يحيى حقى / القاضى الشرعى يتابع فى المنظار لحظة ظهور هلال رمضان
يحيى حقى / القاضى الشرعى يتابع فى المنظار لحظة ظهور هلال رمضان


صاحب «قنديل أم هاشم» يروى احتفالية ليلة الرؤية فى « فيض الكريم »

الأخبار

الخميس، 22 أبريل 2021 - 06:16 م

 

إعداد : عاطف النمر

فى عام 1944 صدر للكاتب الكبير يحيى حقى رواية " قنديل أم هاشم " التى تم إنتاجها فى فيلم بنفس العنوان عام 1968، سيناريو صبرى موسى وإخراج كمال عطية والبطولة لشكرى سرحان، وسميرة أحمد، وأمينة رزق، وعبد الوارث عسر.

ويطرح الفيلم سؤالاً : ماذا نفعل تجاه الحضارة الغربية الجديدة التى تدق أبوابنا بعنف ؟ هل نلغى أنفسنا لكى نكون نسخة طبق الأصل منها أم أن واجبنا يفرض علينا تصوراً يختلف عن تصور الغربيين ؟ تلك هى الإشكالية التى تناولها يحيى حقى دراميا من خلال شخصية إسماعيل ابن السيدة زينب الذى تعلم فى إنجلترا ليعمل طبيباً للعيون، فيجد ابنة عمه مهددة بأن تفقد بصرها، وكانت أمها تعالجها بزيت مأخوذ من " قنديل أم هاشم " او قنديل مسجد السيدة زينب، غضب إسماعيل يدفعه لتحطيم قنديل المسجد على اعتبار انه ليس بعلاج، فينهال الناس عليه ضرباً عقاباً له على جريمته فى حق مقام السيدة، ويتنبه إسماعيل إلى أنه أخطأ عندما أراد أن يفرض على اهل حى السيدة زينب بالقوة طريقة التفكير فى الغرب، واكتشف بعد صراع ضرورة أن يتعاطف مع أهله ويساعدهم للخروج من تخلفهم باحترام تراثهم الروحى، وبهذا استطاع أن يعالج فاطمة وأن يرد إليها بصرها، والكاتب الكبير يحيى حقى - رحمه الله - أكثر كتاب جيله تأثرا بالروحانيات والعادات والتقاليد والمفاهيم الشعبية التى يتمتع بها حى " السيدة زينب".

فى كتابه " من فيض الكريم " يرسم لنا يحيى حقى بقلمه الساحر الجذاب لوحة ادبية نتلمسها بصريا ونشم انفاسها ونعيش اجواءها فى مقال " من وحى ليلة الرؤية " يكشف فيه بحسه المرهف عن مظاهر الاحتفاء بتلك الليلة المباركة عند اهل المحروسة عندما تتجه ابصارهم نحو السماء بفرح انتظارا لإعلان الرؤية، إذ لم يكن وقتها لدى أحد جهاز للراديو يجلب لهم أخبار الرؤية وهم فى منازلهم، وكانت جموع الصبية قبل الكبار تتجمع خارج باب المحكمة الشرعية فى سراى رياض باشا، حيث يجلس القاضى ينتظر وفودَ الرُّسُلِ الذين خرجوا إلى مختلف المراصد والأماكن لِرَصْدِ قطعةٍ صغيرة من النور، ليس فى السماء ما هو أرشق منها ولا أجمل، وما إن تثبت الرؤية حتى تُدَار أكواب العصير على الحاضرين، وسط هتاف الصبية: " صيام صيام..بذا حكم قاضى الإسلام "، وهنا ينطلق الموكب، وفى مقدمته ضارب الطبل المغلف بجلد النمر فوق حصانه، وخلفه فريقٌ كبير من المشاة، يعقبهم موكبُ أرباب المهنِ الشعبية، كُلُّ مهنةٍ يَتَقَدَّمُهَا شيخها يتبعه صبيانه، وقد حملوا فى اعتزاز أجملَ أدوات مهنتهم التى يستعملونها فى نوعٍ راقٍ من الاعتزاز الإيمانى الذى يصوغ تضافر الفن والعمل، فى موكبٍ يُشكل لوحةٍ رائعةٍ من التراث الشعبى التلقائى، وما إن يمر الموكب على مسجدٍ ما حتى تُضَاء مئذنته، بحيث لا تنتهى مسيرة هذا الموكب إلا وتكون مآذن القاهرة الألف قد أُضِيئت، إيذانًا بدخول رمضان.

ومن بين ذكريات يحيى حقى فى سياق ليلة الرؤية أن الأطفال كانوا يتسابقون على الصيام، إذ يؤكد كل صبى أنه سيصوم، ولو يومًا واحدًا، لينعم ولو مرةً واحدةً بالجلوس مع الأسرة حول مائدة الإفطارليشاركهم متعة انتظار انطلاق المدفع، واستطعام الفول المدمس كأول طبق، ويصابر نفسه إلى أن يأتى دور الكنافة والقطايف وقمر الدين، وبعد العشاء يقوم بهواية تكسير اللوز، والجوز، والبندق، ومضغ التمر، والتين المجفف!

ويقول اديبنا الكبير يحيى حقى : " فى ليلة الرؤية، وهلالها ليس كبقية الأهلّة، يظهر خطفًا لا ليضيء، بل ليومِئَ ثم يغيب، لا أُخْلِيه من ميل للدلال والمعابثة، شَأْنَ كُلِّ مَزْهُوٍّ بجماله رغم جلاله، يتجه ذهنى بود وحنان إلى صديق، أمثاله من حولى كثيرون، وأقول فى سرى : " تباركت يا شهر الصيام، ما أقوى سحرك ! وما أكبر حزبك ! "، تمر على هذا الصديق مواقيت الصلوات الخمس، فلا يعرف له يومُه ركوعًا وسجودًا، الماء عنده للاستحمام لا للوضوء " وساعته ماشية إفرنجى لا عربى، إنه مُضْرِبٌ عن الصلاة، حتى يوم الجمعة " !

ويحذر يحيى حقى من تفسيرسلوك صديقه على غير حقيقته قائلًا : " حَذَارِ أن تظن أنه رجلٌ كافِرٌ، أو أنه رجُلٌ سافِلٌ، بالعكس، هو رجل طيب جدًا، بل إنه يقول لك بلهجة الواثق : " بينى وبين الله عمار، الدين عندى أن لا أؤذى أحدًا بفعل أو قول "!! ما أعجب التحول الذى يطرأ عليه حين يَهِلُّ الهلال، كأن إيمانَهُ على موعد مع رِعْشَةٍ خفية تشمل قلبَهُ وتهيج كل أشواقه، أَتَأَمَّلُهُ فأحسبه رجلًا آخر، ليس هذا صديقى الذى أعرف، فصديقى يصوم رمضان كل عام منذ أن كان فى سن الثامنة، لا يخجل من إغفال الصلاة، ولكنه يخجل كُلَّ الخجل من إغفال الصيام !!
 

« كنوز »
 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة