عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

كورونا تهدد باختلال البنية الديموغرافية فى العالم

الأخبار

السبت، 17 أبريل 2021 - 06:04 م

لا أحد من الباحثين والخبراء والعلماء والمختصين يملك جوابا واضحا ومقنعا حول حدود تداعيات جائحة كورونا وتأثيراتها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنفسية فى العالم، قدرة كل هؤلاء مجتمعين تقتصر حتى الآن على محاولة ملاحقة هذه التداعيات والتأثيرات بالرصد والدراسة والبحث، لتحقيق مزيد من الفهم العميق لطبيعة هذه الأزمة الصحية العالمية، التى تكاد تكون غير مسبوقة فى تاريخ البشرية الحديث. ولذلك لا نستغرب إذا ما خرجت فى أية لحظة من لحظات هذا الزمن القاسي، الذى تعيشه البشرية جمعاء إلى العلن، قضية من القضايا الشائكة التى فرضتها هذه الأزمة، أو إشكالية من الإشكاليات المستعصية التى حبلت بها فترة زمنية سيصعب نسيانها.
آخر هذه القضايا المثيرة للاهتمام تمثلت هذه المرة فيما تضمنته دراسة حول قاعدة البيانات المتعلقة بالخصوبة، أصدرها معهد الديموغرافيا التابع لجامعة فيينا ومعهد (ماكس بلانك) الألماني، والتى كانت نتيجة عمل مجموعة من الباحثين المتخصصين، وبادرت اليومية الفرنسية ( LE MONDE ) بنشر أهم مضامينها، وهى دراسة ركزت بصفة رئيسية على تأثيرات جائحة كورونا على الأوضاع الديموغرافية فى العالم، وفى هذا الصدد حفلت الدراسة بمعطيات وحقائق مذهلة جديرة بتعميق الدراسة حولها والبحث عن الحلول الكفيلة بالتصدى لما سيترتب عنها.
من الطبيعى أن يقع الإقرار بأن تأثيرات كورونا على الوضعية الديموغرافية فى العالم كانت مختلفة ومتباينة بين دول العالم، وهذا التباين والاختلاف يرتبط بحجم الأزمة فى كل قطر وبمعدل الإصابات والوفيات، وبجهود السلطات العمومية للتخفيف من آثارها الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، وبالسلوك الجماعى والفردى للسكان فى التعاطى معها، وبحجم الإمكانيات المتوافرة، لذلك تبين الدراسة أن البنية الديموغرافية للدول التى عاشت أوضاعا فى غاية الصعوبة تأثرت بنسبة أعلى من الدول، التى كانت فيها الأوضاع أقل حدة وخطورة. ويبين مؤلفو هذه الدراسة أن العوامل النفسية، التى تسببت فيها الجائحة وتداعياتها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، كل هذا أفضى إلى الشعور بالقلق من المستقبل الغامض، مما أقنع العديد من الأزواج بإلغاء فكرة الولادة أو على الأقل تأجيلها إلى حين اتضاح الصورة أكثر.
الأكيد أن تكلفة كورونا لم تقتصر على الخسائر الفادحة فى أرواح الأشخاص حيث تجاوز عدد قتلاها المليون ونصف المليون شخص فى مختلف أنحاء العالم، بل أيضا، وهنا بيت القصيد، فإن هذه التداعيات أدت إلى انخفاض ملحوظ فى معدلات الولادة بسبب العوامل السالفة الذكر، وأيضا بسبب تراجع رغبة الأزواج فى الإنجاب فى ظروف طارئة وغامضة جدا. وترى الدراسة أن توالى موجات وطفرات وسلالات هذا الفيروس، وما فرضه كل ذلك من حجر صحى شامل، كل ذلك مثل منعرجًا مهمًا فى المسار الديموغرافى الذى كان يسير عليه العالم إلى غاية ما قبل الجائحة.
الدراسة قامت برصد الحالة الديموغرافية فى 34 دولة فى العالم، وهكذا توقفت عند الحالة الأوروبية التى تعتبر أكثر تعبيرا فى 15 دولة فى القارة العجوز، وكشفت أن معدل الولادات انخفض فى هذه الدول بنسبة 3 بالمائة خلال شهر أكتوبر من السنة الفارطة، ليهوى بعد ذلك بشهر واحد إلى 5 بالمائة ثم إلى 8.1 المائة فى نهاية شهر ديسمبر من نفس السنة. وسجلت إسبانيا أعلى معدلات تراجع الإنجاب فى أوروبا، حيث وصلت إلى 20 بالمائة فى متم الشهر الأخير من السنة الفارطة، وهى أعلى نسبة انخفاض فى شبه الجزيرة الايبيرية منذ سنة 1941، فى حين سجلت فرنسا معدل انخفاض بنسبة 13،5 بالمائة فى نفس الشهر، بيد أن بولونيا عرفت انخفاضا مهولا فى الولادات لم يسجل مثيل له منذ الحرب العالمية الثانية، كما سجلت انخفاضات كبيرة فى كل من صربيا وبلغاريا وسلوفينيا وهنغاريا وبريطانيا التى تراجعت فيها الولادات بنسبة 4 بالمائة. ونفس المعطيات سجلتها الدراسة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، حيث تراوحت معدلات تراجع الولادات ما بين 5 و10 بالمائة حسب الولايات، وأيضا بالنسبة لكندا التى كانت قد عرفت خلال الفترة ما قبل كورونا انتعاشة كبيرة فى أرقام الولادات، ويرد الخبراءذلك إلى السياسة التى اعتمدتها السلطات الكندية فيما يتعلق بالهجرة، حيث توضح الأرقام فى هذا الصدد أن نسبة 33 بالمائة من الولادات الجديدة فى كندا هى لزوجين أحدهما مهاجر، إلا أن الجائحة حدت من هذا الارتفاع، حيث سجلت كندا أضعف نسبة زيادة لم تتجاوز 0.4 بالمائة، وفى البرازيل تراجعت الولادات ب 6.2، المائة وفى كوبا بـ4.2 بالمائة وفى روسيا 10.3 بالمائة وفى تايوان بـ23.3 بالمائة، ولاحظت الدراسة أن الدول الاسكندنافية لم تتأثر وحافظت على توازنها الذى يشكو أصلا من علل.
الجدير بالانتباه أن دولا أخرى فى المعمور عرفت أوضاعا مختلفة، حيث لم تتوقف وتيرة نموها الديموغرافى المطرد، كما الشأن بالنسبة للهند مثلا، التى تعتبر ثانى أكثر دول العالم سكانا بما يتجاوز 1.3 مليار نسمة، وفى هذا الصدد، أوضحت مؤسسة خدمات الصحة الإنجابية الهندية، فى تقرير حديث لها أن بلاد الزعيم نهرو عرفت خلال فترة الحجر الصحي، التى بدأت فى مارس من السنة الفارطة 2.4 مليون ولادة جديدة. ولا يوجد من تفسير علمى لما حدث سوى أن الشعب الهندى كان أقل قلقا مما جرى، أو أن أعدادا كبيرة منهم قربهم الحجر الصحى أكثر من فراش الزوجية.
وسواء تعلق الأمر بدول القارة العجوز أو دول أخرى من قارة آسيا، فإنها كانت تواجه قبل الجائحة تحديات صعبة تتعلق بنموها الديموغرافي، ورغم التدابير التحفيزية الكبيرة التى خصصتها الحكومات هناك للرفع من معدلات الإنجاب، فإن الأوضاع لم تتوقف عن الاستفحال من خلال الاختلال فى التوازن الديموغرافى، بسبب ارتفاع معدلات الوفيات وتراجع نسب الإنجاب، مما أصبح يطرح إشكاليات حقيقية تهم سير بعض الشعوب نحو الانقراض، ويبدو أن جائحة كورونا زادت هذا الجرح اندمالا فى أجساد العديد من الأقطار بالعالم.
< نقيب الصحفيين المغاربة
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة