رجائى عطية
رجائى عطية


مدارات

نظرة إلى المحيط

رجائي عطية

الجمعة، 23 أبريل 2021 - 07:30 م

 

لا شك توجد فوارق فى الرؤية والمعرفة بين كتلة الآدمييـن وبيـن العلمـاء، ومع ذلك فإنه يجب أن تبقى هذه « الفوارق » فى حدود نسب معقولة تسمح بوجود علاقات فعلية وتواصل وتعامل دائم بين الناس وبين العلماء، تتيح لمن تسمح ظروفه ويتسع أمله ـ أن يزيد اقترابه من أهل العلم.. وتجعل لأهل العلم نصيبًا واضحًا معترفًا به من الجماعة فى توجيههـا أو خدمتها. 
ذلك أنه إذا اتسعت الفوارق فى الرؤية والمعرفة، اتساعًا غير معقول، أدى ذلـك إلـى «عزلة» كل فريق عن الآخر عزلاً تامًّا، فتنصرف كتلة الناس إلى مصالحها، وتنحصر فى سطحية ما تمدها به الصناعة والتجارة من آلات  وأجهزة أفرزتها التكنولوجيا المستندة لاكتشافات العلماء. 
هذا معناه أن تتعرض الكتلة العامة لمخاطر مادية ومعنوية بالغة، بأن تألف عدم الاتصال بالعلم إلاّ عن طريق منتجات المصنع أو سلع المتجر، وأن لا ترى العلماء إلاّ أشباحًا خلف الشركات الصناعية والتجارية لخدمتها!
ومن شأن هذه العزلة أيضًا، أن ينصرف العلماء إلى الاعتكاف والتفرغ لدراساتهم ومختبراتهم و السعى الدائم لتمويل ذلك وكفالة بقائه واستمراره بمعونات المؤسسات وكبار رجال المال ومنح الحكومات والجامعات، فتتقطع الصلات ويتوارى فهم هذه النخبة للكتلة العامة! 
ربما ساهم فى هذه العزلة صعوبة المعادلات الرياضية والعلمية التى لا يفهمها العاديون، وضن العلماء المصريون القدماء بمعارفهم على العامة، ترفعًا أو اعتقادًا بأنه يكفى الجمهور ما معه من معتقدات وأفكار ليعيش بها فى راحة وسلام. وقد رأينا شيئًا من ذلك فى بخل فلاسفة الإغريق الأولين بآرائهم على العامة، وهو ما فعله أيضًا كبار الصوفيين المسلمين حين احتفظوا لأنفسهم وخاصتهم برموزهم وأفكارهم الخاصـة خوفًـا عليها مـن «خلط» جماعات المريدين .. 
وهذه المواقف بغض النظر عن عللها، لم تنقذ علم علماء المصريين من الاندثار الذى صاحبه إغراق كتلة المصريين فى الخرافات والفتن المبنية عليها، كما لم تنقذ فلسفة الإغريق الأولين من النسيان مع تدهور العامة وأساطيرها وناسها واختلافاتها وحروبها، وهو الموقف الذى لم ينقذ آراء كبار الصوفيين من الضياع مع ضياع منزلة جماهير الصوفية فى الأراجيف والخزعبلات والمستحيلات !
ثم إن العلماء فى عصرنا قوم متخصصون فى موضوعاتهم.. لا يمتد تخصصهم فيها إلى سواها، فهم يمارسونها كما يمارسها جمهور الناس،  وربما بذات الاقتصاد فى المجهود والمال وفى كل ما لا يعود باللذة أو المنفعة أو المصلحة العاجلة أو الآجـلة !   
أما التعليم الآن، وبالذات الجامعى فى بلادنا، فقد انحصرت غايته الرئيسية فى التأهيل لمهنة أو منصب يكون محل احترام ومصدر وجاهة ودخل معقول، ولم يعد من غايات التعليم فى بلادنا ـ التأهيل لإيجاد علماء، فصار إيجاد العالم متروكا للمصادفات القليلة التى تهيئها موهبة خاصة أو تتيحها بعثة خارجية حيث يهتمون بإيجاد العلماء . 
لا جدال فى أن الشهادات العالية تزيد فرص المناصب، ولكنها لا تغنى عن الموهبة اللازمة للعالم، ولذلك نرى كثيرين من حملة هذه الشهادات يمضون أعمارهم فى مراصد ومعامل ومختبرات، دون أن يوجد بينهم عالم واحد ينخرط حقيقة فى سلك العلماء . 
على أن العالم الموهوب، والمتعلم حامل الشهادة، أو بلا شهادة، وغير المتعلم ـ هم جميعًا آدميون كسائر الآدميين، لا يرون إلاّ بعيون وطبيعة الآدمى، ومن خلال أغراضه ومصالحه حين تتصل الرؤية بمصالحه وأغراضه، فما نحن كلنا إلاّ ثمرات فى تلك الشجرة العجوز التى تتساقط مفردات ثمارها مع الأيام ثمرة وراء ثمرة! 
من هنا تبدو أهمية العناية بالمحيط فهو الوحيد الدائم، ويبقى هذا المحيط بخير، قادرًا على التجدد والعطاء، ما بقيت الفوارق بين عامته وعلمائه ومتميزيه فى حدود النسب المعقولة وتحقق للمجموع العام فرصًا أوسع فى النماء والازدهار  بعامته وخاصته على السواء!

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة