صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


قصة 30 ساعة من التسجيلات النادرة للشيخ محمد رفعت تنتظر الخروج للنور

بوابة أخبار اليوم

الإثنين، 26 أبريل 2021 - 04:15 ص


هو ذات الصوت الذي جعل الأقباط يطالبون بإعادة صاحبه إلى قراءة القرآن فى الإذاعة حين تم منعه منها لأنهم يحبون الاستماع إلى سورة «مريم» بصوته.

هو خير من رتل القرآن وخير من تلاه في زماننا وإلى أن يشاء الله، كان هذا هو رأى الشيخ المراغي شيخ الأزهر الأسبق فى الشيخ محمد رفعت «قيثارة السماء».

فى 9 مايو سنة 1882، لحظة أذان الظهر، بدرب الأغوات بحى المغربلين بالقاهرة، ولد الشيخ محمد رفعت ابن محمود رفعت ابن محمد رفعت، فكان اسمه واسم أبيه وجده كلها مركبة.


وبدأ حفظ القرآن في سن الخامسة، عندما أدخله والده كُتّاب بشتاك الملحق بمسجد فاضل باشا، بدرب الجماميز بالسيدة زينب، وكان معلمه الأول الشيخ محمد حميدة، وأكمل القرآن حفظاً ومجموعة من الأحاديث النبوية، بعد ست سنوات شعر شيخه أنه مميز، وبدأ يرشحه لإحياء الليالى فى الأماكن المجاورة القريبة، إلا أنه اصطفاه ربه ليبتليه بفقدان البصر إلا أنه أصبح من المصطفين الأخيار.


درس علم القراءات والتجويد لمدة عامين على يد الشيخ عبدالفتاح هنيدي، صاحب أعلى سند في وقته ونال إجازته، توفي والده محمود رفعت، والذي كان يعمل مأمورًا بقسم شرطة الجمالية، وهو في التاسعة من عمره، فوجد الطفل اليتيم نفسه، مسؤولاً عن أسرته المؤلفة من والدته وخالته وأخته وأخيه، وأصبح عائلهم الوحيد بعد أن كانت النية متجهة إلى إلحاقه للدراسة في الأزهر وسنة أربعة عشر عاماً، يحيى بعض الليالى فى القاهرة بترتيل القرآن الكريم، وبعدها صار يدعى لترتيل القرآن فى الأقاليم.


وتولى القراءة بمسجد فاضل باشا بحى السيدة زينب سنة 1918م، وعين قارئًا للسورة ولديه خمس عشرة سنة، فبلغ شهرة ونال محبة الناس، وحرص النحاس باشا والملك فاروق على سماعه، واستمر يقرأ في المسجد حتى اعتزاله، من باب الوفاء للمسجد الذى شهد ميلاده فى عالم القراءة منذ الصغر.


وافتتح الشيخ رفعت بث الإذاعة المصرية سنة 1934م، بعد أن استفتى شيخ الأزهر محمد الأحمدي الظواهري، عن جواز إذاعة القرآن الكريم، فأفتى له بجواز ذلك، فافتتحها بآية من أول سورة الفتح «إنا فتحنا لك فتحا مبينا»، ولما سمعت الإذاعة البريطانية «بى بى سى» العربية، صوته أرسلت إليه وطلبت منه تسجيل القرآن، فرفض ظناً منه أنه حرام لأنهم غير مسلمين، فاستفتى الإمام المراغى، فشرح له الأمر وأخبره بأنه غير حرام، فسجل لهم سورة مريم.


كان زاهدًا صوفي النزعة، نقشبندي الطريقة، يميل للناس الفقراء البسطاء أكثر من مخالطة الأغنياء، فقد أحيا يومًا مناسبة لجارته الفقيرة مفضلاً إياها على الذهاب لإحياء الذكرى السنوية لوفاة الملك فؤاد والد الملك فاروق، وكان بكّاءً تبل دموعه خديه في أثناء تلاوته حتى أنه إنهار مرة وهو في الصلاة عندما كان يؤم المصلين يتلو آية فيها موقف من مواقف عذاب الآخرة.


محمد رفعت من أعظم الأصوات التي قرأت القرآن الكريم في القرن العشرين، فقد استطاع بصوته الخاشع العذب أن يغزو القلوب والوجدان، فصوته يفسر الآيات بأسلوب يجمع بين الخشوع وقوة التأثير، فوضع لنفسه أسلوبًا فريداً في التلاوة، من الصعب تجاوزه أو تخطيه.


وعند افتتاح الإذاعة المصرية في 31 مايو عام 1934، رشح البرنس محمد علي توفيق «ولي عهد الديار المصرية» الشيخ محمد رفعت لافتتاح الإذاعة المصرية عبر قراءة آيات بينات من الذكر الحكيم، تردد الشيخ رفعت كثيرًا عندما عُرض عليه الأمر، فخشي ألا يُعطي الناس لتلاوة القرآن حقها من الإنصات والجلال، فاستفتى شيخ الأزهر الأحمدي الظواهري عن جواز إذاعة القرآن الكريم فأفتى له بجواز ذلك، فكان أول قارئ للقرآن الكريم في الإذاعة المصرية.


وما إن أعلن الفنان أحمد سالم عن انطلاق البث اللاسلكي للإذاعة من خلال مقولته الشهيرة «هنا القاهرة»، حتى افتتح البث الإذاعى بصوت الشيخ محمد رفعت لآيات من سورة الفتح «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ»، وبهذا قد وضع الشيخ رفعت تقليدًا لا يزال معمولًا به في الإذاعة حتى يومنا هذا، إذ يبدأ بث الإذاعات بآيات من القرآن الكريم.


بعد أكثر من سبعين عاماً على وفاة الشيخ فجرت هناء حسين رفعت حفيدة الشيخ محمد رفعت مفاجأة سارة لمحبى الشيخ فقد أفرج أحد عشاق الشيخ عن كمية كبيرة من التسجيلات الصوتية الخاصة بالشيخ على أسطوانات (الفونوغراف) القديمة بعد أن تواصل مع العائلة، وقام بتسليمهم ذلك الكنز الصوتي منذ فترة، والذي يتضمن تسجيلات للقرآن الكريم بصوت الشيخ رفعت، وقامت «العائلة بترميم تلك الأسطوانات طوال عامين، منذ تسلمهم للتسجيلات فى أحد الاستوديوهات، ونجحت الترميمات فى إعادة التسجيلات لحالتها الأصلية».. ونعتقد أن المسلمين فى جميع بقاع الأرض يحترقون شوقاً لسماع تسجيلات جديدة للشيخ الجليل».


الشيخ رفعت تلى القرآن على الهواء في وقت لم تكن التسجيلات الإذاعية منتشرة فيه، ومن ثم لم يسجل له في الإذاعة إلا 3 تلاوات أما باقي تسجيلاته كانت جميعها تقريبًا من تسجيل أحد أكبر محبيه وهو زكريا باشا مهران أحد أعيان مركز القوصية في أسيوط وعضو مجلس الشيوخ المصري، والذي يعود له الفضل في حفظ تراث الشيخ رفعت الذي نسمعه حالياً، وكان يحب الشيخ رفعت دون أن يلتقي به، وحرص على تسجيل حفلاته التي كانت تذيعها الإذاعة المصرية على الهواء واشترى لذلك اثنين من أجهزة الجرامافون من ألمانيا، وعندما علم بمرض الشيخ رفعت أسرع إلى الإذاعة حاملًا إحدى هذه الأسطوانات، وطلب من مسئولي الإذاعة عمل معاش للشيخ رفعت مدى الحياة، وبالفعل خصصت الإذاعة مبلغ 10 جنيهات معاش شهرى للشيخ رفعت، ولكن الشيخ توفي قبل أن يتسلمه، وتبرعت عائلة زكريا باشا بالأسطوانات لكي تنشر وقد حصل عليها ورثة الشيخ محمد رفعت بعد وفاة زكريا باشا مهران عن طريق زوجته «زينب هانم مبارك›› فلولا هذه التسجيلات لفقد تراثه إلا من 3 تسجيلات تحتفظ بها الإذاعة، ولم تكن لتلك الأسطوانات أثرها في حياة الشيخ فقط بل «زكريا باشا›› المحب الذي سجل دون معرفة شخصية أو رؤية بـ«رفعت››، وقالت زوجة زكريا باشا: برغم نشاطات زوجي زكريا باشا نوران في الاقتصاد والمحاماة والسياسة والتأليف إلا أن اسمه لم يذكر إلا مقرونًا بأنه الذي سجل مجموعة من التسجيلات للشيخ محمد رفعت.


فارق الشيخ الحياة في نفس شهر مولده بمايو عام 1950م وكان حلمه أن يُدفن بجوار مسجد السيدة نفيسة، حتى تقرر منحه قطعة أرض، بجوار المسجد فقام ببناء مدفنه عليه. 


اقرأ أيضا| ما الحكم فيمن مات وعليه صوم؟.. «الإفتاء» تجيب

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة