حمدى الكنيسى
حمدى الكنيسى


يوميات الأخبار

رئيسان يتحديان الزمن

حمدي الكنيسي

السبت، 17 أبريل 2021 - 06:14 م

المعروف أنه كان شخصيا وراء اختيار السبت العاشر من رمضان لاندلاع شرارة بدر

كلما تهل علينا ذكرى العاشر من رمضان، تتدفق صور ما ارتبط بذلك اليوم المجيد «١٣٩٣ هـ» الذى التصق به «السادس من أكتوبر ١٩٧٣» وما تم خلال أيامه من تحطيم لأسطورة جيش الدفاع الذى كانوا يتباهون بأنه لا يقهر، فتم تحطيم ما ارتبط به من أساطير.

ولعل ذكرى ذلك العام الهجرى بالذات تفتح بصفة خاصة ملف «حرب العقول»، التى مهدت تماما للانتصار المصرى المذهل، لأنها جاءت أثناء الاحتفال الأسطورى بموكب المومياوات العظام، حيث نال الرئيس الفرعون «سقنن رع» الكثير من اهتمام تاريخى متجدد، وكان دوره فى قهر ودحر الهكسوس هو تقريبا دور أنور السادات فى قهر ودحر قوات الاحتلال الإسرائيلي.

كيف كان ذلك التشابه أو التطابق فى دورى الزعيمين التاريخيين؟ هذا ما تقوله الحقائق التالية:

فى عام «١٥٩٠ ق.م» اجتاح الهكسوس دولا إقليمية، وبلغ الغرور الجامح بالملك الهكسوسى «أبوفيس» حد الاستهانة بفرعون مصر «سقنن رع- تاع الثاني»، أول ملوك طيبة «والد كاموس وأحمس» حيث بعث إليه رسولا يطلب منه أن يأمر بخروج فرس البحر من بحيرته الموجودة فى ينبوع مدينة طيبة، وذلك بحجة أن فرس البحر لا يسمح للنوم أن يغشاه «ملك الهكسوس» ليلا أو نهارا بأصواته المزعجة.

استقبل «سقنن رع- تاع الثاني» رسول ملك الهكسوس، وتظاهر أمامه بالخوف والضعف والانهيار، وقال له: ارجع إلى الملك أبوفيس وأخبره بأن أى شيء يطلبه سأفعله فورا. قالها سقنن وهو يعلم أن المسافة بين طيبة وأواريس حيث يتمركز ملك الهكسوس حوالى ٥٠٠ ميل وبالتالى فإن الوقت الذى سيستغرقه ذلك الرسول فى الذهاب إليه ثم العودة إليه فى طيبة حاملا أوامر جديدة من أبوفيس، سيكون كافيا ليقوم هو بإعداد الأمر مع ضباطه العظام وما لديه من قوات.

وهذا ما حدث فعلا إذ أن رسول «أبوفيس» فوجئ لدى عودته إلى طيبة برد فعل مختلف تماما وكأن ملك الأمس الضعيف المنهار قد تحول إلى أسد كاسر مستعد للمواجهة مع أى عدو، وعاد الرسول من طيبة ليقص على سيده حول ما رأي..

ولكنه قبل أن يصل إليه كان ملك طيبة يقود جنوده نحو الشمال ليصفى حسابه مع الهكسوس وكانت المعركة التى أنهت الغزو الهكسوسى لمصر وللمنطقة.

هكذا نجح رئيس مصر الفرعون سقنن رع فى خداع رئيس الهكسوس ثم رد الصاع له صاعين، وألحق به وبقواته الهزيمة المدوية.

وهنا يسجل التاريخ تشابها يصل إلى حد التطابق فيما سجله بمداد من ذهب للرئيس الفرعون «سقنن رع» (عام ١٥٩٠ ق.م) وما سجله بانبهار للرئيس الفرعون الحديث (السادات)، (فى عام ١٩٧٣) قائدا لخطة الخداع والتمويه، ومحققا للانتصار المذهل على قوات الاحتلال الإسرائيلى ومسانديها.

إنه التشابه الكامل بين دورين لحاكمين مصريين برغم آلاف السنين التى باعدت بينهما.
> ومثلما سجل التاريخ ما فعله سقنن رع، سجل للسادات تفاصيل ما حققه كالتالي:

المهرج الصغير والدور الخطير

فى أكثر من مقال بجريدة الجارديان البريطانية الشهيرة كتب دافيد هيرست يقول: إن السادات مهرج صغير يجب ألا ينظر أحد باعتبار إلى تصريحاته عن الحرب ضد إسرائيل. وقد أكد هذا الانطباع ما نشر من موضوعات وصور شخصية له أنه ليس الرجل الذى يتخذ قرارا بالحرب، وانتشرت مثلا صورته جالسا فى حديقة منزله وقد وضع على رأسه قبعة كبيرة وأخذ يداعب كلبه الخاص، ثم صورة أخرى له على شاطئ البحر بالمايوه، وبالنظارة السوداء الكبيرة. وقد كانت تلك الصور والمقالات فرصة لرسامى الكاريكاتير ليتسابقوا برسومهم الساخرة من الرئيس المصرى المؤكدة لأنه كل ما يشغله أن يستمتع بحياته ومظاهر الرفاهية مهما أطلق من تصريحات صاخبة عن ضرورة الحرب لاستعادة الأرض والكرامة.

والمؤكد أن ما ظهر بعد ذلك من حقائق مجردة قد مثل صدمة للكتاب والخبراء والقادة الإسرائيليين عندما تأكدوا أنه شخصيا كان وراء ترويج تلك الصور ومقالات السخرية منه، بل كانت تغمره السعادة كلما تعرض لمزيد من التعليقات والرسوم الكاريكاتيرية التى تسخر منه وتظهره عاجزا مرتبكا لا يملك فكر وشجاعة الحرب.

تعمية إسرائيل

ما أكد لقادة إسرائيل وخبرائها أنه لا مجال لأى حرب فى ظل قيادة السادات لمصر أنه لم يتوقف عن التحرك على طريق الخداع والتمويه الذى يصل إلى تعمية الطرف الآخر ويفقده تماما القدرة على توقع ما يمكن أن تقوم به مصر.

ومن قرارات وتصريحات التعمية ما يلي:
١  فى مايو ١٩٧١أصدر قرارا بتصفية مراكز القوى بقيادة على صبرى وشعراوى جمعة والفريق محمد فوزى وغيرهم من دعاة الحرب.

٢ فى يولية ١٩٧٢ اتخذ قرار انهاء مهمة الخبراء السوفيت بمصر، وفاجأ بهذا القرار الاتحاد السوفيتى نفسه مثلما فاجأ العالم، وأعطى انطباعا بأن الحرب ليست واردة فى فكر القيادة المصرية.

٣ فى أكتوبر ١٩٧٢ أصدر قرار إقالة وزير الحربية والقائد الأعلى للقوات المسلحة الفريق محمد صادق الذى كان يتمتع بشعبية كبيرة، وكان يتبنى قرار الحرب.

هكذا ومن خلال المعلومات المسربة- ومنها صوره إياها- قاد السادات عملية تعمية إسرائيل وحلفائها، إلى جانب ما استقر فى أذهانهم عن صعوبة أو استحالة اتخاذ قرار بالحرب فى عام ١٩٧٣ بسبب الظروف المتشابكة المعقدة محليا واقليميا ودوليا.

إلى جانب الموانع المائية والقلاعية وما تملكه إسرائيل من تفوق جوى ساحق، وغير ذلك من أشرس العقبات والصعوبات التى يستحيل على الجيش المصرى وأى جيش آخر مجرد التفكير فى اقتحامها.

المعروف أنه كان شخصيا وراء اختيار السبت العاشر من رمضان لاندلاع شرارة بدر لأن العد ولا يتوقع أن تحارب مصر فى هذا الشهر الذى يركن فيه المصريون إلى التراخى والاندماج فى المظاهر الروحية إلا أن الوجه الآخر لهذا اليوم الذى قد يغيب عن الطرف الآخر هو أن الحرب فى رمضان ترفع معنويات المقاتلين فيحاربون مزودين بدوافع الشهر الفضيل. كذلك اكتسب هذا اليوم العاشر من رمضان من عام ١٣٩٣ هـ اكتسب أهمية أخرى فى تعمية إسرائيل لأنه وافق يوم عيد الغفران الذى تتراجع أو تتلاشى فيه فرص الاستدعاء والتعبئة العامة لطبيعة الطوائف اليهودية المتزمتة التى ترفض العمل فى هذا اليوم حتى إن إذاعتهم لا تعمل هى الأخرى مما يؤكد تضاؤل فرص استدعائهم.

السادات متنكرا

فى فيض الاعترافات والشهادات الإسرائيلية والأوروبية بدور أنور السادات فكرا وخداعا وقرارا تستوقفنا مثلا كلمة الكاتب الإسرائيلى الشهير افرائيم ليشون الذى قال بالحرف الواحد ان السادات أجاد التنكر فى أزياء مختلفة حتى انه أصم آذاننا بما خلقه من أجواء، وانتهازه أنسب الأوقات ليرمينا بغضبته المصرية التى دبرها فى صمت وهدوء، وقادها بشجاعة وذكاء حتى وجد شعبنا نفسه يخوض حربا لم يعرف لها مثيلا فى شراستها وضراوتها.

وتجاوز الرئيسان الزمن

من خلال ما سجلته لدور الرئيس أنور السادات فى حرب العاشر من رمضان السادس من أكتوبر فكرا وتخطيطا وقرارا وقيادة، تتأكد حقيقة انه تجاوز مع الرئيس الفرعون سقنن رع حدود الزمن حيث التقى الاثنان على طريق التشابه والتطابق فى الفكر والمواقف ليلقى فى النهاية اعداء مصر من هكسوس وإسرائيليين الهزيمة المدوية.

ليس انتقاصا من شأنهم

الحديث بالتفاصيل عن دور السادات فى حربنا المجيدة لا يعنى انتقاصا أو تجاهلا  لدور أبطال قواتنا المسلحة من قيادات تميزت بالفكر والخبرة والحماس يكفى أن يكون منهم الفريق أحمد إسماعيل والفريق سعد الشاذلى والفريق محمد الجمسى واللواء حسنى مبارك قائد السلاح الجوي، واللواء محمد على فهمى قائد الدفاع الجوى والعميد نبيل شكرى قائد الصاعقة، إلى جانب البطولات الرائعة التى حققها ضباطنا وجنودنا بالصورة التى فاجأت إسرائيل وألحقت بها الهزيمة غير المتوقعة.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة