محمد متولي الشعراوي
محمد متولي الشعراوي


قصص القرآن | حية موسى

الأخبار

الثلاثاء، 27 أبريل 2021 - 08:03 م

يقول الحق فى سورة النمل:«وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّى لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ»،ونلحظ أن هنا تفاصيلَ وأحداثا لم تذكرها الآية هنا، وذُكِرَت فى موضع آخر فى قوله تعالى: «وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ياموسى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا على غَنَمِى وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أخرى» «طه: 17- 18».

والأدب يقتضى أن يأتى الجواب على قَدْر السؤال، لكن موسى عليه السلام أراد أنْ يطيل أمد الأُنْس بالله والبقاء فى حضرته تعالى، ولما أحسَّ موسى أنه أطال فى هذا المقام أجمل، فقال: «وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أخرى» «طه: 18» فللعصا مهام أخرى كثيرة فى حياته.وهنا يقول سبحانه: «وَأَلْقِ عَصَاكَ» «النمل: 10» يعني: إنْ كانت العصا بالنسبة لك بهذه البساطة، وهذه مهمتها عندك فلها عندى مهمة أخرى، فانظر إلى مهمتها عندى، وإلى ما لا تعرفه عنها.

«وَأَلْقِ عَصَاكَ» فلمّا ألقى موسى عصاه وجدها «تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ» يعني: حية تسعى وتتحرك، والعجيب أنها لم تتحول إلى شيء من جنسها، فالعصا عود من خشب، كان فرعاً فى شجرة، فجنسه النبات ولما قُطعت وجفَّتْ صارت جماداً، فلو عادت إلى النباتية يعني: إلى الجنس القريب منها واخضرتْ لكانت عجيبة.أمّا الحق تبارك وتعالى فقد نقلها إلى جنس آخر إلى الحيوانية، وهذه قفزة كبيرة تدعو إلى الدهشة بل والخوف، خاصة وهى «تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ» أى: تتحرك حركة سريعة هنا وهناك.وطبيعى فى نفسية موسى حين يرى العصا التى فى يده على هذه الصورة أنْ يخاف ويضطرب «فَأَوْجَسَ فِى نَفْسِهِ خِيفَةً موسى قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأعلى» «طه: 67- 68».

ومعنى: «الأعلى» إشارة إلى أنه تعالى يُعده لمهمة كبرى، وأن لهذه العصا دوراً من الخصوم، وسوف ينتصر عليهم، ويكون هو الأعلى.

وقوله تعالى: «ولى مُدْبِراً» يعني: انصرف عنها وأعطاها ظهره «وَلَمْ يُعَقِّبْ»  نقول: فلان يُعقِّب يعني: يدور على عَقِبه ويرجع، والمعنى أنه انصرف عنها ولم يرجع إليها؛ لذلك ناداه ربه سبحانه وتعالى: «ياموسى لاَ تَخَفْ إِنِّى لاَ يَخَافُ لَدَيَّ المرسلون».

ونلحظ هنا نداءين اثنين يذكر فيهما، المنادى موسى عليه السلام وكأنهما تعويض للنداء السابق الذى نُودِى فيه بالخبر «أَن بُورِكَ مَن فِى النار وَمَنْ حَوْلَهَا».وعلَّة عدم الخوف «لاَ تَخَفْ» «النمل: 10» ليعلمه أنه سيُضطر إلى معركة، فليكُنْ ثابتَ الجأْش لا يخاف لأنّه لا يحارب شخصاً بمفرده، إنما جمعاً من السَّحرة جُمِعوا من كل أنحاء البلاد، وسبق أنْ قال له: «إِنَّكَ أَنتَ الأعلى» «طه: 68» حتى لا تُرهبه هذه الكثرة.

وكان إلقاء العصا من موسى هذه المرة مجرد تجربة(بروفة) ليألف هذه المسألة ويأنس إليها، وتحدث له دُرْبة ورياضة، فإذا ما أجرى هذه العملية أمام فرعون والسحرة أجراها بثقة وثبات ويقين من إمكانية انقلاب العصا إلى حية.

وبعد ذلك يأتى بآية تثبيت منطقة التكليف فى البشر حتى الرسل، والرسل أيضاً مُكلَّفون، وكل مُكلَّف يصح أن يطيع أو أن يعصي، لكن الرسلَ معصومون من المعصية، أما موسى عليه السلام فله حادثة مخصوصة حين وكَز الرجل فسقط ميتاً، فقال: «وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ» «الشعراء: 14».

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة