نوال مصطفى
نوال مصطفى


يوميات الأخبار

مـولاى إنـى ببابـك

نوال مصطفى

الثلاثاء، 27 أبريل 2021 - 06:30 م

«أذهب إلى صوته الذهبى، أطلب الملاذ، الراحة، السكينة، أتوسل لحظات روحانية تجلى النفس، تضىء الروح، تمسح تراب الضجيج»

صوت النقشبندى يفتح أبواب القلب، يوقظ الروح، يعيد إلينا المشاعر المسحوبة فى فضاءات وهمية اخترعها تجار السوشيال ميديا ليربحوا المليارات ويبعدونا عن أنفسنا. أصبحنا كالمندوهين نركض بين منصاتهم، متوترين خوفا أن يفوتنا خبر على قائمة «التريند». أو لقطة فيديو صنعت ملايين المشاهدات فى أقل من ساعة ! مجذوبين ندور فى زار الفيسبوك إلى ملوك الشو على انستجرام،، ومنهما إلى أسطوات الهرتلة على تيك توك. نلهث فى ماراثون كلنا فيه خاسرون إلا شركات التواصل والإعلانات وأخواتها.

أذهب إلى صوته الذهبى، أطلب الملاذ، الراحة، السكينة، أتوسل لحظات روحانية تجلى النفس، تضىء الروح، تمسح تراب الضجيج، تنظف الحواس، تمحو صدأ البذاءة وانعدام الذوق. صوت النقشبندى، ابتهالاته، صوته الذى فاق الأصوات جميعا قوة وجمالا ولمعانا. الصوت الذى يخترق أعماقنا وينفذ إلى مناطق النور داخلنا، هذا القارئ المنشد الصوفى الشهير له أكثر من حكاية طريفة عمرت بها حياته القصيرة (7 يناير1920-14فبراير 1976).

المنشد والموسيقار

الحكاية الأولى جرت وقائعها فى حفل خطوبة ابنة الرئيس أنور السادات عام 1972. كان الشيخ النقشبندى أحد المدعوين، فقد كان المنشد الدينى المفضل عند الرئيس، كذلك كان ضمن الحضور الموسيقار بليغ حمدى، والإعلامى المعروف وجدى الحكيم، حيا الرئيس ضيوفه، وطلب فى هذه الليلة أن يقوم النقشبندى بأداء ابتهال من تلحين بليغ حمدى، استقبل الشيخ الصوفى طلب الرئيس بدهشة هائلة، ابتسم دون أن ينطق كلمة واحدة، فكيف يفكر الرئيس فى هذا؟ كيف يغنى منشد صوفى على نغمات موسيقية راقصة؟ هذا ما ناقش فيه وجدى الحكيم على انفراد بعد الحفل مبديا غضبه، وإحساسه بالورطة.

لكن الطرف الثانى للحكاية وهو الموسيقار بليغ حمدى كان فى غاية الفرح بهذا التكليف الرئاسى الذى صادف هوى وشغفا قديما عنده، وهو أن يلحن ابتهالا دينيا لأقوى وأجمل صوت فى مصر. لذلك فكر بذكاء الفنان كيف يجعل هذا ممكنا، ويمتص غضب واستياء النقشبندى ويقرب إليه الفكرة؟ أخيرا قاده تفكيره إلى أشهر شعراء الصوفية فى ذلك الوقت عبد الفتاح مصطفى وطلب منه أن يكتب الابتهال. وهذا ما حدث، كتب:

مَولاى إنّى ببابكَ قَد بَسطتُّ يَدى... مَن لى ألوذُ به إلاك يا سَندى؟

أقُومُ بالليل والأسحارُ سَاجيةٌ... أدعُو وهَمسُ دعائى بالدُّموُع نَدى
بِنورِ وَجهِكَ إنى عَائذٌ وجل... ومن يعُذ بك لن يَشقى إلى الأبدِ..

مَهما لَقيتُ من الدُنيا وعَارِضِها... فَأنتَ لى شُغلٌ عمّا يَرى جَسدى
تَحلو مرارةُ عيشٍ فى رضاك، ومَا... أُطيقُ سُخطاً على عيشٍ من الرّغَدِ
مَنْ لى سِواك، ومَنْ سِواك يَرى قلبى... ويسمَعُه؟ كُلّ الخَلائِق ظِلٌّ فى يَدِ الصَمدِ
أدعوكَ يَا ربّ فاغفر زلَّتى كَرماً... واجعَل شَفيعَ دُعائى حُسنَ مُعْتَقدى
وانظُرْ لحالى فى خَوفٍ وفى طَمعٍ... هَل يَرحمُ العَبدَ بَعْدَ الله من أحد؟

عرض بليغ كلمات عبد الفتاح مصطفى على النقشبندى، فقال: الكلمات جميلة لكن كيف أنشد على موسيقاك يا بليغ؟! هدأ بليغ ووجدى الحكيم من غضب النقشبندى، وأقنعاه بأن يدخل الاستوديو ويستمع إلى الموسيقى ويقرر بعدها هل يوافق على الغناء أم لا؟

هذا ما حدث. استمع النقشبندى إلى موسيقى بليغ، وجد نفسه يشدو بالكلمات بصحبة الموسيقى ويتجلى بصوته مع الكلمة والنغمة الصحيحة، وولد أول وأشهر ابتهال موسيقى جمع بين النقشبندى وبليغ حمدى. قال النقشبندى بعدما حدث الهارمونى النفسى والفنى بينهما «بليغ ده عفريت». كذلك قال عنه بعد سنوات من العمل معا «لولا بليغ لما عاشت سيرتى كمنشد دينى، ولما ذكرنى الناس بعد رحيلى». لحن بليغ ستة ابتهالات للشيخ النقشبندى.

وصية النقشبندى

أما الحكاية الثانية فترتبط بتصرف غريب أقدم عليه قبل وفاته بيوم واحد، وكان فى كامل صحته لا يشكو ألما ولا مرضا، حيث طلب من أخيه ورقة وقلما بسرعة قبل سفره إلى طنطا حيث كان يقيم، وكتب شيئا وطوى الورقة وقال له :لا تفتح الورقة إلا عند اللزوم. ومضى فى طريقه، فى اليوم التالى مباشرة، أحس ألما مفاجئا فى صدره فتوجه إلى الطبيب، وتوفاه الله فى العيادة فور وصوله بأزمة قلبية مفاجئة وهو فى السادسة والخمسين من عمره.

فتح أخوه الورقة التى كتبها النقشبندى ليجدها وصية بأن يدفن إلى جوار أمه فى القاهرة مهما كانت الظروف، وإعطاء زوجته «هدية» كل مستلزماتها من البيت فى حال اختارت أن تذهب لبيت أهلها، أو تحتفظ بالبيت لو أرادت البقاء فيه، مع إكرامها كل الأكرام.

رحم الله شيخنا الجليل الذى كرمته الدولة بعد وفاته كرمه الرئيس الراحل محمد أنور السادات عام 1979م بمنحه وسام الدولة من الدرجة الأولى بعد وفاته، كما كرمه الرئيس المصرى الراحل محمد حسنى مبارك فى الاحتفال بليلة القدر عام 1989م بمنحه وسام الجمهورية من الدرجة الأولى، وذلك بعد وفاته أيضًا. كذلك دعاه الرئيس الراحل حافظ الأسد لزيارة سوريا والتقاه شخصيا، وتلقى العديد من الدعوات الرسمية من رؤساء الدول العربية.

المقدم محمد مبروك

عاد المقدم محمد مبروك  إلى الحياة من جديد. رأينا الشاهد الأول والرئيسى فى قضية التخابر الكبرى المتهم فيها محمد مرسى وقيادات الإخوان..

عشنا تفاصيل حياته كإنسان، كيف كان أبا حنونا، وزوجا محبا، وصديقا حقيقيا، وفوق هذا كله كيف كان وطنيا، محبا لتراب هذا الوطن حتى الرمق الأخير، مهموما بحفظ شهادته فى قضية التخابر الكبرى، يشعر أن يد الغدر سوف تطوله بسبب ما لديه من معلومات ومستندات إدانة ضد محمد مرسى. لذلك كتب شهادته، خوفا من ألا تصل إلى العدالة إذا ما تم اغتياله، وهو ما حدث بالفعل.

مسلسل «الاختيار 2» أعاد إلى الأذهان ذكريات الأيام السوداء فى حياة مصر، اغتيالات الشرفاء أمثال محمد مبروك ورفاقه على يد خلية شيطانية من أنصار بيت المقدس. نجح صناع العمل الدرامى المتقن فنيا، ووثائقيا فى أن يصحبونا فى رحلة إلى كواليس تلك الأحداث لنعرف ماذا حدث؟ وكيف حدث؟ وهذا هو دور الدراما وأثرها فى تشكيل الوعى. صناع هذا المسلسل بداية من أبطاله: كريم عبد العزيز،أياد نصار، أحمد مكى، إنجى المقدم، بشرى و هادى الجيار وأسماء أبو اليزيد  وأحمد حلاوة. بالإضافة إلى المخرج العبقرى بيتر ميمى، والمؤلف هانى سرحان يستحقون التحية والإشادة بعمل فوق العادة. حلقات المسلسل أبكتنا وأغضبتنا من جديد ونحن نرى كيف قاموا برصد وتتبع تحركات مبروك ضابط الأمن الوطنى من خلال صديق عمره الخائن مقدم محمد عويس الذى ساعدهم فى اغتياله بعد قيامه بإمدادهم بمعلومات عن عنوان منزله ورقم سيارته وكافة تحركاته.

بعد اغتيال المقدم محمد مبروك فتحت الأجهزة الأمنية تحقيقات موسعة فى الواقعة حتى توصلت إلى المتهمين بارتكاب الجريمة وبمناقشتهم اعترفوا على الضابط محمد عويس بتسريب المعلومات الخاصة عن الشهيد مقابل الحصول على مبلغ إثنين مليون جنيه. أصدرت المحكمة حكمها بإعدام محمد عويس و36 آخرين وتم نقض الحكم، وجارى إعادة نظر القضية. والسؤال الذى يشغل بالى وكثيرين غيرى: ما الذى يؤخر تنفيذ حكم الإعدام فى القاتل الخسيس محمد عويس حتى الآن؟!

اليونسكو والكتاب

أقرأ مقالات وكتب الشاعرة والكاتبة المصرية فاطمة ناعوت بشغف واستمتاع، ليس لأنها تمتلك قاموسا لغويا غنيا من لغتنا الجميلة، ولا لأنها باحثة منقبة عن المعلومة، التاريخ، الحاضر والمستقبل لكل فكرة تتناولها فى كتاباتها، ولا لدأبها وإخلاصها للحرف والكلمة اللذين وهبتهما حياتها بالكامل، وانحازت لهما، مضحية بسنوات دراسة طويلة وجادة فى كلية الهندسة التى تخرجت فيها ثم غادرتها إلى الأبد.

ليس لكل هذه الأسباب فقط أقدر هذه الكاتبة واحترمها، بل لأن كتاباتها معجونة بالإنسانية التى تشكل جزءا أصيلا من تركيبتها الشخصية، مشحونة بالفعل والحماس لما تعتقده، متوثبة للتغيير الإيجابى، الفعال فى حياة البشر عن طريق التنوير، الثقافة والمعرفة، التى تشكل ثلاثتهم «مصابيح الحياة» فى حياتنا. لذلك أقرأ لفاطمة ناعوت واهتم بإنتاجها الصحفى والأدبى على السواء.

قبل أيام قليلة وبالتحديد يوم 23 إبريل احتفلت منظمة اليونسكو ب«اليوم العالمى للكتاب». قرأت لها عن هذا الاحتفال الذى يسعدنى أنا شخصيا باعتبارى عاشقة للكتاب، مؤمنة به كأداة مهمة للتغيير فى حياة البشر. استوقفتنى عدة عبارات جميلة فى مقالها رأيت أن أشاركها معكم.»الكتابُ هو الآلة السحرية التى تدخلها فقيرًا وتخرج منها ثريًّا، تدخلها غِرًّا؛ لتغادرها حكيمًا»..

«القراءةُ دواءٌ مجانى لأمراض البدن والأعصاب والدماغ والذاكرة»..

«أثبتت الأبحاثُ الطبية أن مَن يقرأ يوميًّا، من العسير أن يضربه مرضُ آلزهايمر، ذاك الوحش الذى يأكل ذاكرة الإنسان ويلتهم تاريخَه حتى لا يعودَ يعرف شيئًا من ماضيه ولا حتى أولاده»
« عن عادات القراءة ونسبها بين مختلف شعوب العالم، أجرت الأمم المتحدة بعض الأبحاث والإحصاءات التى أكدت، للأسف، أن معدَّلَ ما يقرؤه المواطن العربىّ ١/٤ صفحة فى العام! بينما يقرأ المواطن الأمريكىّ ١١ كتابًا فى العام.

ويقرأ المواطنُ البريطانى ٨ كتب سنويًا. أما المواطن الإسرائيلى فيقرأ أربعةَ كتبٍ «شهريًّا»، أى ٤٨ كتابًا كلّ عام! «. شكرا للصديقة الشاعرة فاطمة ناعوت، كل الامتنان لمنظمة اليونسكو العريقة لاحتفالها بالكتاب فى عيد عالمى.

كلمات
إِن كنتَ بالغيب عن عينيَّ مُحْتَجِباً
فالقلب يرعاك فى الأبعاد والنائى.. الحلاج

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة