الشعراوي
الشعراوي


قصص القرآن.. «التشخيص في قصة مريم»

الأخبار

الثلاثاء، 20 أبريل 2021 - 09:26 م

 

قال القرآن في خطاب مريم ابنة عمران: «يا أخت هَارُونَ» ولذلك حدث لَبْسٌ عند كثير من الناس، فظنوها أخت نبى الله موسى بن عمران وأخت هارون أخى موسى عليهما السلام.. والحقيقة أن هذه المسألة جاءتْ مصادفة اتفقتْ فيها الأسماء؛ لذلك لما ذهب بعض الصحابة إلى اليمن قال لهم أهلها: إنكم تقولون: إن مريم هى أخت موسى وهارون، مع أن بين مريم وعمران أبى موسى أحد عشر جيلًا!!


فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما ذكرتُمْ لهم أن الناس كانوا يتفاءلون بذكر الأسماء خاصة الأنبياء فيُسمّون على أسمائهم عمران ويسمون على أسمائهم هارون؟».


حتى ذكروا أنهم فى جنازة بعض العلماء سار فيها أربعة آلاف رجل اسمه: هارون. إذن: فالأسماء هنا مصادفة، فهى ابنة عمران، لكن ليس أبا موسى، وأخت هارون، لكن ليس هو أخا موسى.. وقد أفرد القرآن سورة كاملة باسم مريم وخصَّها وشخَّصها باسمها واسم أبيها، وسبق أنْ أوضحنا أن التشخيص فى قصة مريم جاء لأنها فذَّة ومُفردة بين نساء العالم بشيء لا يحدث ولن يحدث إلا لها، فهذا أمر شخصى لن يتكرر فى واحدة أخرى من بنات حواء.


أما إنْ كان الأمر عامًا يصح أنْ يتكرّر فتأتى القصة دون تشخيص، كما فى حديث القرآن عن زوجة نوح وزوجة لوط كمثال للكفر، وهما زوجتان لنبيين كريمين، وعن زوجة فرعون كمثال للإيمان التى قام فى بيت الكفر وفى عُقْر داره، فالمراد هنا ليس الأشخاص، بل المراد بيان حرية العقيدة، وأن المرأة لها فى الإسلام حريةٌ عقدية مستقلة ذاتية، وأنها غيرُ تابعة فى عقيدتها لأحد، سواء أكانت زوجة نبى أم زوجة إمام من أئمة الكفر.


وقوله تعالى: «إِذِ انتبذت مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًا»، أى ابتعدتْ عنهم، من نبذ الشيء عنه أى أبعده، فكأن أُنْسها لا بالأهل، ولكن أُنْسها كان برب الأهل، والقرآن يقول «من أهلها» ولم يقُلْ: من الناس، فقد تركتْ مريم أقرب الناس إليها وأحبّهم عندها وذهبت إلى هذا المكان.


«مَكَانًا شَرْقِيًا»، لكن شرقيّ أيّ شيء؟ فكل مكان يصح أن يكون شرقيًا، ويصح أن يكون غربيًا، فهى إذن كلمة دائرة فى كل مكان. لكن هناك عَلَم بارز فى هذا المكان، هو بيت المقدس، فالمراد إذن: شرقى بيت المقدس، وقد جاء ابتعادها عن أهلها إلى هذا المكان المقدس لتتفرغ للعبادة ولخدمة هذا المكان.


لكن، لماذا اختارت الجهة الشرقية من بيت المقدس بالذات دون غيرها من الجهات؟ قالوا: لأنهم كانوا يتفاءلون بشروق الشمس، لأنها سِمَة النور المادى الذى يسير الناس على هُدَاه فلا يتعثرون، وللإنسان فى سَيْره نوران: نور مادىّ من الشمس أو القمر أو النجوم والمصابيح، وهو النور الذى يُظهر له الأشياء من حوله، فلا يصطدم بما هو أقوى منه فيحطمه ولا بأضعف منه فيحطمه هو. وكذلك له نور من منهج الله يهديه فى مسائل القيم، حتى لا يتخبّط تائهاً بين دُروبها.

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة