشاهد الأرض الخضراء التي كست الصحراء المصرية.

الرئيس السيسي وهو يرسى دعائم الجمهورية الثانية التي بدت ملامحها تتشكل أمام أعين العالم .. أظنه وضع إستراتيجية جديدة للعلاقات الخارجية لمصر ومحددات دوائر الأمن القومي للجمهورية الجديدة.

وكعادته دائما بالتأكيد يضع الرئيس وفريق مساعديه في الإدارة الجديدة لمصر.. خطط وأساليب التعامل مع العالم شرقه وغربه ..وبدأت ملامح تلك الخطط في الإصلاح السريع والعاجل لعلاقاتنا مع دول الجوار والإقليم .. وهاهى النتيجة تبدوا واضحة.

ولكن ماذا عن علاقاتنا مع أمريكا ..حتى الآن تتجه مصر بحسن نية لتعميق العلاقات مع دولة عظمى لها أذرعها وقوتها الناعمة والخشنة والأهم قوتها الذكية.
ولفت أنتباهى هذا الأسبوع مقال لباحث أمريكي مهم هو ريتشارد فونتين ..الرئيس التنفيذي لمركز الأمن الأمريكي الجديد .. بعنوان: "صعب أن تكون حليفا لأمريكا".

عنوان المقال صادم ، لكنه يكشف بشكل واضح عن صعوبات التحالف مع أمريكا ..لأسباب شرحها الكاتب بكل وضوح  فمثلا يرى ريتشارد ،والذي كان مستشارا سياسيا للسيناتور جون ماكين ..أن سياسات الاحتكار وفرض إجراءات حظر الاستيراد .."السياسات الحمائية" ستقلل من فرص التعاون الاقتصادي والتجاري.

ورغم أن إدارة بايدن نفذت انقلابا كامل على كل سياسات ترامب بعد رحيله ..في أغرب انتخابات "ديمقراطية" شهدتها أمريكا ..إلا أنها استهدفت دولة جارة وصديقة وتعد أقرب حلفاء واشنطن..إلا أن بايدن نفسه أصدر تنفيذيا لم يقدم عليه أي رئيس أمريكي سابق ..عندما قرر إلغاء ترخيص مشروع خط أنابيب البترول "كيستون" بين أمريكا وكندا ..رغم رسائل الغزل بين "بايدن وترودو" لنقل النفط من كندا إلى خليج المكسيك ! والذي يمثل أهمية  اقتصادية كبرى بالنسبة لكندا .

ليست كندا الحليف الأقرب للولايات المتحدة التي استهدفتها قرارات بايدن .. فساكن البيت الأبيض الجديد ..أصدر أمريكا تنفيذيا باعتماد مبادرة "اشترى الأمريكي" وهى المبادرة التي تحفز الشعب الأمريكي على شراء البضائع الأمريكية فقط ..وهو الأمر الذي يسبب خسائر فادحة لبضائع الحلفاء في السوق الأمريكية وخصوصا كندا الحليف الأقرب لواشنطن.

بادين الذي مسح كل آثار سنوات ترامب الأربع، حافظ فقط على قرار ربما وحيد من إجراءات سلفه ..هو الإبقاء على زيادة الجمارك على البضائع الواردة إلى السوق الأمريكي من الدول الحليفة .. ويقول الباحث الأمريكي "مضي واشنطن قُدمًا في مثل هذه السياسات الحمائية سيؤدي إلى تضاؤل فرص الشراكة التجارية مع الولايات المتحدة".

ورغم الصراع التجاري المتصاعد بين أمريكا والصين، إلا أن كثير من حلفاء أمريكا ..وخصوصا الإتحاد الأوروبي لم يبالى كثيرا بسياسات الحصار التي تريد واشنطن فرضها على بكين.

وشعرت أمريكا بخيبة أمل كبيرة كما يصفها الكاتب ريتشارد فونتين ..عندما وقع الإتحاد الأوروبي اتفاقية للاستثمار مع الصين.

وأيضا إصرار ألمانيا على المضي قدما في مشروع خط لأنابيب الروسي "نورد ستريم ٢ "  ..لاستيراد الغاز من روسيا . "رغم الاكتشافات الهائلة للغاز في شرق المتوسط الأقرب إلى أوروبا".

ولعل النقطة الأهم والتي حذر  الكاتب فيها إدارة بايدن ..هو عودة الولايات المتحدة إلى التركيز على دعم قيم الديمقراطية "الغربية" وحقوق الإنسان يقول الكاتب: "العالم سيخلق المزيد من التوترات في علاقة واشنطن بالحلفاء".. ويستند الباحث إلى النموذج التركي ، التي تستضيف القاعدة الأكبر لحلف الأطلنطي ..فكثير من التدخلات الأمريكية  سيدفع بتركيا وغيرها إلى تعزيز العلاقات بشكل سريع ومتنامي مع روسيا وربما الصين.

وينصح الباحث فونتين الإدارة الأمريكية بإتباع نهج متوازن في سياستها الخارجية ، أذا ما أرادت تعزيز ثقة الحلفاء ، خصوصا مع تغيير الإدارات الأمريكية.. وهو ما يسبب أضرارا للحفاء، وقد يدفعهم إلى إعادة التفكير في علاقاتهم مع الولايات المتحدة.

ويوصي الكاتب في تقريره الذي نشرته فورين بوليسي إدارة بايدن بالتخلي عن سياسات تؤدي إلى فقدان الثقة بين أمريكا وحلفائها ..محددا سببين مباشرين "السياسات الحمائية، وأجندة حقوق الإنسان".

أخيرا وبعد استعراض أبرز ما جاء في المقال الهام ..علينا ونحن على أعتاب إعلان الجمهورية الثانية أن نجلس ونتدبر مسير علاقاتنا ، فحتى الآن يبدو فريق العمل المساعد للرئيس في الشئون الخارجية ، يسير بخطوات ناجحة.

ونحن على أعتاب الجمهورية الثانية ، علينا أن نقرأ  بدقة وعمق وتحليل لما يدور في العالم من حولنا ، فالتكتلات بعضها يتفكك وبعضها ضعيف ، ولنا في الإتحاد الأوربي نموذجا ..وأنصح صانعي السياسة الخارجية بالاعتماد على علاقات مباشرة قوية مع أعضاء الإتحاد ..ولا نهتم كثيرا بالكيان الذي يتلقى الضربات من داخله وتهتز أرجاؤه، ويبدو في مشهد الأقل تأثيرا على دول أوروبا ..وكشفت أزمة كورونا بعد أوجه الخلل والتفكك في الإتحاد.

وعلينا أيضا أن نستمر على النهج المتوازن الذي تسير عليه مصر في علاقاتها مع الدول الكبرى ..فأمريكا دولة هامه  وقوة ضخمه علينا أن نستفيد من علاقاتنا معها ، ولكن أيضا أن نمارس سياسات استباقية معها لتدعيم علاقة قوية.

ونظرا للتقلبات الأمريكية وسياسات التدخل في شئون الدول ، علينا صناعة سياج لحماية أمن بلادنا واستقرار شعبنا ، بعلاقات قوية ومتوازنة مع الحليفين الأقل خطرا "اقتصاديا" على مصر بمشروعاتهم الضخمة في العالم والمنطقة وهما روسيا والصين.

لكن ما يبعث الطمأنينة في النفس ونحن على أعتاب الجمهورية الثانية..هو ما ينفذه الرئيس السيسي ، فبناء دولة قوية قادرة على الاستقلال الاقتصادي في حده الكافي لحماية الأمن القومي المصري ..هو خير لمستقبل بلادنا .

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة