زكريا عبدالجواد
زكريا عبدالجواد


رٌكن الحواديت

الصعايدة يقطعون الطرق فى رمضان!

زكريا عبدالجواد

الجمعة، 30 أبريل 2021 - 08:17 م

فجأة.. صمت ضجيجُ القطار، وتوقف تأرجح المقاعد، وسمعنا صفيرًا أخيرًا وكأنها شهقة الموت، فغابت نسمات التكييف الباردة، وملأ العرق جبينى أنا وصديقى، فى يوم حار جدا من شهر رمضان قبل عدة سنوات.
كنا قد وصلنا قبل سوهاج بمسافة قصيرة، ويتبقى على أذان المغرب أقل من ثلاث ساعات. كان الفنيون يجتازون طرقات عربات القطار بسرعة ذهابًا وإيابًا، استوقفتُ واحدًا منهم، وحين سألته عن السبب قال إنه عُطل فنى كبير، ولن يستغرق أقل من 4 ساعات! 
كنا على موعدٍ لإنجاز عمل صحفى بمدينة الأقصر، ورتبنا مقابلةً مع مسئول كبير فى الثامنة مساءً بعد الإفطار، وحينها اقترح صديقى أن ننزل من القطار ثم نركب «ميكروباص» إلى قنا ومنه إلى الأقصر.
بالفعل ركبنا الباص، فانطلق بنا فى سباق ماراثونى أرعبنا جميعًا، وحين انتبه السائق لذلك حاول إلهاءنا بتشغيل بعض ابتهالات الشيخ النقشبندى، التى فردت كرمشة الوجوه المجهدة من عناء آخر ساعات الصيام، ولكنها لم تخلصنا من خوف سكن القلوب من مخاطر السرعة الجنونية. 
ونحن على مشارف محافظة قنا وقبل أذان المغرب بربع ساعة تقريبًا رأينا الطريق معطلًا بعشرات السيارات، وبعد وقوفنا فى آخر الطابور الطويل، ترجلنا لأول الصف لنعرف السبب، فاكتشفنا أن عصبة من الرجال تقطع الطريق.
استقبلنا أحدهم ببشاشةٍ فأشار بيده وقال بحماسة: تفضلوا. فوجدنا طاولة طعام ممتدة على شط الترعة الواسعة، كانت مكتظة بصنوفٍ من الطعام والحلويات والعصائر الرمضانية، ويزينها العيش الشمسى المدور، الذى تشتهر به محافظات الصعيد الجوانى.
كان التوقف إجباريًا، وأصر أصحاب المائدة على نزول الركاب كاملين من كل سيارة، كان بيننا مسيحيون، اعتذروا عن تناول الطعام، ولكن كرم الصعايدة لم يشفع لهم، فشاركونا الإفطار وسط ترحاب من الجميع، فى لقطة إنسانية تؤكد أصالة بلاد الجنوب، وكرم المصريين المدهش فى كل مكان، والذى سيظل سمة مميزة لأبناء هذا الوطن  مهما فات من الزمن.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة