صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


انقذوا.. ما تبقى منى

الأخبار

الخميس، 15 أبريل 2021 - 09:30 م

كان دائما مبتسما، لم يعرف للحزن طريقا، ضحكاته وقهقهته هى المتنفس الذى يعينه على العمل فى صناعة الفضة داخل محله  بأحد شوارع حلوان.

ورغم السعادة المرسومة على وجهه، إلا أنه كان يخفى وراءها الكثير من المشاكل الأسرية والاجتماعية والاقتصادية التى يمر بها فى حياته.. لذلك كانت النهاية الحزينة ومؤلمة

تحمل الأب صاحب الأربعين عاما ما لم يتحمله غيره، فهو مطالب بأن ينفق على ابنتيه وزوجته، وعلى والدته المريضة، وشقيقيه الصغيرين.. لكنه ورغم هذا الحمل لم يستسلم ولم يتوقف لحظة واحدة عن العطاء دون مقابل، بل قرر أن يهب جسده وتعبه لكل من يحتاجه من أسرته الكبيرة، فأدمن العمل ليلا ونهارا، وحرم نفسه من أجل أن يسعد من حوله.

كانت ابنتاه هما كل حياته كما أخبر الجميع، ابتسامته التى تملأ مكان عمله نهارا، سرعان ما يستبدلها بأحضان وقلق كبير عليهما عند دخوله البيت ليلا، فهما ليسنا بناته فقط، بل كل حياته ورفيقتيه فى مصاعب الدنيا وآلامها.

مرت الأيام والأب يعمل دون كلل، والأطفال أصبحن بنات فى مراحل التعليم المختلفة، الابنة الكبرى فى الإعدادى والصغرى فى الابتدائى، حتى حدث ما كان يخشاه، انكسر استقرار البيت، ارتفعت وتيرة المشاكل مع زوجته، شغله العمل، ولم يعد يرى سواه، تكالبت عليه المطالب ولم يستطع أن يلبى أو حتى يوازن بينها.

أصبح فى نظر الجميع هو الظالم، المقصر، الذى لا يلبى احتياجات أسرته، فلا عائد يغنى أحدا منهم.. بل تجاهل الجميع النظر إلى جسده بعين الرأفة ليدركوا حجم المأساة التى يعيشها.. وعندما وجد الحجود.. قرر أن يريح الجميع.. وافق على طلبات أطراف المساءلة، فانفصل عن زوجته حسب رغبتها، وأعطى الحرية لشقيقيه لاختيار العمل الذى يريدونه، وقرر الاستقرار فى حضن والدته الملاذ الأخير له.

اعتزل الزوج الجميع، اختفت ابتسامته، وصمتت قهقهته، أدرك زملاؤه فى العمل والشارع، أن الحدث جلل، خلال 20 عاما لم يتوقف عن الضحك والقهقه.. سألوه ما السبب؟.. قص لهم مأساته التى كان يخفيها عن الجميع.. تعاطفوا معه، ثم اكتفوا برمى كلمات الحسبنة على كل شخص لم يشعر بتعبه ومأساته.

مرت الأيام.. وتبدلت الابتسامات إلى أحزان.. ولم يعد يتحمل الجسد الضعيف العمل ليل نهار.. حتى القلب أصبح مريضا، فكلما ضحك زادت نبضاته ونغزاته، وكلما صمت ارتفعت وتيرة حزنه فأشعل وميض ضرباته ونغزاته.. حتى أصبح ضعيفا غير قادر على تحمل أى صدمات قادمة.

فى هذا الوقت تعبت والدته، أصبحت فى حاجة إلى من يراعيها، فكان يترك البيت ويذهب إلى العمل ثم يعود مع شروق الشمس، لذلك قرر أن يتزوج مرة أخرى من أجل رعاية والدته.. تزوج، لكنه لم يهنأ كثيرا، تلقى مكالمة من زوجته الأولى تخبره أن ابنته الكبرى سقطت مغشية عليها، وأن توصيف الطبيب لا يبشر بخير.

ترك ما فى يده، وأسرع إلى الشارع هائما.. فجأة وهو فى الطريق زادت ضربات قلبه، توقف واستراح قليلا، تحامل على نفسه، ثم استكمل مساره إلى البيت، احتضن ابنته، وبكى بحرقة، دون أن يسأل زوجته ما توصيف الطبيب؟

أراد فى هذه اللحظة أن يكون أصم، لا يسمع من زوجته ماذا قال لها الطبيب؟، فهو يشعر بالأمان طالما أن ابنتيه بخير، لكنه لم يتحمل سوى دقائق، ثم عاد وسأل زوجته ماذا تشتكى ابنته؟.. أخبرته أنها مصابة بالعصب الثالث.. لم تكمل كلامها حتى سقط مغشيا عليه على الكرسى، ألقى بنظره إلى سقف الحجرة، ثم دعا ربه، ألا يريه مكروها فى ابنتيه وهو على قيد الحياة.

طلب الزوج من زوجته أن تنتقل ابنته الكبرى للعيش معه حتى يستطيع علاجها، فهو يعرف ظروف زوجته المالية جيدا.. وافقت، وبعدها بدأ مع ابنته رحلة البحث عن العلاج.

أخبره الأطباء أن ابنته تعانى من مرض العصب الثالث، وأن هذا المرض يؤثر على دراستها ومذاكرتها، حيث سيغلق عينيها كثيرا، وقد لا تستطيع النوم لساعات، لكنهم أعطوه أملا فى العلاج.

لم يستسلم الأب، باع كل ما يملك من أجل ابنته، تدهورت حالته الصحية ولم يعد يستطيع أن يتحرك مسافة مترين على قدميه قبل أن يستريح دقيقة بسبب آلام ترافقه فى صدره.

نصحه أحد أصدقائه بالذهاب إلى طبيب بحدائق القبة لعلاج ابنته المريضة ، لكن بعد إجراء الكشف الطبى عليها.. أخبره الطبيب أن ابنته مصابة بالعصب السابع وأنه أثر على عينيها وجعلها لا تغلق.

مرت الأيام والأب يعانى وحالة ابنته تسوء ساعة عن أخرى، حتى تلقى اتصالا من صديقه، أخبره أن ابنته كانت تعانى من هذه الأعراض، وهناك طبيب فى المعادى قام بعلاجها من خلال أدوية مستوردة.

لم ينتظر الأب حتى يودع صديقه تليفونيا.. أخذ ابنته وتوجه مسرعا إلى الطبيب.. وبعد الكشف عليها كانت الصاعقة.. أخبره الطبيب بما خشى منه الأب.. قال له "هناك شكوك عن وجود ضمور فى المخ.. أجرينا لها الأشعة وتبين وجود أكياس دهنية كذلك فى المخ.. وشفاؤها بيد الله وحده". 

لم ينطق الأب.. أخذ الروشتة من يد الطبيب.. ثم توجه إلى الصيدلية أسفل العيادة وهو فى حالة صمت تام.. تكاد تحمله أقدامه بصعوبة للتحرك بضع خطوات.

وعند دخول الصيدلية وضع يده على قلبه ثم صرخ لا أستطيع التنفس، بعدها سقط أمام الباب، ثوانٍ ولفظ روحه بهدوء.

كان مشهد موت الأب حزينا.. فقد ترك عينيه تتحدث بنفسها وكأنها تشير إلى ابنته القابعة بالأعلى.. لتقول للجميع "خدوا بالكم منها.. استجاب الله لدعائى.. ألا يرينى مكروها فى ابنتى.. وجعل يومى قبل يومها".. بعدها بلحظات صعدت روحه للسماء.. انتظارا لضمير الإنسانية فى أن يهبوا لعلاج ابنته التى لم يعد لها عائل بعده.

رسالة‭ ‬الابنة‭ ‬إلى‭ ‬وزيرة‭ ‬الصحة

مأساة الاب الذى  ادعو ان يرحمه الله دفعتنى الى التواصل  مع الفتاة تليفونيا.. استمعت إلى حديثها الذى استمر 10 دقائق كاملة.. وكانت هذه رسالتها للمسئولين بوزارة الصحة وكبار الأطباء وأصحاب الضمير لإنقاذها وعلاجها من المرض. 

تقول الفتاة.. "توفى والدى حزنا على مرضى منذ أسبوعين.. أنا الآن أعيش مع زوجة أبى.. أصبت بالعصب الثالث والسابع.. باشتباه ضمور فى المخ وأكياس دهنية.

أنا طالبة فى السنة الثالثة ثانوية عامة.. والمرض يؤثر بشكل كلى على مذاكرتى ودراستى والصداع لا يفارقنى.. ومستقبلى يضيع أمام عينى.

رسالتى إلى وزيرة الصحة والمسئولين انقذونى.. فالمرض يلتهمنى.. وليس هناك أى دخل يعيننى على تحمل تكاليف العلاج".

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة