الأحد، 02 مايو 2021 - 10:54 ص

مروة أنور

طبق المدمس هو الذى يعشقه جميع المصريين الفقراء والأغنياء على مائدة السحور، ويزداد الإقبال عليه فى شهر رمضان باعتباره "بروتين الغلابة ومسمار معدة المصريين"، أما "مدمس" فهى كلمة فرعونية تعنى المكمور أو المطبوخ تحت الأرض وتعنى بالمصرية القديمة الفول المدفون وأصلها "تمس" وحُرفت بالعربية إلى "مدمس".. فى هذا التحقيق نتتبع حكاية طبق الفول.

ما إن تطأ قدمك منطقة باب الشعرية، حتى تجد حارة "مرجوش" تستقبلك برائحة الفول الشهية لتجعلك تتشوق لترى المستوقد، وحين تصل إلى هناك تجد أكواماً من القمامة والأخشاب بمدخل المستوقد، ومن هنا تبدأ رحلة طبق الفول - العجمية - من نار المنقد لمائدة السحور.

داخل الحارة يقف سيد علي، على عربة فول، وبدأ حديثه معنا بقوله إن "مجروش" هو أقدم مستوقد فى منطقة الجمالية والوحيد الذى يعمل حتى الآن وصاحبه يدعى الحاج أحمد علي، وأقوم بطهى "قدرة الفول" الخاصة بى داخل هذا المستوقد.

داخل المستوقد يقوم ناصر محمد، بتجهيز الموقد بجمع الخشب والقمامة ووضعها تحت القِدر، ويقول: أبدأ التجهيز لفول السحور من الساعة 12 ظهراً إلى اليوم الذى يليه، وكل بائع فول يكون لديه قدرة ثانية "استبن" تحسباً للظروف الطارئة، وجميع القدر تأتى للمستوقد الساعة 12 ظهراً، وأقوم بتنقية الفول وغسله جيداً قبل وضعه فى القدر، ومن المعروف أن فول المستوقد رائع جداً لأنه يأخذ وقته فى التسوية على نار هادئة، بالتالى يخرج جميع الفول على نفس المستوى من النضج.

ويشير ناصر إلى أن الفول البلدى أفضل أنواع الفول، وسعر الكيلو منه 22 جنيهاً، أما المستورد فلا يعطى نفس الطعم، ومعظم المطاعم تعمل به لرخص ثمنه لكن المستوقد يفضل الفول البلدي، ومعظم عربات الفول وأصحاب المطاعم أصبحوا يقومون بإنضاج الفول على الغاز داخل المحلات ولا أحد يأتى إلى المستوقد إلا قلة قليلة.

وعن أساليب الغش فى إنضاج الفول، والتى يتبعها بعض أصحاب المطاعم يقول الحاج سيد علي: "فول المستوقد صعب يتغش لأنه معمول على الهادى وصاحبه عاوز يأكل زباينه بمزاج، وأساليب الغش فى الفول تأتى فى البداية من اختيار حبة الفول، فعلى سبيل المثال الفول المستورد لا يعطى نفس التسوية ولا نفس الطعم بالإضافة إلى كمية الأرز والبليلة التى يضعها صاحب المطعم أو العربية على قدرة الفول من أجل زيادة الكمية.

أما ما تردد بأن هناك مادة توضع على الفول تعجِّل من نضجه، فهذا غير حقيقى لأن هذه المادة تسبّب التسمم، ولكن يتم وضع مواد طبيعية مثل ألوان الطعام المسموح بها والعدس والأرز وبكميات محددة حتى لا تؤثر سلباً فى طعم الفول. 

بينما يقول محسن محمد، صاحب عربة فول بمنطقة باب الشعرية: "أستخدم الفول المستورد لأنه أرخص سعراً من البلدي، فالأول سعر الكيلو منه 12 جنيهاً أما البلدى فالكيلو بـ22 جنيهاً،  لكننى أعتمد على خلطة جيدة للتسوية تحتوى على العدس والأرز والطماطم، وأترك القدرة لمدة يومين على النار الهادئة حتى ينضج الفول وتكون النتيجة جيدة مثل الفول البلدى بالضبط".

فى حين يقول، عوض مهنى، صاحب عربة فول بحى الجمالية: أستخدم الفول البلدي، لأن الغالى ثمنه فيه، فسعر كيلو الفول البلدى من 19 إلى 22 جنيها حسب درجة الفرز لحبة الفول، والأهم طريقة التسوية، حيث أتعامل مع مستوقد مرجوش، أسلم القدرة الفارغة وآخذ الجديدة مكانها، ويوضع على الفول العدس والأرز والطماطم وألوان طعام مصرح بها".

من ناحية أخرى، يقول ناجي، صاحب مطعم فول بوسط البلد: الفول أكل الملوك، وهناك واقعة شهيرة جعلت الملك فاروق يحب أكل الفول، عندما سمع عن شهرة مطعم الحاج عاصى فى دمنهور، وطلب أن يتذوقه، ومن وقتها أصبح هناك علاقة بين الملك وفول عاصي، ويقال إنه كان يجهز خصيصاً 6 قدر من الفول المدمس ويذهب بها إلى محطة مصر وهناك يكون فى انتظاره طبيب من الديوان الملكى ليتأكد من جودة الفول ويشمع القدر، قبل إرسالها لقصر الملك، واستمر هذا الأمر حتى ثورة 1952.

ويشير ناجى إلى أن أفضل الطرق لتسوية الفول فى المنزل، تتلخص فى غسل الفول جيداً ووضع العدس والمياه وتركه على نار موقد غاز حتى يصل إلى درجة الغليان، ثم نهدئ النار عليه مع استمرار وضعه على الغاز لمدة يومين، فهذا ما يجعل الفول على درجة واحدة من التسوية.

من جانبه، يقول أحمد الباشا، عضو الغرفة التجارية ورئيس شعبة البقوليات والحاصلات الزراعية، إن هناك انخفاضاً هذا العام فى أسعار الفول البلدى بسبب زيادة الإنتاج وقرار وقف التصدير الذى أدى لزيادة المعروض بالأسواق، ما أدى لانخفاض الأسعار، موضحاً أن سعر كيلو الفول البلدى وصل فى مارس الماضى بين 10 و13 جنيهاً فى سوق الجملة، مقابل 30 و27 جنيهاً، بينما تراوح سعر كيلو الفول المستورد بين 8 و9 جنيهات مقابل 11 و13 جنيها فى نفس الفترة، ومن الأسباب التى أدت لتراجع أسعار الفول، استيراد كميات كبيرة من الفول الأسترالى بسبب انخفاض سعره عالمياً.

فيما يقول عزت عبدالجواد، تاجر بقوليات، إن هناك خمسة أنواع من الفول المدمس، هي الفول الكندي ويباع للمستهلك بسعر 18 جنيهاً للكيلو، والفول الأسترالي ويباع بـ13 جنيهاً للكيلو، والفول الإنجليزي بـ18 جنيهاً للكيلو، والفول البلدي بـ22 جنيهاً للكيلو، والفرق بين أصناف الفول يعود إلى حجم الحبة، ومن أجود الأنواع الفول البلدي والبحيري، وهما الأكبر حجماً والأعلى جودة، بينما تكون الأصناف الأخرى صغيرة الحجم ولونها قاتم.

ويوضح أن أصحاب المطاعم يستخدمون الفول البلدي أو الكندي أو البحيري، فيما تستخدم الأصناف الأخرى كعلف للحيوانات، ومن أشهر أنواع الفول المخصص للعلف الفول المستورد المشهور بصغر حجمه ولونه القاتم، وسعر الطن منه يصل إلى 400 جنيه، وسعر الكيلو 12 جنيهاً، وهناك بعض المطاعم تستخدمه كفول مدمس.

في حين يقول عبدالله أحمد، تاجر بقوليات، إن أنواع الفول تتحدد من خلال بلد المنشأ، فهناك الفول الأخضر الطازج ويُسمى "الفول المصري" ويزرع في مصر والمغرب العربي والسودان، وهناك الفول القبرصي، ويُعرف هذا النوع بـ"الفول البلدي" أو "الزوري" أو "المالطي"، وفي بلاد الشام يسمى "فول حلبي"، أما فول الصويا فتعود أصوله إلى آسيا، وهو غني جداً بالبروتين، ويتميز بعدة ألوان هي الأسود والأخضر والأصفر، كما يوجد الفول السوداني وترجع أصوله إلى أمريكا الجنوبية.