أسامة‭ ‬فاروق
أسامة‭ ‬فاروق


محمد جمال: «طيران» ليست عن الثورة

الرواية الثانية للفائز بجائزة أخبار الأدب

أخبار الأدب

الثلاثاء، 27 أبريل 2021 - 11:13 ص

 

حوار‭:‬أسامة‭ ‬فاروق

بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الالتصاق‭ ‬بالأرض‭ ‬صار‭ ‬للسكندريين‭ ‬فجأة‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬الطيران‭! ‬وككل‭ ‬جديد‭ ‬كان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬بحث‭ ‬الأمر‭ ‬لتقنينه،‭ ‬فالطيران‭ ‬حرية‭ ‬بلا‭ ‬حد،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬السكوت‭ ‬عليه‭ ‬أو‭ ‬تمريره‭ ‬بسهولة‭. ‬بين‭ ‬محاولات‭ ‬فرض‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‭ ‬ومحاولات‭ ‬السيطرة‭ ‬تمضى‭ ‬أحداث‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬طيران‮»‬‭ ‬الرواية‭ ‬الثانية‭ ‬لمحمد‭ ‬جمال‭ ‬أو‭ ‬محمد‭ ‬أ‭. ‬جمال‭ ‬كما‭ ‬أصبح‭ ‬يميز‭ ‬نفسه‭.‬

ولد‭ ‬جمال‭ ‬فى‭ ‬الإسكندرية‭ ‬قبل‭ ‬29‭ ‬عاما،‭ ‬درس‭ ‬الهندسة‭ ‬الكهربية‭ ‬ولم‭ ‬يعمل‭ ‬بها،‭ ‬وبدأ‭ ‬الكتابة‭ ‬بروايته‭ ‬الأولى‭ ‬‮«‬كتاب‭ ‬خيبة‭ ‬الأمل‮»‬‭ ‬التى‭ ‬تزامنت‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬دراسته‭ ‬الجامعية‭ ‬وفاز‭ ‬بها‭ ‬بجائزة‭ ‬أخبار‭ ‬الأدب‭ ‬عام‭ ‬2017‭. ‬واجه‭ ‬صعوبات‭ ‬كثيرة‭ ‬لنشر‭ ‬روايته‭ ‬الأولى،‭ ‬أصابته‭ ‬‮«‬خيبة‭ ‬أمل‮»‬‭ ‬كبيرة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬أنه‭ ‬قرر‭ ‬إتاحتها‭ ‬مجانا‭ ‬على‭ ‬الإنترنت،‭ ‬ربما‭ ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬ظهور‭ ‬روايته‭ ‬الثانية‭ ‬رغم‭ ‬عدم‭ ‬نشر‭ ‬الأولى‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬مفاجأة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭. ‬

عندما‭ ‬طلبت‭ ‬منه‭ ‬إجراء‭ ‬حوار‭ ‬أصر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أقرأ‭ ‬روايته‭ ‬الأولى‭ ‬وكنت‭ ‬قد‭ ‬حمّلتها‭ ‬بالفعل،‭ ‬وكلما‭ ‬توغلت‭ ‬فيها‭ ‬أصبحت‭ ‬أكثر‭ ‬فهما‭ ‬لرغبته،‭ ‬فربما‭ ‬أراد‭ ‬إعطاء‭ ‬فرصة‭ ‬لهذا‭ ‬النص‭ ‬لتقديم‭ ‬صاحبه،‭ ‬ليس‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬اعتراف‭ ‬أو‭ ‬تعاطف‭ ‬أو‭ ‬ثناء‭ ‬مستحق‭ ‬لكن‭ ‬لمعرفة‭ ‬ما‭ ‬بذل‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬جهد،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أنه‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬توظيف‭ ‬قدراته‭ ‬بشكل‭ ‬جعل‭ ‬النص‭ ‬يخرج‭ ‬بشكل‭ ‬متقن‭ ‬يتنافى‭ ‬أحيانا‭ ‬مع‭ ‬كونه‭ ‬العمل‭ ‬الأول،‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬يتيح‭ ‬معرفة‭ ‬كاتبه‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬على‭ ‬قارئ‭ ‬جديد،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬النص‭ ‬لا‭ ‬يفتقر‭ ‬للقراء‭ ‬رغم‭ ‬عدم‭ ‬الإتاحة‭!‬

لحسن‭ ‬الحظ‭ ‬لم‭ ‬ينتظر‭ ‬جمال‭ ‬تحديد‭ ‬مصير‭ ‬العمل‭ ‬الأول‭ ‬ليبدأ‭ ‬فى‭ ‬الثانى،‭ ‬فربما‭ ‬كان‭ ‬يوقفه‭ ‬إحباط‭ ‬تأخر‭ ‬النشر،‭ ‬إذ‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬بدأ‭ ‬كتابة‭ ‬‮«‬طيران‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أنهى‭ ‬روايته‭ ‬الأولى‭ ‬مباشرة،‭ ‬بالتحديد‭ ‬فى‭ ‬2016،‭ ‬اعتبرها‭ ‬تمرينا‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬الكتابة‭ ‬‮«‬كنت‭ ‬قد‭ ‬أنهيت‭ ‬لتوى‭ ‬قراءة‭ ‬انقطاعات‭ ‬الموت‭ ‬لساراماجو‭ ‬وهزت‭ ‬كياني،‭ ‬قررت‭ ‬محاولة‭ ‬محاكاتها‭ ‬مع‭ ‬لعبة‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬شبيهة،‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬صار‭ ‬للسكندريين‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الطيران‭ ‬مثلًا؟‭ ‬بالطبع‭ ‬فشلت‭ ‬فى‭ ‬محاكاة‭ ‬ساراماجو،‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬شخص‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬محاكاة‭ ‬ساراماجو،‭ ‬فتوقفت‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬بسرعة،‭ ‬لكن‭ ‬الفكرة‭ ‬كانت‭ ‬شغلتني‮»‬‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الرواية‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬عند‭ ‬تلك‭ ‬الفرضية‭ ‬فقط،‭ ‬هناك‭ ‬شخصيات‭ ‬عديدة‭ ‬ترسم‭ ‬على‭ ‬مهل‭ ‬وتتشكل‭ ‬بعناية،‭ ‬ونوارس‭ ‬تعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬العالم‭ ‬أو‭ ‬تخلقه‭ ‬من‭ ‬الأساس،‭ ‬وقصص‭ ‬متعددة‭ ‬ربما‭ ‬كانت‭ ‬نواة‭ ‬لشىء‭ ‬مختلف،‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬يؤكد‭ ‬إنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يملك‭ ‬أدنى‭ ‬فكرة‭ ‬عن‭ ‬الشكل‭ ‬الذى‭ ‬ستؤول‭ ‬له‭ ‬الأحداث‭ ‬طوال‭ ‬كتابة‭ ‬المسودة‭ ‬الأولى‭ ‬‮«‬لم‭ ‬تكن‭ ‬إلا‭ ‬محاولة‭ ‬تخيل‭ ‬أشخاص‭ ‬عاديين‭ ‬من‭ ‬مجتمع‭ ‬المدينة،‭ ‬وتخيل‭ ‬كيف‭ ‬سيكون‭ ‬رد‭ ‬فعلهم‭ ‬أمام‭ ‬معجزة‭ ‬كتلك‭. ‬المسودة‭ ‬الأولى‭ ‬كانت‭ ‬بالكامل‭ ‬مشاهد‭ ‬منفصلة‭ ‬بلا‭ ‬أى‭ ‬علاقة‭ ‬ببعضها،‭ ‬وكنت‭ ‬شبه‭ ‬متيقن‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تصلح‭ ‬لشيء‭. ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬المسودة‭ ‬الثانية‭ ‬استطعت‭ ‬رؤية‭ ‬خيوط‭ ‬تربط‭ ‬بعض‭ ‬الأشياء‭ ‬ببعضها،‭ ‬وفى‭ ‬الثالثة‭ ‬أهملت‭ ‬مشاهد‭ ‬وأشخاص‭ ‬مقابل‭ ‬مشاهد‭ ‬وأشخاص‭ ‬أخرى،‭ ‬وهكذا‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬خمسة‭ ‬أعوام‭ ‬من‭ ‬اليأس‭ ‬والمحاولة‭ ‬والفشل‭ ‬والتكرار،‭ ‬صارت‭ ‬إلى‭ ‬شكلها‭ ‬الحالي‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬النوارس‭ ‬نواة‭ ‬لأى‭ ‬شيء‭ ‬فى‭ ‬الواقع،‭ ‬مشهد‭ ‬محاولة‭ ‬انتحار‭ ‬شيرى‭ ‬الفاشلة‭ ‬وما‭ ‬ترتب‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬قادنى‭ ‬للنوارس‭ ‬لا‭ ‬العكس‮»‬‭.‬

الخيوط‭ ‬المتقاطعة‭ ‬تلتقى‭ ‬لتكون‭ ‬سردية‭ ‬متماسكة‭ ‬عن‭ ‬الرفض‭ ‬والإذعان‭ ‬والثورات‭ ‬الفاشلة،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬يرفض‭ ‬جمال‭ ‬التأويل‭ ‬السياسى‭ ‬للرواية،‭ ‬أو‭ ‬لعله‭ ‬يرفض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬التأويل‭ ‬الوحيد،‭ ‬خصوصا‭ ‬وأن‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬فى‭ ‬الكتابة‭ ‬عن‭ ‬الثورة‭ ‬فى‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬كانت‭ ‬واضحة‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬بطله‭ ‬فى‭ ‬روايته‭ ‬الأولى،‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬ضد‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬بشكل‭ ‬قاطع،‭ ‬لكنها‭ ‬وجدت‭ ‬طريقها‭ ‬فى‭ ‬‮«‬طيران‮»‬‭ ‬على‭ ‬أى‭ ‬حال‭ ‬رغم‭ ‬محاولات‭ ‬التمويه،‭ ‬فتبدأ‭ ‬الأحداث‭ ‬مثلا‭ ‬عام‭ ‬2005‭ ‬بدلا‭ ‬من2011‭ ‬وتستخدم‭ ‬المدونات‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الفيس‭ ‬بوك‭ ‬وهكذا‭. ‬أسأله‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬قد‭ ‬تغيرت،‭ ‬أم‭ ‬أنه‭ ‬فقط‭ ‬وجد‭ ‬المدخل‭ ‬والحيلة‭ ‬الفنية‭ ‬التى‭ ‬تتيح‭ ‬له‭ ‬ذلك،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬مرت‭ ‬الفترة‭ ‬الزمنية‭ ‬الكافية‭ ‬التى‭ ‬تتيح‭ ‬رؤية‭ ‬الموقف‭ ‬كاملا‭ ‬وتكوين‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬تصلح‭ ‬للتسجيل؟‭ ‬

ويجيب‭: ‬فى‭ ‬المطلق،‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الوقت‭ ‬حان‭ ‬للكتابة‭ ‬عن‭ ‬الثورة،‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬عاشها،‭ ‬ونجا‭ ‬منها‭ ‬ومن‭ ‬توابعها،‭ ‬نضج‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬وصار‭ ‬عند‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬نظرة‭ ‬فيها‭ ‬شيء‭ ‬يصلح‭ ‬كنواة‭ ‬لعمل‭ ‬فني،‭ ‬‮«‬جوائز‭ ‬للأبطال‮»‬‭ ‬لأحمد‭ ‬عونى‭ ‬فى‭ ‬رأيى‭ ‬كانت‭ ‬أول‭ ‬رواية‭ ‬تقنعنى‭ ‬بذلك‭. ‬

لكن‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬‮«‬طيران‮»‬،‭ ‬فهذه‭ ‬ليست‭ ‬رواية‭ ‬عن‭ ‬الثورة،‭ ‬هذه‭ ‬رواية‭ ‬عن‭ ‬ناس‭ ‬تطير‭ ‬فى‭ ‬الشارع،‭ ‬لا‭ ‬رمز‭ ‬هنا‭ ‬ولا‭ ‬مجاز،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬لم‭ ‬أضع‭ ‬أيهما‭ ‬بشكل‭ ‬واع‭. ‬يقول‭ ‬كبار‭ ‬صنعتنا‭ ‬أن‭ ‬هواجس‭ ‬الكاتب‭ ‬ستنعكس‭ ‬على‭ ‬كتابته‭ ‬مهما‭ ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬يتجنبها،‭ ‬ربما‭ ‬حدث‭ ‬ذلك‭ ‬هنا،‭ ‬لكن‭ ‬على‭ ‬أى‭ ‬حال‭ ‬لم‭ ‬أقصد‭ ‬ذلك‭ ‬ولا‭ ‬أستطيع‭ ‬تأكيد‭ ‬حدوثه‭. ‬أنا‭ ‬كتبت‭ (‬ذات‭ ‬يوم،‭ ‬صار‭ ‬لدى‭ ‬السكندريين‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الطيران‭....). ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تلا‭ ‬ذلك‭ ‬جاء‭ ‬نتيجة‭ ‬لبحثى‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬تلك‭ ‬الحكاية،‭ ‬لا‭ ‬عن‭ ‬حكايتى‭ ‬ولا‭ ‬حكايتنا‭. ‬

‭-‬بالحديث‭ ‬عن‭ ‬أحمد‭ ‬عونى،‭ ‬كلمة‭ ‬الشكر‭ ‬فى‭ ‬نهاية‭ ‬العمل‭ ‬له‭ ‬ولآخرين‭ ‬تقول‭ ‬إنك‭ ‬تتقبل‭ ‬التعديلات‭ ‬ووجهات‭ ‬النظر‭ ‬فى‭ ‬مسودات‭ ‬أعمالك‭. ‬لكن‭ ‬إلى‭ ‬أى‭ ‬حد‭ ‬تقبل‭ ‬التدخل‭ ‬فى‭ ‬العمل؟

التحرير‭ ‬عملية‭ ‬مهمة‭ ‬جدًا‭ ‬فى‭ ‬الكتابة،‭ ‬روائية‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭. ‬لكن‭ ‬شرطه‭ ‬الأهم‭ ‬بالنسبة‭ ‬لى‭ ‬هو‭ ‬الرغبة‭ ‬المشتركة‭ ‬من‭ ‬أطراف‭ ‬العمل،‭ ‬الكاتب‭ ‬والمحرر‭ ‬والناشر،‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬أفضل‭ ‬شكل‭ ‬ممكن‭ ‬للناتج‭. ‬لا‭ ‬أقبل‭ ‬بتحرير‭ ‬يطلب‭ ‬منى‭ ‬قص‭ ‬100‭ ‬صفحة‭ ‬حتى‭ ‬يلائم‭ ‬العمل‭ ‬النشر،‭ ‬لكن‭ ‬أقبل‭ ‬بتحرير‭ ‬يطلب‭ ‬منى‭ ‬قص‭ ‬200‭ ‬صفحة‭ ‬إن‭ ‬أقنعنى‭ ‬المحرر‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬يجعل‭ ‬الحكاية‭ ‬أفضل،‭ ‬وأنا‭ ‬شخص‭ ‬قابل‭ ‬للإقناع‭ ‬طالما‭ ‬حجتك‭ ‬سليمة‭. ‬لا‭ ‬أدرى‭ ‬فى‭ ‬الحقيقة‭ ‬ما‭ ‬هى‭ ‬حدود‭ ‬قبول‭ ‬تدخل‭ ‬المحرر‭ ‬فى‭ ‬عملي،‭ ‬تجربتى‭ ‬التحريرية‭ ‬الوحيدة‭ ‬مع‭ ‬أحمد‭ ‬عونى‭ ‬كانت‭ ‬غنية‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تمس‭ ‬قلب‭ ‬الحكاية،‭ ‬بل‭ ‬أسفرت‭ ‬المناقشات‭ ‬عن‭ ‬تشذيب‭ ‬مسارها‭ ‬ليصبح‭ ‬أقل‭ ‬تشتتًا‭ ‬ويصل‭ ‬إلى‭ ‬هدفه،‭ ‬هدف‭ ‬الرواية‭ ‬الأصلي،‭ ‬مباشرة‭. ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬سأقبل‭ ‬بمحرر‭ ‬يحاول‭ ‬إقناعى‭ ‬بتغيير‭ ‬مسارى‭ ‬برمته‭.‬

لكن‭ ‬مثلما‭ ‬قلت،‭ ‬حجة‭ ‬سليمة‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬نية‭ ‬واضحة‭ ‬لتحسين‭ ‬العمل،‭ ‬لن‭ ‬أستطيع‭ ‬مجادلتها‭ ‬طويلًا‭.‬

‭-‬هذا‭ ‬يدفعنى‭ ‬لسؤالك‭ ‬كيف‭ ‬تكتب؟‭ ‬هل‭ ‬تكتب‭ ‬نصوصك‭ ‬كدفقة‭ ‬واحدة‭ ‬أم‭ ‬يتطلب‭ ‬الأمر‭ ‬تحضيرا‭ ‬ما‭. ‬

كلمة‭ ‬فكلمة،‭ ‬صفحة‭ ‬فصفحة،‭ ‬مسودة‭ ‬فمسودة‭.‬

المسودة‭ ‬الأولى‭ ‬دومًا‭ ‬هزيلة‭ ‬كهيكل‭ ‬عظمي،‭ ‬شديدة‭ ‬السوء‭ ‬وتفتقر‭ ‬إلى‭ ‬المنطق‭ ‬والمعنى‭ ‬والمتعة‭. ‬أكره‭ ‬نفسى‭ ‬وصنعتى‭ ‬وحياتى‭ ‬خلالها‭ ‬وبعدها‭ ‬وأفكر‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ ‬فى‭ ‬التخلى‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬والبكاء‭ ‬حتى‭ ‬الموت‭. ‬بعد‭ ‬انتهائها،‭ ‬ومرور‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬عليها‭ ‬أضعها‭ ‬فى‭ ‬الدرج‭ ‬حتى‭ ‬أنساها‭. ‬ثم‭ ‬أبحث‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬خيط‭ ‬الحكاية،‭ ‬عن‭ ‬الشخصيات‭ ‬التى‭ ‬تصلح‭ ‬للتطوير‭ ‬والمشاهد‭ ‬التى‭ ‬لم‭ ‬تتضرر‭ ‬عينى‭ ‬من‭ ‬رؤيتها‭. ‬حينها‭ ‬أبدأ‭ ‬فى‭ ‬المسودة‭ ‬الثانية،‭ ‬أبحث‭ ‬عن‭ ‬الصوت‭ ‬المناسب‭ ‬لحكاية‭ ‬تلك‭ ‬الحكاية،‭ ‬وأسمح‭ ‬لنفسى‭ ‬بكل‭ ‬أنواع‭ ‬المبالغات‭ ‬والاستعراضات‭ ‬مهما‭ ‬بدت‭ ‬مبتذلة‭ ‬ساذجة،‭ ‬فلو‭ ‬كانت‭ ‬المسودة‭ ‬الأولى‭ ‬40‭ ‬ألف‭ ‬كلمة‭ ‬فالثانية‭ ‬80‭ ‬ألفًا‭. ‬يبلغ‭ ‬منى‭ ‬الغرور‭ ‬مبلغه‭ ‬مع‭ ‬المسودة‭ ‬الثانية‭ ‬حتى‭ ‬أكاد‭ ‬أتصل‭ ‬بلجنة‭ ‬نوبل‭ ‬وأبلغهم‭ ‬بعنوانى‭ ‬بالتفصيل‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتوه‭ ‬عامل‭ ‬توصيل‭ ‬الجائزة‭. ‬الهدوء‭ ‬والتروى‭ ‬يكون‭ ‬عادة‭ ‬فى‭ ‬الثالثة،‭ ‬عندما‭ ‬أقرأ‭ ‬الثانية‭ ‬بقلم‭ ‬أحمر،‭ ‬لا‭ ‬غرور‭ ‬ولا‭ ‬إحباط‭ ‬هنا‭. ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القراءة‭ ‬هى‭ ‬التى‭ ‬تحدد‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬بين‭ ‬يدى‭ ‬كتاب‭ ‬فعلًا‭ ‬أم‭ ‬لا‭. ‬تتراوح‭ ‬المسودة‭ ‬الثالثة‭ ‬بين‭ ‬إعادة‭ ‬الكتابة‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬وبين‭ ‬تحرير‭ ‬النص‭ ‬السابق‭ ‬وترميمه‭. ‬قد‭ ‬أحتاج‭ ‬لمسودات‭ ‬أخرى‭ ‬بعد‭ ‬الثالثة‭ ‬لكن‭ ‬العمل‭ ‬يكون‭ ‬شبه‭ ‬منته‭ ‬حينها‭.‬

‭-‬تعتمد‭ ‬كثيرا‭ ‬على‭ ‬كتابة‭ ‬المشهد‭ ‬السينمائي،‭ ‬إلى‭ ‬أى‭ ‬حد‭ ‬يفيد‭ ‬ذلك‭ ‬فى‭ ‬إيصال‭ ‬أفكارك؟

لا‭ ‬أعتمد‭ ‬على‭ ‬كتابة‭ ‬المشهد‭ ‬السينمائي،‭ ‬أعتمد‭ ‬على‭ ‬كتابة‭ ‬المشهد‭ ‬كما‭ ‬أراه،‭ ‬وكما‭ ‬أرتاح‭ ‬لقراءته‭ ‬بعد‭ ‬إعادة‭ ‬كتابته‭ ‬مرارًا‭. ‬

‭-‬أغلب‭ ‬التعليقات‭ ‬السلبية‭ ‬عن‭ ‬أعمالك‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬الطول‭ ‬والألفاظ‭. ‬لن‭ ‬أسألك‭ ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬تفكر‭ ‬فى‭ ‬القارئ‭ ‬أم‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬سأقفز‭ ‬للاستنتاج‭ ‬بأنك‭ ‬تفكر‭ ‬فيه‭ ‬فعلا‭ ‬لأنك‭ ‬ببساطة‭ ‬تكلمه‭ ‬وتوجهه‭ ‬فى‭ ‬بدايات‭ ‬الأعمال‭ ‬وفى‭ ‬نهايتها،‭ ‬لكن‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أعرف‭ -‬إن‭ ‬كان‭ ‬استنتاجى‭ ‬صحيحا‭ ‬طبعا

‭- ‬كيف‭ ‬يؤثر‭ ‬تفكيرك‭ ‬فى‭ ‬القارئ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تكتبه‭ ‬وعلى‭ ‬ما‭ ‬سوف‭ ‬تكتبه‭ ‬بعد‭ ‬ذلك؟‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬هل‭ ‬ستفكر‭ ‬مثلا‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أعمالك‭ ‬القادمة‭ ‬أقصر‭ ‬أو‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬الألفاظ،‭ ‬‮«‬نظيفة‮»‬‭ ‬كما‭ ‬يحب‭ ‬هؤلاء‭ ‬القراء؟‭

استنتاج‭ ‬سليم،‭ ‬بالطبع‭ ‬أفكر‭ ‬فى‭ ‬القارئ،‭ ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬الأدب‭ ‬المتعالى‭ ‬الذى‭ ‬يترفع‭ ‬عن‭ ‬القراء‭.‬

لكن‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬لا‭ ‬سبيل‭ ‬لى‭ ‬بمعرفة‭ ‬ماذا‭ ‬يريد‭ ‬هذا‭ ‬القارئ،‭ ‬فلكل‭ ‬قارئ‭ ‬رؤيته‭ ‬الخاصة‭. ‬لذا‭ ‬قارئى‭ ‬هو‭ ‬أنا،‭ ‬لا‭ ‬عن‭ ‬إعجاب‭ ‬خاص‭ ‬بالذات‭ ‬ولكن‭ ‬لأنى‭ ‬الوحيد‭ ‬الذى‭ ‬أستطيع‭ ‬الدخول‭ ‬فى‭ ‬رأسه‭ ‬وتحليل‭ ‬أفكاره‭. ‬أسأل‭ ‬نفسى‭ ‬باستمرار‭: ‬هل‭ ‬كنت‭ ‬سأحب‭ ‬أن‭ ‬أقرأ‭ ‬هذا‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬كاتبه؟‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يقودنى‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬لنفس‭ ‬النقطة‭: ‬القصة‭ ‬عايزة‭ ‬إيه؟‭ ‬الحافز‭ ‬النهائى‭ ‬هو‭ ‬الإخلاص‭ ‬للحكاية‭ ‬حتى‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬أقرأها،‭ ‬وأراهن‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬القراء‭ ‬سيفعلون‭. ‬تحدثت‭ ‬مطولًا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عن‭ ‬فكرتى‭ ‬فى‭ ‬استخدام‭ ‬‮«‬الألفاظ‮»‬‭ ‬فى‭ ‬الكتابة‭ ‬بشكل‭ ‬يطول‭ ‬عن‭ ‬المجال‭ ‬هنا،‭ ‬ولا‭ ‬أحب‭ ‬أصلًا‭ ‬الإشارة‭ ‬لفكرة‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬طويل‭. ‬كتابة‭ ‬خيبة‭ ‬الأمل‭ ‬حوالى‭ ‬450‭ ‬صفحة،‭ ‬وطيران‭ ‬350‭. ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬طويلة‭ ‬فعلًا‭ ‬لمن‭ ‬لم‭ ‬يقرأ‭ ‬فى‭ ‬حياته‭ ‬سوى‭ ‬كتابين‭.‬

أعمالى‭ ‬القادمة،‭ ‬إن‭ ‬وجدت،‭ ‬ستكون‭ ‬محاولة‭ ‬أخرى‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬حكاية‭ ‬جيدة،‭ ‬سواء‭ ‬طويلة‭ ‬أو‭ ‬قصيرة،‭ ‬نظيفة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬ذلك،‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬أنويه‭.‬

- ‬ما‭ ‬رأيك‭ ‬إذا‭ ‬ككاتب‭ ‬وكقارئ‭ ‬فى‭ ‬‮«‬جروبات‭ ‬القراء‮»‬‭ ‬التى‭ ‬انتشرت‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬مؤخرا؟‭ ‬هل‭ ‬للقارئ‭ ‬سلطة‭ ‬حقيقة‭ ‬فعلا؟

للقارئ‭ ‬سلطة،‭ ‬بالطبع،‭ ‬لا‭ ‬أرى‭ ‬كتابا‭ ‬ناجحا‭ ‬نقديًا‭ ‬ولم‭ ‬يحبه‭ ‬عموم‭ ‬القراء‭ ‬ناجحًا‭. ‬لكنى‭ ‬أرى‭ ‬نفس‭ ‬الشيء‭ ‬فى‭ ‬كتاب‭ ‬نجح‭ ‬جماهيريًا‭ ‬ولم‭ ‬ينجح‭ ‬نقديًا‭. ‬كلاهما‭ ‬نجح‭ ‬‮«‬نسبيًا‮»‬‭. ‬لا‭ ‬أرى‭ ‬عيبًا‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬يسعى‭ ‬كاتب‭ ‬لأحدهما‭ ‬مقابل‭ ‬الآخر‭. ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬نحن‭ ‬نكتب‭ ‬لنرضى‭ ‬الرغبة‭ ‬الداخلية‭ ‬فى‭ ‬شكل‭ ‬نجاح‭ ‬بعينه‭ ‬هو‭ ‬الأمثل‭ ‬لكل‭ ‬منا‭. ‬لو‭ ‬سنضع‭ ‬نموذجا‭ ‬مطلقا‭ ‬للنجاح،‭ ‬فهو‭ ‬حصول‭ ‬الكتاب‭ ‬على‭ ‬استحسان‭ ‬الجانبين‭ ‬بلا‭ ‬شك‭. ‬هل‭ ‬يوجد‭ ‬قارئ‭ ‬ذو‭ ‬حد‭ ‬أدنى‭ ‬من‭ ‬الحصافة‭ ‬لا‭ ‬يحب‭ ‬الحرافيش؟‭ ‬وهل‭ ‬يوجد‭ ‬ناقد‭ ‬يراها‭ ‬سيئة؟‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬تسع‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬إلا‭ ‬لو‭ ‬أردت‭ ‬قضاء‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬حياتك‭ ‬فى‭ ‬إحباط‭ ‬دائم‭.‬

‭-‬فكرة‭ ‬‮«‬الكاتب‭ ‬الناجح‮»‬‭ ‬تقودنا‭ ‬إلى‭ ‬روايتك‭ ‬الأولى‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬المبالغة‭ ‬فى‭ ‬مسألة‭ ‬الكاتب‭ ‬النجم‭ ‬الذى‭ ‬تتهافت‭ ‬عليه‭ ‬المحطات‭ ‬وتطبع‭ ‬كتبه‭ ‬الاف‭ ‬الطبعات‭. ‬هل‭ ‬كان‭ ‬فى‭ ‬ذهنك‭ ‬نموذج‭ ‬بعينه؟‭ ‬وهل‭ ‬روايات‭ ‬‮«‬البست‭ ‬سيللر‮»‬‭ ‬هى‭ ‬ما‭ ‬تطمح‭ ‬إليه‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬يقال‭ ‬عن‭ ‬حجبها‭ ‬للأدب‭ ‬الجيد؟‭ ‬

البست‭ ‬سيللر‭ ‬ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬أدب‭ ‬جيد‭ ‬لكنه‭ ‬ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬العكس‭ ‬كذلك‭. ‬ونموذج‭ ‬البست‭ ‬سيللر‭ ‬فى‭ ‬روايتى‭ ‬الأولى،‭ ‬لا‭ ‬يقصد‭ ‬نموذج‭ ‬بعينه،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬إلا‭ ‬النقيض‭ ‬المباشر‭ ‬للبطل‭ ‬الرئيسي‭. ‬

‭- ‬ما‭ ‬رويته‭ ‬فى‭ ‬عملك‭ ‬الأول‭ ‬وما‭ ‬تقوله‭ ‬الآن‭ ‬يؤكد‭ ‬إنك‭ ‬متابع‭ ‬بشكل‭ ‬جيد‭ ‬للوسط‭ ‬الثقافى‭ ‬وعالم‭ ‬النشر،‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬لك‭ ‬هذه‭ ‬الخبرة؟‭ ‬وما‭ ‬الذى‭ ‬أضافته‭ ‬لك‭ ‬تجربة‭ ‬الاشتباك‭ ‬المبكر‭ ‬مع‭ ‬مشاكل‭ ‬النشر‭. ‬وهى‭ ‬صحيح‭ ‬حالة‭ ‬تتكرر‭ ‬يوميا‭ ‬تقريبا،‭ ‬لكن‭ ‬العمل‭ ‬الذى‭ ‬فشلت‭ ‬فى‭ ‬نشره‭ ‬يحكى‭ ‬عن‭ ‬الفشل‭ ‬فى‭ ‬النشر‭ ‬وهى‭ ‬مفارقة‭ ‬كبيرة‭.. ‬

كنت‭ ‬واعيا‭ ‬حينها‭ ‬أنى‭ ‬لست‭ ‬ضحية‭ ‬ولم‭ ‬أتعرض‭ ‬لمشكلة‭ ‬استثنائية،‭ ‬هكذا‭ ‬كانت‭ ‬تجرى‭ ‬الأمور‭ ‬دومًا‭ ‬وستظل‭. ‬لذا‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬أوضح‭ ‬حينها‭ ‬أنى‭ ‬لست‭ ‬إلا‭ ‬شخصا‭ ‬سئم‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬وأراد‭ ‬أن‭ ‬يلعبها‭ ‬بطريقته،‭ ‬إليكم‭ ‬كتابى‭ ‬مجانًا‭ ‬وبلا‭ ‬وجع‭ ‬قلب‭. ‬

لست‭ ‬متابعا‭ ‬جيدا‭ ‬أو‭ ‬خبيرا‭ ‬بالوسط‭ ‬الثقافي،‭ ‬لكنى‭ ‬كنت‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬مراهقتى‭ ‬عضوًا‭ ‬فى‭ ‬منتدى‭ (‬شبكة‭ ‬روايات‭ ‬التفاعلية‭) ‬على‭ ‬الإنترنت،‭ ‬تجمع‭ ‬افتراضى‭ ‬للشباب‭ ‬المحبين‭ ‬لروايات‭ ‬مصرية‭ ‬للجيب‭. ‬خرج‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التجمع‭ ‬لاحقًا‭ ‬الكثير‭ ‬ممن‭ ‬حاولوا‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬كتابا،‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬نجح‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬فشل‭. ‬منحنى‭ ‬هذا‭ ‬نظرة‭ ‬على‭ ‬الطريقة‭ ‬التى‭ ‬تعمل‭ ‬بها‭ ‬الأشياء‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬قبل‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬أفكر‭ ‬أن‭ ‬أدلو‭ ‬بدلوى‭ ‬فى‭ ‬اللعبة‭. ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬كتاب‭ ‬خيبة‭ ‬الأمل‮»‬‭ ‬ذاتها‭ ‬توضح‭ ‬رأيى‭ ‬تجاه‭ ‬الأمر‭ ‬برمته‭.‬

‭-‬ما‭ ‬الموقف‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهذا‭ ‬العمل‭ ‬الآن؟‭ ‬هل‭ ‬ستنشره‭ ‬أم‭ ‬لا‭ ‬وإن‭ ‬نشرته‭ ‬هل‭ ‬سيكون‭ ‬بشكله‭ ‬الحالى‭ ‬أم‭ ‬ستجرى‭ ‬عليه‭ ‬تعديلات،‭ ‬لو‭ ‬أتيح‭ ‬لك‭ ‬اختصاره‭ ‬مثلا‭ ‬فى‭ ‬مقابل‭ ‬النشر‭ ‬فهل‭ ‬ستقبل؟

حينها‭ ‬وردنى‭ ‬عروض‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬ناشرين،‭ ‬منهم‭ ‬محترمون‭ ‬صادقين،‭ ‬ومنهم‭ ‬كالعادة‭ ‬غير‭ ‬كذلك‭. ‬ولأنى‭ ‬كنت‭ ‬لازلت‭ ‬غرا‭ ‬محدود‭ ‬الخبرة،‭ ‬قبلت‭ ‬بالعرض‭ ‬الأكثر‭ ‬بريقًا‭. ‬ليتضح‭ ‬أن‭ ‬صاحبه‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬الوفاء‭ ‬بوعده‭ ‬وكان‭ ‬يبحث‭ ‬فقط‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬الدعاية‭ ‬كناصر‭ ‬الغلابة‭... ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬حظرنى‭ ‬على‭ ‬فيسبوك‭ ‬لأنى‭ ‬أتفاعل‭ ‬بـ‭ ‬haha‭ ‬على‭ ‬منشوراته‭ ‬الجادة‭.‬

تلقيت‭ ‬مؤخرًا‭ ‬عرضا‭ ‬من‭ ‬دار‭ ‬نشر‭ ‬صديقة‭ ‬لنشر‭ ‬‮«‬كتاب‭ ‬خيبة‭ ‬الأمل‮»‬‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬ويجرى‭ ‬التعاون‭ ‬على‭ ‬تجهيزه‭. ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬مجالا‭ ‬لتعديله‭ ‬أو‭ ‬اختصاره‭ ‬الآن،‭ ‬فهو‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬كتابي،‭ ‬بل‭ ‬كتاب‭ ‬محمد‭ ‬جمال‭ ‬ابن‭ ‬الرابعة‭ ‬والعشرين،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬لمحمد‭ ‬أ‭. ‬جمال‭ ‬الذى‭ ‬شارف‭ ‬على‭ ‬الثلاثين‭. ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬الأصلى‭ ‬لن‭ ‬يحب‭ ‬ذلك‭ ‬وأنا‭ ‬مخلص‭ ‬لرغبته‭. ‬التعديل‭ ‬الوحيد‭ ‬سيكون‭ ‬محاولة‭ ‬تخفيف‭ ‬حدة‭ ‬بعض‭ ‬ألفاظ‭ ‬السباب‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬البطل،‭ ‬لأن‭ ‬الأعزاء‭ ‬فى‭ ‬الدار‭ ‬مهذبون‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭. ‬عادةٍ‭ ‬لا‭ ‬أقبل‭ ‬هذا،‭ ‬لكن‭ ‬بما‭ ‬أن‭ ‬النسخة‭ ‬غير‭ ‬المنقحة‭ ‬ستظل‭ ‬موجودة‭ ‬على‭ ‬الإنترنت،‭ ‬فلا‭ ‬بأس‭. ‬

‭-‬تسير‭ ‬فى‭ ‬أعمالك‭ ‬على‭ ‬درب‭ ‬زلق،‭ ‬بالتحديد‭ ‬فى‭ ‬المواقف‭ ‬الساخرة‭ ‬التى‭ ‬تتوقع‭ ‬فيها‭ ‬الضحك‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬كوميديا‭ ‬سوداء‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان،‭ ‬فإن‭ ‬لم‭ ‬تنتبه‭ ‬انزلقت‭ ‬إلى‭ ‬الخفة‭ ‬ومن‭ ‬الظرف‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الاستظراف‮»‬‭.. ‬هل‭ ‬تقلقك‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬وكيف‭ ‬تتحكم‭ ‬فيها؟‭

أنا‭ ‬دمى‭ ‬تقيل‭.‬

هذه‭ ‬حقيقة،‭ ‬كلما‭ ‬حاولت‭ ‬المزاح‭ ‬بشكل‭ ‬واع،‭ ‬أفشل‭ ‬بنجاح‭. ‬فلا‭ ‬أحاول‭ ‬أبدًا‭ ‬إثارة‭ ‬الكوميديا‭. ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬يعتبره‭ ‬القراء‭ ‬كوميديا‭ ‬فى‭ ‬كتابتى‭ ‬هو‭ ‬فى‭ ‬الواقع‭ ‬الطريقة‭ ‬التى‭ ‬أفكر‭ ‬بها،‭ ‬وأتحدث‭ ‬بها،‭ ‬وأغازل‭ ‬الفتيات‭ ‬بها‭. ‬لا‭ ‬أرى‭ ‬هذا‭ ‬مضحكًا‭ ‬وأتعجب‭ ‬عندما‭ ‬يضحك‭ ‬الناس‭. ‬لا‭ ‬أهدف‭ ‬إلى‭ ‬الإضحاك‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يضايقنى‭ ‬أبدًا‭ ‬حدوثه‭. ‬

‭-‬تدور‭ ‬أحداث‭ ‬العملين‭ ‬فى‭ ‬الإسكندرية‭ ‬هل‭ ‬تتبع‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬المنطق‭ ‬القائل‭ ‬اكتب‭ ‬عما‭ ‬تعرف‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أسبابا‭ ‬أخرى؟

الرواية‭ ‬الأولى‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬فى‭ ‬الإسكندرية،‭ ‬بالذات‭ ‬فى‭ ‬شوارع‭ ‬نشأتى‭ ‬ذاتها،‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬لى‭ ‬بجرأة‭ ‬أن‭ ‬أحكى‭ ‬عن‭ ‬غيرها‭ ‬وأنا‭ ‬لم‭ ‬أكتب‭ ‬من‭ ‬قبل؟‭ ‬الرواية‭ ‬الثانية‭ ‬حاولت‭ ‬فى‭ ‬البداية‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬فى‭ ‬مدينة‭ ‬مجهلة،‭ ‬لكن‭ ‬العلاقة‭ ‬الملتبسة‭ ‬بين‭ ‬سكان‭ ‬الإسكندرية‭ ‬‮«‬العنطزة‭ ‬الإسكندرانية‭ ‬الفارغة‭ ‬بمعنى‭ ‬أصح‮»‬‭ ‬خدمت‭ ‬الرواية‭ ‬خير‭ ‬خدمة‭. ‬وجود‭ ‬المدينة‭ ‬أو‭ ‬عدمه‭ ‬فى‭ ‬أعمالى‭ ‬المستقبلية‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬قصص‭ ‬تلك‭ ‬الأعمال‭ ‬وما‭ ‬ستقودنى‭ ‬إليه‭. ‬لا‭ ‬حيلة‭ ‬لى‭ ‬فى‭ ‬الأمر‭. ‬

‭-‬فشل‭ ‬حمدى‭ ‬فى‭ ‬تحقيق‭ ‬حلمه‭ ‬بعد‭ ‬سلسلة‭ ‬إخفاقات‭ ‬عظيمة‭ ‬تليق‭ ‬بعنوان‭ ‬خيبة‭ ‬الأمل،‭ ‬وكبل‭ ‬المواطنون‭ ‬الشرفاء‭ ‬أرجل‭ ‬سكان‭ ‬الإسكندرية‭ ‬بالأرض‭ ‬وأرغموهم‭ ‬على‭ ‬نسيان‭ ‬التحليق‭ ‬فى‭ ‬خيبة‭ ‬أمل‭ ‬متكررة‭.. ‬السوداوية‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬الروايتين‭ ‬لماذا؟‭ ‬

لا‭ ‬أحاول‭ ‬تعمد‭ ‬السوداوية،‭ ‬لكن‭ ‬مثلما‭ ‬قلت‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬هواجس‭ ‬المرء‭ ‬الداخلية‭ ‬تجد‭ ‬سبيلها‭ ‬إلى‭ ‬بين‭ ‬السطور‭ ‬مهما‭ ‬حاولنا‭ ‬العكس‭. ‬يومًا‭ ‬ما‭ ‬سأكتب‭ ‬حكاية‭ ‬عن‭ ‬بطل‭ ‬رائع‭ ‬حارب‭ ‬التنين‭ ‬وهزمه‭ ‬وأنقذ‭ ‬الأميرة،‭ ‬وعاش‭ ‬بمعجزة‭ ‬ما‭ ‬فى‭ ‬تبات‭ ‬ونبات،‭ ‬جديًا‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬أفعل،‭ ‬فقط‭ ‬لندعو‭ ‬الله‭ ‬ألا‭ ‬ترغمنى‭ ‬شياطينى‭ ‬الداخلية‭ ‬على‭ ‬العكس‭.‬

‭-‬هل‭ ‬تغيرت‭ ‬وجهة‭ ‬نظرك‭ ‬فى‭ ‬الجوائز‭ ‬بعد‭ ‬تجربة‭ ‬‮«‬خيبة‭ ‬الأمل»؟‭ ‬كيف‭ ‬ترى‭ ‬جوائز‭ ‬الأدب‭ ‬على‭ ‬أى‭ ‬حال؟

الجوائز‭ ‬من‭ ‬المقاييس‭ ‬الهامة‭ ‬لجودة‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية،‭ ‬لكنها‭ ‬ليست‭ ‬كل‭ ‬شيء‭. ‬سأظل‭ ‬أسعى‭ ‬تجاه‭ ‬الجوائز‭ ‬بالطبع،‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬أقف‭ ‬على‭ ‬مسرح‭ ‬وأهز‭ ‬رأسى‭ ‬بتواضع‭ ‬مفتعل‭ ‬وأقول‭ ‬‮«‬أوووه‭... ‬مكنتش‭ ‬متخيل‭ ‬أبدًا‭ ‬أنى‭ ‬حكسب‮»‬‭ ‬فى‭ ‬حين‭ ‬أنى‭ ‬كنت‭ ‬أحلم‭ ‬بذلك‭ ‬منذ‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭. ‬لكن‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬عندى‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬الواقعية‭ ‬فى‭ ‬الحكم‭ ‬يجعلنى‭ ‬لا‭ ‬أرى‭ ‬فى‭ ‬الجوائز‭ ‬المعنى‭ ‬الأسمى‭.‬

‭- ‬كاتب‭ ‬أم‭ ‬مترجم؟‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬منهما‭ ‬تجد‭ ‬نفسك‭ ‬أكثر؟‭ ‬وهل‭ ‬كان‭ ‬الاتجاه‭ ‬للترجمة‭ ‬بديلا‭ ‬لصدمة‭ ‬الفشل‭ ‬فى‭ ‬النشر؟

كلاهما‭ ‬واحد‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بأخر‭.‬

التأليف‭ ‬ترجمة‭ ‬من‭ ‬لغة‭ ‬أفكار‭ ‬داخلية‭ ‬إلى‭ ‬لغة‭ ‬حروف‭ ‬وكلمات،‭ ‬والترجمة‭ ‬تأليف‭ ‬لنص‭ ‬جديد‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يتخيل‭ ‬صاحب‭ ‬النص‭ ‬الأصلى‭ ‬شكله،‭ ‬ويختلف‭ ‬عن‭ ‬الأصل‭ ‬مهما‭ ‬ادعينا‭ ‬العكس‭. ‬دخولى‭ ‬فى‭ ‬الترجمة‭ ‬كان‭ ‬صدفة‭ ‬لم‭ ‬أسع‭ ‬لها،‭ ‬لكنى‭ ‬تشبثت‭ ‬بها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬جربتها،‭ ‬لن‭ ‬أتخلى‭ ‬عن‭ ‬كونى‭ ‬مترجما‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القريب‭.‬

أولًا‭ ‬لأن‭ ‬شعور‭ ‬المرء‭ ‬تجاه‭ ‬التأليف‭ ‬سيظل‭ ‬دائمًا‭ ‬وأبدًا‭ ‬ملتبسا،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬أعطونى‭ ‬نوبل‭ ‬سأظل‭ ‬مقتنعا‭ ‬أنى‭ ‬لا‭ ‬أستحق‭ ‬شيئًا،‭ ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يقرأ‭ ‬لى‭ ‬قارئ‭ ‬حرفًا‭ ‬سيظل‭ ‬جزء‭ ‬آخر‭ ‬يرى‭ ‬فى‭ ‬نفسه‭ ‬موهبة‭ ‬عظيمة‭ ‬مظلومة‭. ‬التأليف‭ ‬لن‭ ‬يمنحنى‭ ‬الرضا‭ ‬والاستقرار‭ ‬النفسى‭ ‬أبدًا‭. ‬الترجمة،‭ ‬يمكن‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬تقييمها‭ ‬بموضوعية‭ ‬وإصدار‭ ‬حكم‭ ‬منطقى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬مترجم‭ ‬جيد‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭. ‬أنا‭ ‬بحاجة‭ ‬لليقين‭ ‬الجزئى‭ ‬الذى‭ ‬تمنحه‭ ‬لى‭ ‬الترجمة‭ ‬تجاه‭ ‬نفسي‭. ‬

ثانيًا‭ ‬لأن‭ ‬ترجمة‭ ‬النص‭ ‬الجيد‭ ‬يمنح‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬نشوة‭ ‬تأليفه‭ ‬من‭ ‬العدم،‭ ‬فهى‭ ‬بالتالى‭ ‬ترياق‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬به‭ ‬أمام‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬العام‭ ‬الذى‭ ‬يصاحب‭ ‬التأليف‭. ‬

وثالثًا،‭ ‬لأن‭ ‬الترجمة‭ ‬ممكن‭ ‬تأكل‭ ‬عيش،‭ ‬التأليف‭ ‬لأ،‭ ‬وأنا‭ ‬فى‭ ‬الأخر‭ ‬عايز‭ ‬أدفع‭ ‬الإيجار‭.‬

‭-‬هل‭ ‬تترجم‭ ‬فقط‭ ‬ما‭ ‬يتوافق‭ ‬مع‭ ‬ذائقتك‭ ‬ككاتب؟‭ ‬وكيف‭ ‬ترى‭ ‬تأثير‭ ‬الترجمة‭ ‬على‭ ‬كتاباتك‭ ‬الشخصية؟

أحاول‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬أزيد‭ ‬من‭ ‬اختيار‭ ‬الأعمال‭ ‬فى‭ ‬الترجمة‭ ‬بحسب‭ ‬ذائقتى‭ ‬مقابل‭ ‬تلك‭ ‬التى‭ ‬أقبلها‭ ‬لعدم‭ ‬وجود‭ ‬غيرها،‭ ‬لكنى‭ ‬لازلت‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬صغيرًا‭ ‬محدود‭ ‬الخبرة‭ ‬والقدرة‭ ‬والنفوذ،‭ ‬ليس‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أترجم‭ ‬من‭ ‬اختياري‭. ‬ربما‭ ‬أصير‭ ‬يومًا‭ ‬صالح‭ ‬علمانى‭ ‬آخر‭ ‬وأختار‭ ‬ما‭ ‬أحب،‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬الآن‭. ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬أشعر‭ ‬ببهجة‭ ‬كبيرة‭ ‬وأنا‭ ‬أترجم‭ ‬نصوصا‭ ‬لا‭ ‬أفضلها،‭ ‬لكن‭ ‬فى‭ ‬الواقع‭ ‬وجدت‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬تدريبا‭ ‬مهم‭ ‬جدًا‭ ‬على‭ ‬تطويع‭ ‬لغتى‭ ‬وصوتى‭ ‬بحسب‭ ‬النص‭.‬

ترجمت‭ ‬‮«‬البطل‭ ‬بألف‭ ‬وجه‮»‬‭ ‬بين‭ ‬المسودة‭ ‬الثالثة‭ ‬والرابعة‭ ‬من‭ ‬طيران،‭ ‬ولو‭ ‬قرأت‭ ‬المسودتين‭ ‬بينهما‭ ‬ستجد‭ ‬اختلافات‭ ‬جذرية‭ ‬فى‭ ‬شكل‭ ‬اللغة‭ ‬والنص‭ ‬والمفردات‭ ‬‮«‬لا‭ ‬الحكاية‭ ‬والأفكار‮»‬‭. ‬أنا‭ ‬ممتن‭ ‬للترجمة‭ ‬لأنها‭ ‬جعلتنى‭ ‬روائيا‭ ‬أفضل‭.‬

‭-‬هناك‭ ‬حضور‭ ‬كبير‭ ‬للترجمات‭ ‬الآن‭ ‬ربما‭ ‬يفوق‭ ‬الروايات‭ ‬المكتوبة‭ ‬بالعربية‭ ‬فى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬هل‭ ‬يؤثر‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬رواج‭ ‬الروايات‭ ‬العربية‭ ‬ومستوى‭ ‬كتابتها‭.. ‬كيف‭ ‬ترى‭ ‬المسألة؟

شيء‭ ‬عظيم‭ ‬طبعًا،‭ ‬ليس‭ ‬لأنى‭ ‬مترجم،‭ ‬بل‭ ‬لأن‭ ‬العالم‭ ‬مليء‭ ‬بكل‭ ‬أشكال‭ ‬الإبداع،‭ ‬خسارة‭ ‬أن‭ ‬نعيش‭ ‬ونموت‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نتعرض‭ ‬لها‭. ‬إن‭ ‬كنا‭ ‬نقلق‭ ‬من‭ ‬تأثيرها‭ ‬على‭ ‬رواج‭ ‬الروايات‭ ‬العربية،‭ ‬فلنكتب‭ ‬روايات‭ ‬أفضل‭ ‬إذن‭. ‬أم‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬علينا‭ ‬منع‭ ‬عرض‭ ‬الدورى‭ ‬الإنجليزى‭ ‬الممتاز‭ ‬كى‭ ‬نسمح‭ ‬للدورى‭ ‬المصرى‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬الرواج؟‭ ‬

‭-‬ما‭ ‬الجديد‭ ‬لديك‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الكتابة‭ ‬والترجمة؟

يقترب‭ ‬صدور‭ ‬كتابين‭ ‬مترجمين،‭ ‬أحدهما‭ ‬كتاب‭ ‬واقعى‭ ‬عن‭ ‬تأثير‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعى‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬مع‭ ‬دار‭ ‬نشر‭ ‬عربية‭ ‬صديقة‭. ‬والآخر‭ ‬رواية‭ ‬لكورت‭ ‬فونيجت‭ ‬مع‭ ‬مركز‭ ‬المحروسة‭. ‬أتحمس‭ ‬لرواية‭ ‬كورت‭ ‬فونيجت‭ ‬لأنى‭ ‬أحبه‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬أشرع‭ ‬فى‭ ‬الكتابة‭ ‬أو‭ ‬الترجمة،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المؤثرين‭ ‬الأساسيين‭ ‬فى‭ ‬تشكيل‭ ‬صوتى‭ ‬فى‭ ‬الكتابة،‭ ‬وأرى‭ ‬أنه‭ ‬ظُلم‭ ‬فى‭ ‬المحاولات‭ ‬العربية‭ ‬الأولى‭ ‬لترجمته‭. ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬أوفق‭ ‬فى‭ ‬تقديمه‭ ‬للقارئ‭ ‬العربى‭ ‬بشكل‭ ‬ملائم‭. ‬وأعمل‭ ‬على‭ ‬ترجمة‭ ‬عناوين‭ ‬أخرى‭ ‬لم‭ ‬يحن‭ ‬وقت‭ ‬الإعلان‭ ‬عنها‭ ‬بعد‭.‬

أما‭ ‬الكتابة‭ ‬الأصلية‭ ‬فلازلت‭ ‬فى‭ ‬أول‭ ‬مسودة‭ ‬لعمل‭ ‬جديد‭ ‬لازلت‭ ‬أنا‭ ‬نفسى‭ ‬لا‭ ‬أعلم‭ ‬عنه‭ ‬الكثير،‭ ‬بدأته‭ ‬فى‭ ‬منحة‭ ‬الإقامة‭ ‬الفنية‭ ‬بباريس،‭ ‬لكن‭ ‬أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬بحاجة‭ ‬لسنوات‭ ‬ليختمر‭.‬

 

 

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة