للفنان:  محمد القاسمى
للفنان: محمد القاسمى


أبداعات عربية

الأعرج يتزوج

أخبار الأدب

الثلاثاء، 27 أبريل 2021 - 12:41 م

أحمد‭ ‬بوزفور

مرزوقة‭ ‬شفتاها‭ ‬بليلتان

مرزوقة؟‭.. ‬هي‭ ‬على‭ ‬ظهرها‭ ‬صرة‭ ‬تحملها‭ ‬تحت‭ ‬الإزار،‭ ‬وفى‭ ‬أذنيها‭ ‬تلمع‭ ‬الأقراط‭. ‬الشمس‭ ‬حامية‭ ‬والأقراط‭ ‬الكبيرة‭ ‬تعمى‭ ‬العيون‭. ‬مرزوقة‭ ‬تقترب‭ ‬وأنا‭ ‬أقترب،‭ ‬أسلم‭ ‬عليها؟‭ (‬أقبل‭ ‬يدها‭ ‬فتقبلنى‭ ‬فى‭ ‬جبينى‭ ‬أقبل‭ ‬خدها‭ ‬الأحمر‭ ‬كشمس‭ ‬العصر‭ ‬وأقول‭ ‬لها‭: ‬اجعلينى‭ ‬ابنك،‭ ‬واحملينى‭ ‬كالمزود‭ ‬فوق‭ ‬ظهرك‭).‬

مرزوقة‭ ‬اقتربت‭ ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬ماذا‭ ‬أفعل،‭ ‬أهرب؟‭ ‬لماذا؟‭ ‬هل‭ ‬هى‭ ‬غولة؟‭ ‬ولكنها‭ ‬تقترب،‭ ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬تبقى‭ ‬هكذا‭... ‬لا‭ ‬تصل‭ ‬أبدا‭ ‬ولا‭ ‬تغيب‭ ‬أبدا،‭ ‬مرزوقة‭... ‬مرزوقة‭... ‬مرز‭..‬

ـ‭ ‬ولد‭ ‬من‭ ‬أنت‭ ‬يا‭ ‬حبيبي؟

ـ‭ ‬ولد‭ ‬حمداش‭.‬

ـ‭ ‬آه‭... ‬ولد‭ ‬رحمة،‭ ‬والله‭ ‬ما‭ ‬عرفتك،‭ ‬امك‭ ‬لابأس‭ ‬عليها؟

ـ‭ ‬لابأس‭.‬

انحنت‭ ‬مرزوقة‭ ‬على‭ ‬وجهي،‭ ‬وسوسة‭ ‬الأقراط‭.. ‬السواك‭.. ‬الصفصاف‭.. ‬السنابل‭.. ‬الضحك‭.. ‬نبض‭ ‬اللحم‭..‬

ـ‭ ‬سبحان‭ ‬الله‭.. ‬حروفه‭ ‬على‭ ‬حروف‭ ‬أمه،‭ ‬ورفعت‭ ‬ذقنى‭ ‬بسبابتها،‭ ‬وقبلتنى‭ ‬فى‭ ‬فمي،‭ ‬شفتاها‭ ‬رغم‭ ‬الظهيرة‭ ‬بليلتان،‭ ‬وأنا‭ ‬أحببتها‭.‬

زمن‭ ‬الرجال

‮«‬الحاج‭ ‬مهدى‭ ‬رجل‭ ‬ولا‭ ‬كل‭ ‬الرجال،‭ ‬ملك‭ ‬التراب‭ ‬وتزوج‭ ‬النساء‭ ‬وقتل‭ ‬الأرواح،‭ ‬وعرف‭ ‬من‭ ‬الحلو‭ ‬والمر‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يعرفه‭ ‬الناس‭ ‬اليوم‭.‬

فى‭ ‬أيام‭ ‬‮«‬السيبة‮»‬‭ ‬قبل‭ ‬الاستعمار،‭ ‬أطلق‭ ‬النار‭ ‬من‭ ‬‮«‬شرقيته‮»‬‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬القبائل‭ ‬المجاورة،‭ ‬ووصل‭ ‬خبره‭ ‬إلى‭ ‬المدن،‭ ‬وحين‭ ‬غلب‭ ‬المستعمرون،‭ ‬وجردوا‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬أسلحتهم،‭ ‬استعمل‭ ‬سكينه،‭ ‬قتل‭ ‬مخزنيا‭ ‬من‭ ‬حرس‭ ‬الكابتن،‭ ‬وغنم‭ ‬بندقيته،‭ ‬وفر‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬الجبال‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬‮«‬قائد‭ ‬مئة‮»‬‭   ‬فى‭ ‬جيش‭ ‬عبد‭ ‬الكريم،‭ ‬ذلك‭ ‬زمن‭ ‬يومه‭ ‬بعمر‭. ‬شرب‭ ‬الشاى‭ ‬مع‭ ‬عبد‭ ‬الكريم‭ ‬نفسه‭ ‬وقتل‭ ‬من‭ ‬المستعمرين‭ ‬ضعف‭ ‬ما‭ ‬قتل‭ ‬من‭ ‬المغاربة‭ ‬فى‭ ‬أيام‭ ‬‮«‬السيبة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬يزيد‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يحسن‭ ‬التصويب،‭ ‬ولكنه‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الشجاعة‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يضرب‭ ‬إلا‭ ‬عن‭ ‬قرب‭. ‬وحين‭ ‬رأى‭ ‬الخيل‭ ‬والأحزمة‭ ‬الصفراء‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬العصيب‭ ‬لم‭ ‬يتراجع‭. ‬ربض‭ ‬بين‭ ‬صخرتين‭ ‬ولف‭ ‬بندقيته‭ ‬الساخنة‭ ‬بعمامته‭ ‬وظل‭ ‬يضرب‭ ‬حتى‭ ‬دخلت‭ ‬الرصاصة‭ ‬الملعونة‭ ‬عموده‭ ‬الفقري‭. ‬من‭ ‬يومها‭ ‬فقد‭ ‬المهدى‭ ‬طعم‭ ‬الحياة‭ ‬وتحكّم‭ ‬المستعمرون‭ ‬فى‭ ‬رقبته‭ ‬كما‭ ‬تحكموا‭ ‬فى‭ ‬رقاب‭ ‬الآخرين،‭ ‬عاش‭ ‬بتلك‭ ‬الرصاصة‭ ‬أربعين‭ ‬عاما‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يموت‭. ‬ولكنه‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬فقد‭ ‬طعم‭ ‬الحياة،‭ ‬احدودب‭ ‬ظهره‭ ‬واعتمد‭ ‬على‭ ‬العكاز‭ ‬وعلى‭ ‬ابنه‭ ‬‮«‬المختار‮»‬،‭ ‬و«المختار‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬رجلا،‭ ‬كان‭ ‬تاجرا‭. ‬يتصرف‭ ‬بالفلوس‭ ‬لا‭ ‬بالرصاص،‭ ‬النار‭ ‬تلد‭ ‬الرماد،‭ ‬قالها‭ ‬الأولون‭. ‬جاء‭ ‬زمن‭ ‬التجارة‭ ‬والأسواق‭ ‬الآمنة‭ ‬والكتان‭ ‬الملون،‭ ‬فانطفأت‭ ‬النار،‭ ‬ولمع‭ ‬الرماد‭.‬

حج‭ ‬المهدى‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬الله‭ ‬مرتين،‭ ‬ووضع‭ ‬فى‭ ‬يد‭ ‬ابنه‭ ‬الأرض‭ ‬والماشية،‭ ‬وانزوى‭ ‬فى‭ ‬غرفة‭ ‬صغيرة‭ ‬يأكل‭ ‬الكسرة‭ ‬و‮«‬يقرقب‮»‬‭ ‬السبحة،‭ ‬ويحكى‭  ‬إن‭ ‬وجد‭ ‬السامع‭ ‬ـ‭ ‬عن‭ ‬زمن‭ ‬الرجال‭.‬

‮«‬المختار‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يركب‭ ‬الخيل،‭ ‬سار‭ ‬على‭ ‬قدميه‭ ‬وراء‭ ‬البغال‭ ‬المثقلة‭ ‬بأحمال‭ ‬القماش‭ ‬المهرب،‭ ‬أكل‭ ‬مع‭ ‬المستعمر،‭ ‬زور‭ ‬عقود‭ ‬الأرض،‭ ‬وسخر‭ ‬مع‭ ‬ضيوفه‭ ‬التجار‭ ‬من‭ ‬شيبة‭ ‬أبيه‭.‬

لعن‭ ‬الحاج‭ ‬المهدى‭ ‬الزمان‭ ‬واستبطأ‭ ‬عزرائيل‭. ‬فقط‭ ‬حين‭ ‬سمع‭ ‬بأذنيه‭ ‬الثقيلتين‭ ‬لعلعة‭ ‬الرصاص‭ ‬ورأى‭ ‬البنادق‭ ‬على‭ ‬أكتاف‭ ‬رجال‭ ‬جيش‭ ‬التحرير،‭ ‬فقط‭ ‬حينئذ‭ ‬أفاق‭ ‬لنفسه‭ ‬وقرر‭ ‬أن‭... ‬يتزوج‭.‬

ولم‭ ‬يفطن‭ ‬‮«‬المختار‮»‬‭ ‬حتى‭ ‬وجد‭ ‬مرزوقة‭ ‬فى‭ ‬الدار،‭ ‬وعرف‭ ‬أنها‭ ‬زوجة‭ ‬أبيه‭ ‬الجديدة،‭ ‬فصفق‭ ‬كفا‭ ‬بكف‭ ‬‮«‬لا‭ ‬حول‭ ‬ولا‭ ‬قوة‭ ‬إلا‭ ‬بالله،‭ ‬الدنيا‭ ‬كلها‭ ‬أصبحت‭ ‬مجنونة‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‮»‬‭ ‬ودخل‭ ‬مع‭ ‬أبيه‭ ‬فى‭ ‬صراع‭ ‬مرير‭ ‬لم‭ ‬يطل،‭ ‬فقد‭ ‬مات‭ ‬الحاج‭ ‬المهدي،‭ ‬مات‭ ‬وسط‭ ‬ضجة‭ ‬الاحتفال‭ ‬بالاستقلال‭ ‬فلم‭ ‬يأبه‭ ‬أحد‭ ‬بالهمسات‭ ‬الخافتة‭ ‬التى‭ ‬تسَّارت‭ ‬بها‭ ‬النساء‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬موته،‭ ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬يمت‭ ‬حتى‭ ‬ترك‭ ‬مرزوقة‭ ‬حاملا،‭ ‬فولدت‭ ‬محمادي،‭ ‬وغدت‭ ‬خادمة‭ ‬فى‭ ‬بيت‭ ‬ربيبها‭ ‬‮«‬المختار‮»‬‭ ‬تشطب‭ ‬وتحطب‭ ‬وتجلب‭ ‬الماء‭ ‬وتحكى‭ ‬لابنها‭ ‬الصغير‭ ‬عن‭ ‬أبيه‭ ‬وعن‭ ‬زمن‭ ‬الرجال‭.‬

مرزوقة‭ ‬لا‭ ‬يحبها‭ ‬الرجال

مرزوقة‭ ‬كانت‭ ‬فى‭ ‬الأربعين،‭ ‬وأنا‭ ‬كنت‭ ‬طفلا‭ ‬فى‭ ‬العاشرة،‭ ‬وحين‭ ‬لهث‭ ‬الكلب‭ ‬قفزت‭ ‬خارجا‭ ‬من‭ ‬الدار‭ ‬فوجدتها‭ ‬تهدد‭ ‬الكلب‭ ‬الشرس‭ ‬بقصبة‭ ‬رقيقة‭.‬

ـ‭ ‬خالتى‭ ‬مرزوقة؟

ـ‭ ‬لولا‭ ‬القصبة‭ ‬فى‭ ‬يدى‭ ‬لأكلني‭.. ‬هو‭ ‬الذى‭ ‬يمنعنى‭ ‬من‭ ‬زيارتكم‭... ‬ماذا‭ ‬تفعل‭ ‬أمك؟

كانت‭ ‬أمى‭ ‬تصبن‭ ‬فى‭ ‬مراح‭ ‬الدار‭ ‬المشمس،‭ ‬عانقت‭ ‬مرزوقة،‭ ‬وتبادلتا‭ ‬قبلا‭ ‬كثيرة‭ ‬على‭ ‬الخدين،‭ ‬وجلست‭ ‬أمى‭ ‬تتابع‭ ‬التصبين‭ ‬وإلى‭ ‬جانبها‭ ‬جلست‭ ‬مرزوقة‭. ‬حملت‭ ‬أنا‭ ‬الثياب‭ ‬المغسولة‭ ‬وخرجت‭ ‬لنشرها‭ ‬فوق‭ ‬السطح،‭ ‬وحين‭ ‬عدت‭ ‬كانت‭ ‬مرزوقة‭ ‬تحكى‭ ‬عن‭ ‬محمادى‭ :‬

ـ‭ ‬يريدونه‭ ‬راعيا‭ ‬يظلع‭ ‬طول‭ ‬النهار‭ ‬وراء‭ ‬غنمهم‭ ‬التى‭ ‬يحلبونها‭ ‬وحدهم‭. ‬قلت‭ ‬لهم‭ ‬انتظروا‭ ‬حتى‭ ‬تموت‭ ‬مرزوقة‭ ‬أولا‭. ‬أبوه‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يموت‭ ‬أوصى‭ ‬بإدخاله‭ ‬إلى‭ ‬الجامع،‭ ‬فلماذا‭ ‬يخرج‭ ‬منها؟‭ ‬طفل‭ ‬صغير‭ ‬يا‭ ‬أختى‭ ‬ويتيم،‭ ‬وبرجل‭ ‬واحدة،‭ ‬كيف‭ ‬يرعى‭ ‬الغنم؟

قالت‭ ‬أمي‭:‬

ـ‭ ‬محمادى‭ ‬يرعى‭ ‬الغنم،‭ ‬وابنه‭ ‬هو‭ ‬يجلس‭ ‬فى‭ ‬الدار‭ ‬ويأكل‭ ‬الزبدة‭.‬

ـ‭ ‬يا‭ ‬أختى‭ ‬ابنه‭ ‬بشاربه‭ ‬ولا‭ ‬تراه‭ ‬الشمس‭ ‬‮«‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬زد‭ ‬هذا‭ ‬الكاس‭... ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الفخيذ،‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬نائم‭... ‬اسكتوا‮»‬‭.‬

ـ‭ ‬آه‭ ‬يا‭ ‬سيدي‭.. ‬ابن‭ ‬القايد‭ ‬هذا‭..‬

ـ‭ ‬ولولا‭ ‬عينى‭ ‬على‭ ‬محمادى‭ ‬فى‭ ‬الليل‭ ‬والنهار‭ ‬لقتلوه‭ ‬قتلا‭.‬

ـ‭ ‬يفعلونها‭ ‬وأكثر‭ ‬منها،‭ ‬ألم‭ ‬يرموه‭ ‬المسكين‭ ‬من‭ ‬سطح‭ ‬الدار‭ ‬حتى‭ ‬كسروا‭ ‬رجله‭. ‬قلت‭ ‬لمرزوقة‭ ‬لماذا‭ ‬رموه‭ ‬يا‭ ‬خالتي؟

ـ‭ ‬لأنه‭ ‬يتيم‭ ‬يا‭ ‬ولدي،‭ ‬‮«‬الله‭ ‬يخلى‭ ‬لك‭ ‬أمك‭ ‬وأباك‮»‬‭. ‬قل‭ ‬لي‭: ‬هل‭ ‬يضرب‭ ‬الفقيه‭ ‬محمادى‭ ‬فى‭ ‬الجامع؟

قلت‭ ‬لها‭: ‬إنه‭ ‬يضربنا‭ ‬جميعا،‭ ‬أنا‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬أرعى‭ ‬الغنم‭.‬

ـ‭ ‬لا‭.. ‬يا‭ ‬ولدي‭. ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬هذا،‭ ‬ضرب‭ ‬الفقيه‭ ‬ولا‭ ‬الشمس‭ ‬والشوك‭ ‬والجوع‭.. ‬هاتى‭ ‬عنك‭ ‬يا‭ ‬أختي‭.. ‬استريحى‭ ‬ودعينى‭ ‬أكمل‭ ‬التصبين‭.‬

وضعت‭ ‬القصعة‭ ‬الكبيرة‭ ‬بين‭ ‬رجليها‭ ‬وأخذت‭ ‬تضرب‭ ‬القميص‭ ‬المتسخ‭ ‬فى‭ ‬الماء‭ ‬الدافئ‭ ‬حتى‭ ‬تصاعدت‭ ‬رغوة‭ ‬الصابون،‭ ‬سروالها‭ ‬أزرق‭ ‬فيه‭ ‬ورود‭ ‬صغيرة‭ ‬حمراء‭ ‬وصفراء،‭ ‬وفخذها‭ ‬رحب،‭ ‬قامت‭ ‬أمى‭ ‬لتقلى‭ ‬بيضتين،‭ ‬وأنا‭ ‬وضعت‭ ‬رأسى‭ ‬محرجا‭ ‬على‭ ‬فخذ‭ ‬مرزوقة‭ ‬الدافئ،‭ ‬وأغمضت‭ ‬عينى‭ ‬وتضاحكت‭ ‬مرزوقة‭:‬

ـ‭ ‬أيها‭ ‬الشيطان‭ ‬الصغير،‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تنام‭ ‬فى‭ ‬النهار‭.‬

وهدهدت‭ ‬فخدها‭ ‬تحت‭ ‬رأسي‭:‬

‮«‬أنعس‭ ‬آوليدى‭ ‬حتى‭ ‬يطيب‭ ‬عشانا‮»‬

‮«‬وان‭ ‬مطاب‭ ‬عشانا‭ ‬يطيب‭ ‬عشا‭ ‬جيراننا‮»‬

صرخ‭ ‬أبى‭ ‬وهو‭ ‬يدخل‭: ‬أين‭ ‬أنت؟‭ ‬أجابت‭ ‬أمى‭ ‬داخل‭ ‬البيت‭: ‬أنا‭ ‬هنا‭.. ‬ما‭ ‬لك؟

قفزت‭ ‬أنا‭ ‬واقفا،‭ ‬وقامت‭ ‬مرزوقة‭ ‬لتسلم‭ ‬على‭ ‬أبى‭ ‬ولكنه‭ ‬زوى‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬عينيه‭ ‬وحول‭ ‬وجهه‭ ‬نحو‭ ‬باب‭ ‬البيت‭ ‬المظلم،‭ ‬وفيما‭ ‬هى‭ ‬تحاول‭ ‬تقبيل‭ ‬يده‭ ‬الهاربة‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬يشخط‭ ‬فى‭ ‬أمي‭:‬

‮«‬الصابون‭.. ‬الصابون‭.. ‬الصابون‭.. ‬من‭ ‬أين‭ ‬آتى‭ ‬أنا‭ ‬بالصابون،‭ ‬لا‭ ‬تفعلون‭ ‬شيئا‭ ‬غير‭ ‬التصبين،‭ ‬هل‭ ‬أنا‭ ‬أذوّب‭ ‬الفلوس‮»‬‭.‬

لم‭ ‬يلق‭ ‬على‭ ‬مرزوقة‭ ‬نظرة‭ ‬واحدة‭.. ‬دخل‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬مهمهما،‭ ‬ومرزوقة‭ ‬انكمشت‭ ‬كالقطة‭ ‬فى‭ ‬جلدها،‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬يحبها‭ ‬والدي؟‭ ‬مرزوقة‭ ‬لا‭ ‬يحبها‭ ‬إلا‭ ‬النساء‭ ‬والأطفال‭ ‬أما‭ ‬الرجال‭ ‬الكبار‭ ‬فيزوون‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬أعينهم‭ ‬ويتجاهلونها،‭ ‬التقطت‭ ‬طوبة‭ ‬ورميت‭ ‬بها‭ ‬دجاجة‭ ‬قريبة‭ ‬فتصاعدت‭ ‬قوقأتها‭ ‬فى‭ ‬السكون‭ ‬المشحون‭ ‬وهى‭ ‬تفرّ‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬الدار،‭ ‬فتبعتها‭.‬

الأعرج‭ ‬يأكل‭ ‬السمن‭ ‬والبيض

محمادى‭ ‬لم‭ ‬يحضر‭ ‬إلى‭ ‬الجامع‭ ‬منذ‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام،‭ ‬والفقيه‭ ‬سألنا‭ ‬عنه‭: ‬أين‭ ‬الأعرج؟‭ ‬قلنا‭ ‬له‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭. ‬كل‭ ‬الأطفال‭ ‬ينادونه‭: ‬الأعرج،‭ ‬مثل‭ ‬الفقيه،‭ ‬أنا‭ ‬خفت،‭ ‬وخجلت‭.. ‬وقلت‭ ‬له‭ ‬مرة‭: ‬محمادي،‭ ‬ثم‭ ‬حفظته‭ ‬وصرت‭ ‬أناديه‭ ‬دائما‭: ‬محمادي‭. ‬يطوح‭ ‬برجله‭ ‬اليسرى‭ ‬بعيدا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يطرحها‭ ‬معتمدا‭ ‬على‭ ‬جانبه‭ ‬وهابطا‭ ‬نحوها‭ ‬بكتفه،‭ ‬ثم‭ ‬يرفع‭ ‬اليمنى‭ ‬ويعود‭ ‬جسمه‭ ‬إلى‭ ‬الاستقامة‭. ‬الأعرج‭.. ‬الأعرج‭.. ‬الأعرج‭.. ‬وأنا‭ ‬أقول‭ ‬له‭: ‬محمادي‭. ‬أنفه‭ ‬صغير‭ ‬ليس‭ ‬كأنف‭ ‬أمه‭ ‬ووجهه‭ ‬صغير‭ ‬أيضا‭ ‬كوجه‭ ‬الفأر،‭  ‬وحين‭ ‬تقول‭ ‬له‭: ‬الأعرج،‭ ‬يقول‭ ‬لك‭: ‬الأعور،‭ ‬ولا‭ ‬يسكت‭ ‬لك،‭ ‬أنا‭ ‬أخاف‭ ‬مثل‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأولاد،‭ ‬صغير‭ ‬كالحمصة‭ ‬وحاد‭ ‬كالشوكة،‭ ‬أمه‭ ‬أحسن‭ ‬منه‭. ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬يحضر‭ ‬منذ‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬والفقيه‭ ‬سأل‭: ‬أين‭ ‬الأعرج؟‭ ‬قلنا‭ ‬له‭: ‬لا‭ ‬نعرف‭.‬

فى‭ ‬الظهر‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬خرجنا‭ ‬من‭ ‬الجامع،‭ ‬لقيت‭ ‬‮«‬عبد‭ ‬السلام‮»‬‭ ‬بن‭ ‬المختار‭ ‬عائدا‭ ‬من‭ ‬السوق،‭ ‬كان‭ ‬يركب‭ ‬بغلة‭ ‬أبيه،‭ ‬ورأيت‭ ‬فى‭ ‬الخرج‭ ‬بطيخة‭ ‬كبيرة،‭ ‬سوداء،‭ ‬سيعطينى‭ ‬الحلوى‭ ‬إذا‭ ‬طلبتها‭ ‬منه،‭ ‬هل‭ ‬يحسب‭ ‬نفسه‭ ‬رجلا؟‭ ‬شاربه‭ ‬ظهر،‭ ‬ولكنه‭ ‬طفل‭ ‬أيضا‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬كبيرا‭. ‬سألته‭: ‬أين‭ ‬محمادي؟

ـ‭ ‬محمادي؟‭ ‬الأعرج؟‭ ‬هو‭ ‬فى‭ ‬حضن‭ ‬أمه،‭ ‬يقول‭ ‬لها‭: ‬أنا‭ ‬مريض‭ ‬حتى‭ ‬تعطيه‭ ‬السمن‭ ‬والبيض‭.‬

ـ‭ ‬هل‭ ‬عندك‭ ‬حلوى؟

ـ‭ ‬الحلوى؟‭ ‬أأنت‭ ‬صغير‭ ‬حتى‭ ‬تطلب‭ ‬الحلوى؟

وابتعدت‭ ‬البغلة‭ ‬به‭. ‬كالمخزنى‭ ‬الذى‭ ‬يأتى‭ ‬إلى‭ ‬دار‭ ‬‮«‬الشيخ‮»‬‭. ‬ينظر‭ ‬إليك‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬ويقول‭ ‬لك‭: ‬أنا‭ ‬أحسن‭ ‬منك،‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬تصدق‭ ‬ضربتك‭. ‬لو‭ ‬كان‭ ‬‮«‬عبد‭ ‬السلام‮»‬‭ ‬فى‭ ‬الجامع‭ ‬لضربه‭ ‬الفقيه‭ ‬حتى‭ ‬يزرق‭ ‬جلده‭ ‬الأحمر،‭ ‬حين‭ ‬أكبر‭... ‬إذن‭ ‬محامدى‭ ‬مريض؟‭.. ‬الأعرج‭ ‬مرض‭! ‬الأعرج‭ ‬يأكل‭ ‬السمن‭ ‬والبيض‭.‬

برد‭ ‬الصبا

فى‭ ‬الصباح‭ ‬التالي‭.. ‬حين‭ ‬كنت‭ ‬خارجا‭ ‬من‭ ‬الدار،‭ ‬رأيت‭ ‬أبى‭ ‬يحمل‭ ‬الفأس‭ ‬ويسبقني،‭ ‬وحين‭ ‬لحقته‭ ‬أمسك‭ ‬بيدى‭ ‬وسرنا‭ ‬معا،‭ ‬الصباح‭ ‬بارد،‭ ‬والضباب‭ ‬مخيم،‭ ‬الضباب‭ ‬يتراجع‭ ‬صامتا‭ ‬أمامنا‭ ‬كلما‭ ‬تقدمنا‭... ‬قرب‭ ‬المقبرة‭ ‬وقفنا،‭ ‬ورأيت‭ ‬رجالا‭ ‬يحفرون،‭ ‬أقفل‭ ‬أبى‭ ‬صدفة‭ ‬قميصى‭ ‬العليا‭ ‬وقبلني‭:‬

ـ‭ ‬يالله‭.. ‬إلى‭ ‬الجامع‭.‬

قلت‭ ‬له‭: ‬من‭ ‬مات‭ ‬يا‭ ‬أبي؟

ـ‭ ‬إلى‭ ‬الجامع‭.. ‬قلت‭ ‬لك‭.‬

ـ‭ ‬قل‭ ‬لى‭ ‬أولا‭ ‬من‭ ‬مات؟

نظر‭ ‬إلي،‭ ‬قال‭ ‬بسرعة‭: ‬ولد‭ ‬مرزوقة‭. ‬وانحرف‭ ‬نحو‭ ‬الرجال‭.‬

الفطيرة‭ ‬مالحة

‮«‬يا‭ ‬مختار،‭ ‬مرزوقة‭ ‬امرأة‭ ‬أبيك‭.. ‬لمن‭ ‬ترميها؟‮»‬‭ ‬كل‭ ‬جمعة‭ ‬تحمل‭ ‬مرزوقة‭ ‬فطيرتها‭ ‬وتذهب‭ ‬إلى‭ ‬القبر‭. ‬فى‭ ‬البداية‭ ‬كانت‭ ‬تنوح‭ ‬وتحثو‭ ‬التراب‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬وتنادى‭ ‬محمادي،‭ ‬ثم‭ ‬أصبحت‭ ‬تجلس‭ ‬صامتة‭ ‬جامدة‭ ‬فى‭ ‬إزارها‭ ‬الأبيض‭ ‬كشاهدة‭ ‬القبر،‭ ‬وحين‭ ‬يمر‭ ‬الناس‭ ‬فى‭ ‬الطريق‭ ‬القريب‭ ‬تناديهم‭ ‬‮«‬تعالوا‭ ‬كلوا‭ ‬من‭ ‬الصدقة‮»‬‭ ‬فيسرعون‭ ‬فى‭ ‬خطوهم‭ ‬دون

أن‭ ‬يردوا‭.‬

‮«‬يا‭ ‬المختار،‭ ‬ابنها‭ ‬مات‭.. ‬اصبر‭ ‬عليها‭ ‬قليلا‮»‬‭. ‬ولكن‭ ‬المختار‭ ‬صمم‭ ‬على‭ ‬طردها‭ ‬من‭ ‬الدار‭. ‬فهو‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يزوج‭ ‬ابنه‭ ‬عبد‭ ‬السلام،‭ ‬ويسكنه‭ ‬فى‭ ‬غرفتها،‭ ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬مرزوقة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تعمل‭ ‬شيئا،‭ ‬فى‭ ‬النهار‭ ‬تدور‭ ‬فى‭ ‬الحقول‭ ‬المحروثة،‭ ‬وتجلس‭ ‬على‭ ‬أحجار‭ ‬الحدود،‭ ‬وفى‭ ‬الليل‭ ‬تأوى‭ ‬إلى‭ ‬حجرتها‭ ‬الصغيرة‭ ‬بدار‭ ‬المختار،‭ ‬وكل‭ ‬جمعة‭ ‬تحمل‭ ‬فطيرتها‭ ‬وتذهب‭ ‬إلى‭ ‬القبر‭. ‬‮«‬تعالوا‭ ‬كلوا‭ ‬من‭ ‬الصدقة‮»‬‭.‬

وقلت‭ ‬لنفسي‭: ‬لماذا‭ ‬أهرب‭ ‬منها؟‭ ‬هل‭ ‬هى‭ ‬غولة؟‭ ‬وعرجت‭ ‬نحو‭ ‬المقبرة،‭ ‬اقتربت‭ ‬ببطء،‭ ‬ولم‭ ‬ترني‭. ‬كانت‭ ‬تلعب‭ ‬بالحصى‭ ‬على‭ ‬القبر،‭ ‬قبر‭ ‬محمادى‭ ‬صغير‭ ‬جدا‭ ‬ومحصور‭ ‬بين‭ ‬حجرتين‭ ‬طويلتين‭. ‬كيف‭ ‬يتسع‭ ‬له؟‭ ‬حين‭ ‬سقط‭ ‬ظلى‭ ‬على‭ ‬القبر‭ ‬رفعت‭ ‬مرزوقة‭ ‬عينيها‭ ‬ورأتني‭.. ‬ارتبكَت،‭ ‬ثم‭ ‬بحثت‭ ‬بعينيها‭ ‬عن‭ ‬الفطيرة‭ ‬ومدتها‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬تعال‭ ‬يا‭ ‬ابنى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الصدقة‮»‬‭ ‬أردت‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬لها‭: ‬شبعان،‭ ‬ولكنني‭... ‬لم‭ ‬أعرف‭... ‬لم‭ ‬أقدر‭. ‬كسرت‭ ‬قطعة‭ ‬صغيرة‭ ‬من‭ ‬الفطيرة‭ ‬ومدتها‭: ‬‮«‬كل‭ ‬هذه‭ ‬فقط‮»‬‭ ‬فأخذتها‭ ‬وجلست‭ ‬إلى‭ ‬جانبها‭ ‬أنظر‭ ‬إلى‭ ‬القبر‭ ‬وأمضغ‭ ‬اللقمة‭ ‬المالحة‭ ‬فى‭ ‬صمت‭.. ‬مدت‭ ‬إصبعها‭ ‬إلى‭ ‬القبر‭ ‬‮«‬أرأيت؟‭ ‬الربيع‭ ‬نبت‭ ‬على‭ ‬قبره‮»‬‭.‬

أجهشت‭ ‬بالبكاء‭ ‬‮«‬أأخفتك؟‭ ‬لا‭ ‬تبك‭.. ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬آكل‭ ‬الأطفال‭... ‬تسمع‭ ‬يا‭ ‬محمادي؟‭ ‬الأطفال‭ ‬يبكون‭ ‬مني‭. ‬أمهاتهم‭ ‬تخوفهم‭ ‬بي،‭ ‬لمن‭ ‬تركت‭ ‬أمك‭ ‬يا‭ ‬ناكر‭ ‬الجميل؟‭ ‬حتى‭ ‬أنت‭ ‬تهرب‭ ‬منى‭ ‬وتتركنى‭ ‬وحيدة‭. ‬ارجع‭ ‬يا‭ ‬حبيبى‭ ‬أو‭ ‬خذنى‭ ‬معك،‭ ‬محمادي‭.. ‬أتسمعني؟‭ ‬محمادي‭.. ‬قتلوك‭ ‬يا‭ ‬حبيبي‭.. ‬قتلوك‮»‬‭.‬

كانت‭ ‬تتكلم‭ ‬فى‭ ‬خفوت،‭ ‬وأردت‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬لها‭: ‬أنا‭ ‬أبكى‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬الخوف‭.. ‬ولكنني‭.. ‬لم‭ ‬أعرف‭.. ‬لم‭ ‬أقدر،‭ ‬وحين‭ ‬نهضت‭ ‬لم‭ ‬تلتفت‭ ‬إلي،‭ ‬ومشيت‭ ‬فى‭ ‬حذر‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تراني،‭ ‬وحين‭ ‬ابتعدت‭ ‬قلت‭ ‬لنفسي‭: ‬الموت‭ ‬كحرف‭ ‬الهاء،‭ ‬وعبد‭ ‬السلام‭ ‬كالمخزني،‭ ‬والفطيرة‭ ‬مالحة‭ ‬ومرزوقة‭ ‬ما‭ ‬عادت‭ ‬تحبني‭.‬

‮«‬يا‭ ‬المختار‭.. ‬ابنها‭ ‬مات‮»‬‭ ‬ولكن‭ ‬المختار‭ ‬يرد‭ ‬على‭ ‬الناس‭:‬

ـ‭ ‬أعرج‭ ‬ومات‭.. ‬هل‭ ‬مات‭ ‬النبي؟‭ ‬كان‭ ‬أخى‭ ‬أنا‭ ‬أيضا‭ ‬ودفعت‭ ‬من‭ ‬جيبى‭ ‬نفقات‭ ‬الجنازة‭ ‬وصدقة‭ ‬السابع‭.. ‬الموتى‭ ‬الله‭ ‬يرحمهم،‭ ‬والأحياء‭ ‬بطونهم‭ ‬مفتوحة‭.‬

ـ‭ ‬يا‭ ‬المختار‭.. ‬الناس‭..‬

ـ‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬تشطب‭ ‬الدار،‭ ‬تربط‭ ‬البقر‭.. ‬تجلب‭ ‬الماء‭.. ‬تحلل‭ ‬الخبز‭ ‬الذى‭ ‬تأكله‭.‬

ـ‭ ‬هل‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬يلعب‭ ‬الشياطين‭ ‬برأسها‭ ‬وتجرك‭ ‬إلى‭ ‬المحاكم؟

ـ‭ ‬أنا‭ ‬أيضا‭ ‬شيطان،‭ ‬والشرع‭ ‬هو‭ ‬الذى‭ ‬شيبني،‭ ‬ليجربوني‭.‬

ـ‭ ‬يا‭ ‬المختار‭.. ‬السياسة‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬صداع‭ ‬الرأس‭.‬

ـ‭ ‬وهل‭ ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬السياسة‭. ‬أنا‭ ‬سأزوج‭ ‬ابنى‭ ‬والدار‭ ‬ضيقة‭.. ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬يحوزها‭ ‬الذين‭ ‬يتكلمون؟

الموت‭ ‬كحرف‭ ‬الهاء،‭ ‬والفطيرة‭ ‬مالحة‭.. ‬هممت‭ ‬بالبكاء‭ ‬ولكننى‭ ‬أحسست‭ ‬بالجوع‭ ‬فعدوت‭ ‬نحو‭ ‬الدار‭.‬

الأعرج‭ ‬يتزوج

لم‭ ‬أعرف‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬إلا‭ ‬فى‭ ‬الصباح،‭ ‬لم‭ ‬أنم‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭ ‬فى‭ ‬دار‭ ‬العرس،‭ ‬قالت‭ ‬لى‭ ‬أمي‭: ‬‮«‬اذهب‭ ‬مع‭ ‬أبيك‭ ‬إلى‭ ‬الدار‭ ‬الآن،‭ ‬وغدا‭ ‬حين‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬الجامع‭ ‬تعال‭ ‬هنا‭ ‬لتتغذى‭ ‬معي‮»‬‭. ‬وعدت‭ ‬مع‭ ‬أبى‭ ‬ونمت‭.. ‬ولم‭ ‬أعرف‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬إلا‭ ‬فى‭ ‬الصباح‭.‬

من‭ ‬ساحة‭ ‬الدار‭ ‬رأيتهم،‭ ‬وجريت‭ ‬حتى‭ ‬لحقت‭ ‬آخر‭ ‬الجماعة،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬رجال‭ ‬يتبعون‭ ‬‮«‬الشيخ‮»‬‭ ‬والدركيين‭ ‬ومرزوقة‭ ‬بالهمهمات‭: ‬‮«‬ظهر‭ ‬عليها‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬يوم‭ ‬وفاة‭ ‬ابنها‭... ‬مسكينة‭.. ‬الكبدة‭ ‬تحمق‭.. ‬والأخرى‭ ‬ما‭ ‬ذنبها؟‭... ‬لا‭ ‬حول‭ ‬ولا‭...‬‮»‬‭ ‬ومرزوقة‭ ‬كانت‭ ‬مقيدة‭ ‬اليدين‭ ‬بالحديد‭ ‬وأحد‭ ‬الدركيين‭ ‬يمسكها‭ ‬من‭ ‬ذراعها،‭ ‬لم‭ ‬أقدر‭ ‬على‭ ‬السؤال،‭ ‬وحين‭ ‬بدأ‭ ‬فضولى‭ ‬يغلبني،‭ ‬وكنا‭ ‬قد‭ ‬وصلنا‭ ‬المقبرة،‭ ‬رأيت‭ ‬مرزوقة‭ ‬تفلت‭ ‬من‭ ‬الجماعة‭ ‬وتجرى‭ ‬نحو‭ ‬قبر‭ ‬محمادي،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬يفيق‭ ‬الرجال‭ ‬من‭ ‬الدهشة‭ ‬كانت‭ ‬مرزوقة‭ ‬قد‭ ‬استلت‭ ‬لا‭ ‬أدرى‭ ‬كيف‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬درة‭ ‬بيضاء‭ ‬ملطخة‭ ‬بالدم‭ ‬وطرحتها‭ ‬على‭ ‬القبر‭ ‬الصغير‭ ‬وهى‭ ‬تصرخ‭ ‬وتزغرد‭ ‬كالمجنونة‭:‬

هنيا‭ ‬لك‭ ‬آمحمادي‭.. ‬هنيلك‭ ‬آلعريس‭... ‬يو‭ ‬يو‭ ‬يو‭... ‬العروسة‭ ‬عزبة‭.. ‬شوفوا‭ ‬الدم‭ ‬أحمر‭ ‬فى‭ ‬السروال‭.. ‬هنيا‭ ‬لك‭ ‬آلعريس‭... ‬يو‭ ‬يو‭ ‬يو‭ ‬يو‭...‬‮»‬‭.‬

جرى‭ ‬الرجال‭ ‬نحوها‭ ‬وأمسكوها‭.. ‬‮«‬فقدت‭ ‬عقلها‭.. ‬حمقاء‭... ‬الله‭ ‬يحسن‭ ‬العون‮»‬‭. ‬وجرها‭ ‬الدركيان‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬إلى‭ ‬الطريق‭ ‬‮«‬حمقت‭.. ‬حمقاء‭ ‬تماما‮»‬‭. ‬وقال‭ ‬أحد‭ ‬الدركيين‭: ‬‮«‬سنعرف‭ ‬هل‭ ‬هى‭ ‬حمقاء‭ ‬أو‭ ‬تمثل‭ ‬علينا‮»‬‭. ‬وكان‭ ‬الأطفال‭ ‬قد‭ ‬تجمعوا،‭ ‬والنساء‭ ‬كن‭ ‬ينظرن‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬ويتهامسن‭ ‬وسمعت‭ ‬شابا‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬حتى‭ ‬العريس‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬دخل‮»‬‭ ‬وسألت‭: ‬ماذا‭ ‬فعلت‭ ‬مرزوقة؟‭ ‬ولم‭ ‬يرد‭ ‬أحد‭.. ‬ماذا‭ ‬فعلت‭ ‬مرزوقة؟‭.. ‬رد‭ ‬أحد‭ ‬الأطفال‭ ‬مدهوشا‭: ‬لم‭ ‬تعرف؟‭ ‬قتلت‭ ‬عروسة‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬بالسكين‭.‬

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة