الإثنين، 03 مايو 2021 - 04:08 م

لماذا يري دائما صُناع الدراما الصعيد بأنه عالم معزول يسوده الصراعات والقتل والثأر وتجارة المخدرات والآثار؟وكأن ابناؤه ولدوا في ساحات المعارك، وتربوا داخل"غيطان"الحشيش والأفيون، وتنفسوا رائحة البارود، وعندما كبروا تاجروا في تاريخ اجدادهم وحضارتهم التي صنعوها علي مدار التاريخ..الصعيد ليس كذلك ياسادة، وما تقدموه علي الشاشة ليس صعيدنا، فأنتم لا تعرفون عنه سوء العمامة والجلباب والكلام المعوج..انتظرت عشرون يوما في رمضان قبل أن أكتب عن الدراما المسماه صعيدية "نسل الاغراب" حتي لا يقول قائل لا تحكموا قبل ان تشاهدوا !.. واعتقد أن مشاهدة ثلتي الحلقات كاف للحكم عن عمل ظهر بوضوح انه يشوه الصعيد لا يقدمه بصورة لن أقول غير جيدة بل غير حقيقية بالمرة ، لن نطلب من صُناع الدراما تجميل الصعيد، ولكن بل نطلب تقديمه كما هو دون تزييف.

ولن أجد وصفا صادقا لسيناريو المسلسل المسمي زورا وبهتانا بأنه دراما صعيدية - والصعيد برئ منه تماما- وهو مسلسل"نسل الأغراب" بأنه دراما "كُتع..كُسح ..كُسل"، وهي الجمله التي وردت علي لسان أحد ابطال المسلسل"امير كرارة"، فكاتب السيناريو وهو ايضا مخرج العمل لم يكلف نفسه بالبحث عن الصعيد وشكل حياة الناس فيه، وبالمناسبة وحسب معلوماتي انه ينتمي لاحدي قري محافظة سوهاج بالصعيد، ولكن ربما يكون انتماءا عائليا، فهو لم يعيش في الصعيد ولا يعرف أهله الحقيقيين، فالزيارات القليلة لا تعطي صورة عن هذا المجتمع الذي يحتاج لدراسة لمعرفة تفاصيله، وكان الأولي به عندما يتصدي لكتابة عمل حقيقي عن أهله في الصعيد بصفة عامة، أن يكلف نفسه بعض من العناء ليعرف الصعيد الحقيقي، وعادات وتقاليد اهله، المشاكل التي يعاني منها  هل يعلم المؤلف أن أكثر القري فقرا علي مستوي الجمهورية في الصعيد؟، هل يعلم أن الصعيد عاش سنوات طويلة يعاني من عدم وجود خدمات صحية اوتعليمية جيدة ؟هل يعلم أن أهل الصعيد لا يتاجرون في الآثار ولا المخدرات ولا السلاح؟ هل يعلم أنه لا يوجد في الصعيد قصرا يشبه قصر"غفران الغريب" في فخامته وديكوراته؟ولا توجد في الصعيد إمرأة تشبه "جليلة" بمكياجها الصارخ الذي تتزين به طوال الوقت، وازيائها الفخمة وسيارتها الضخمة ذات الدفع الرباعي ، والتي تقودها بنفسها في قرية وتذهب بها لحبيبها السابق وطلقيها لتلتقي به "علي شط الترعة" وفي وضوح النهار، وهي علي ذمة رجل أخر.. نساء الصعيد لا يعرفون هذه الــ"جليلة" القوية القادرة التي يتصارع عليها رجلان لديهما الاستعداد لقتل القرية كلها من أجلها فـ "جليلة"لا تشبه نساء وفتيات الصعيد.

"نسل الاغراب"عمل خيالي لا علاقة له بالصعيد ولن يقبله أي صعيدي أوحتي شخص أخر يبحث عن صورة صادقة عن الصعيد ، فقد قدم مؤلف ومخرج العمل صورة متُخلية لمكان غير موجود واناسه غير حقيقيين وحدوته عفا عليها الزمن، لقد استخدم المؤلف الصعيد كمكان فقط ولم يقدم صورة اقعية عن الصعيد الذي نعرفه وعشنا وتربينا فيه، ولكنه اراد الاستفادة من عناصرالجذب التي توفرها الدراما الصعيدية لاستقطاب الجمهور،وكتب موضوعا يمكن ان يحدث في اي مكان غير أن يتم الباسه ثوب الصعيد، قصة تعتمد علي خط درامي وحيد" الصراع علي جليلة" وما دون ذلك ان وجد مجرج حشو لا قيمة له، فالصراع علي إمرأة لم تكن في يوم من الايام قضية مهمة في الصعيد ، يمكن أن يحدث الصراع علي أرض أوميراث أو حتي تجارة، ولكن علي إمرأة فلم نراه في يوم من الايام، وهذا ليس تقليلا من قيمة المرأة الصعيدية "عمود البيت" بل اعلاء من شأنها بحيث لا تكون محل صراع.

الخلاصة .. "نسل الأغراب" دراما مصنعة ومزيفة في كل تفاصيلها واحداث مركبة وملفقة تصب كلها في أزمة"جليلة حمزة.. حمزة جليلة "وحوار مصطنع يعتمد علي الجمل الرنانة التي لا تجد له مثيلا في الواقع وتمثيل مفتعل من الجميع باستثناء" دياب ومنة فضالي"، وديكورات فجة ليس فيها ذوق جمالي وفني وكومبارسات بالاف  ومعارك وضرب نار غير مبررة  .. والكثير والكثير ولكن اكتفي بهذا القدر .