طاهر قابيل
طاهر قابيل


يوميات الأخبار

كنا ومازلنا نسيجاً واحداً

طاهر قابيل

الإثنين، 03 مايو 2021 - 08:41 م

 

«كانت وجبة دسمة من الدجاج والأرز مع تحذير من طبق «الشوربة» الذى من الممكن أن يتضمن لحوماً أو دهوناً محرمة علينا نحن المسلمين ويجب علينا تجنبها»

حاولت كثيراً عدم السفر خارج مصر فى شهر رمضان حتى أتناول طعامى «الإفطار والسحور» يوميا مع أسرتى كما تعودنا ذلك منذ ميلادى.. كانت المرة الوحيدة التى عشت فيها الأيام الرمضانية بالخارج فى شتاء عام 1994 عندما سافرت فى "مهمة صحفية" خارج الحدود إلى "البوسنة والهرسك".. قضيت أول أيام سفرى بالمدينة الأوروبية "زغرب" فى دولة "كرواتيا".. كانت الصورة التى أحملها فى ذهنى غير واقعية للحياة فى أوروبا لأنها تتضمن لقطات من الأفلام الأجنبية والحوارات والحكايات التى يستعرضها علينا من هم أكبر منا سنا وقصورنا فى ذلك الوقت فى الحصول على معلومات صحيحة فكل ما نعرف عن الدول الأخرى هو كتاب المدرسة "أطلس العالم".. والذى تغير الآن مع ثورة المعلومات والاتصالات وفيض المعرفة وأصبحنا نعرف كل شيء عن أى دولة بضغطة "زر" على "الكى بورد" أو بلمسة بسيطة على "الموبايل".

كنت أعتقد خطأ أن المجتمع الأوروبى "منحل".. وأن الأوربيين لا يجلسون فى بيوتهم ويقضون يومهم وليلهم فى الحانات والبارات.. وأن نساءهم وبناتهم يقتلن الوقت على أسرة الرجال والشباب والتسكع بالطرقات.. الآن أصبحت أضحك على تفكيرى وأوهامى فقد وجدت مجتمعا طبيعيا متكاملا فيه العامل والمهندس والعاطل والمشاغب والمؤدب والكل يحكمه القانون والعادات والتقاليد الصحيحة التى تبنى عليها وتنمو بها المجتمعات.. ففى صباح اليوم التالى شاهدت مدرسة بجوار الفندق يقبل عليها التلاميذ فى السابعة أو الثامنة صباحا.. ويصطفون فى طوابير ويمارسون التمرينات الرياضية.. وأتذكر أنى شاهدت بالمنازل القريبة منى أحد الشباب عاد متأخرا عن موعده فأخذ يتخفى خوفا من أن يراه أحد من أسرته.. وفى الصباح أخذت جولة سريعة بين المحال القريبة من مكان إقامتى ووجدتها خالية على عروشها إلا من العاملين بها لتقديم الخدمة.. ويجلس فيها عدد قليل جدا من الزبائن، أما الباقون ففى أعمالهم.. ومعظم من يسيرون فى الطرقات هم "كبار السن" والجدود يسيرون فى الهواء الطلق مع أحفادهم.. أو من فقدوا أعمالهم وينتظرون فرصة عمل.. وأتذكر موقفا أعتقد لأنى ذو بشرة "شرقية" فعلوا ذلك معى.. فعند مفترق طرق نظرت يمينا ويسارا وسرت فوق خطوط عبور المشاة بعد أن وجدت أنه لا توجد سيارات قادمة فعبرت الطريق ولاحظت أن زوجين مسنين ينظران لى شذرا وأدركت وقتها أنى أخطأت فى حق نفسى والناس من حولى عندما عبرت إلى الجهة الأخرى وكانت إشارتى حمراء.. ومن يومها لا أعبر الطرقات إلا وإشارة المرور خضراء وأفضل دائما خطوط عبور المشاة.

ما أدراك ما زغرب

 أعود لليوم الأول لصيامى شهر رمضان "بالغربة".. كانت رحلة الطيران قد أوصلتنى ظهرا إلى "زغرب" وقضيت باقى اليوم فى لقاءات وحوارات مع المسئولين الكروات.. ومع اقتراب موعد أذان المغرب اقترح "مرافقى" أن نتناول وجبة الإفطار فى مطعم المنظمة الدولية التى تستضيفنا.. وأسرعت إلى مائدة "الإفطار" التى تتواكب مع وجبة "العشاء" للمقيمين فى أوروبا.. وكانت وجبة دسمة من الدجاج والأرز مع تحذير من طبق "الشوربة" الذى من الممكن أن يتضمن لحوما أو دهونا محرمة علينا نحن المسلمين ويجب علينا تجنبها.. واستكملنا ليلتنا بجولة حرة بالمدينة لنشاهدها انتظارا لوجبة "السحور" التى كانت فى الفندق عبارة عن طعام العشاء الذى وضع لنا فى أكياس من الورق مع قطع من "المخلل" وكوب من الزبادى.. واسأل "رفيقى" عن التدفئة فيخبرونى أنها مركزية عبارة عن محطات ضخمة لتوليدها مثل الكهرباء والمياه تنقلها إلى المنازل شبكة مواسير ضخمة تمتد تحت الأرض لكل المبانى.. وأخبرنى أحد الأصدقاء يعيش فى المجتمع الكرواتى أنهم شعب يعمل بجد واجتهاد ويمكننى مشاهدتهم فى الثامنة صباحا بداخل عربات المترو المكتظة بهم وهم فى طريقهم إلى عملهم ويتكرر المشهد مرة ثانية وثالثة عند عودتهم لمنازلهم وفى راحة وجبة الغداء.. فالعمل هنا يستمر حتى السادسة مساء يقطعه فقط ساعتان لتناول وجبة الطعام التى لا تختلف من مكان إلى آخر.. وحتى طلاب وطالبات المدارس نشاهدهم بعد انتهاء اليوم الدراسى فى طريقهم لمنزلهم يتجولون بين المحال التى تغلق أبوابها فى الثامنة مساء بدون استثناءات أو تحايل من أصحابها على الإجراءات التى يتم تطبيقها بصرامة وأن سبيلنا لشراء أى احتياجات بعد المواعيد الرسمية أن نلجأ للسوبر ماركت أسفل المحطة الرئيسية للقطارات التى تفتح أبوابها حتى منتصف الليل.. وحمدت الله أننى قد سافرت فى اليوم التالى إلى بلد آخر يعيش به مصريون.. فكانت وجبتا "الإفطار والسحور" طعاما مصريا خالصا مثل الذى أتناوله فى بيت أسرتى كل يوم.. مع سماع التواشيح الدينية والأغانى الرمضانية وحولى أصوات الشيوخ والآيات القرآنية فى كل الأوقات.. فلم أشعر بالأيام الباقية من رحلتى فى الغربة بأنى ابتعدت عن القاهرة بجمالها وتاريخها وعادات وتقاليد أهلها.. فقد انتقلت لى مصرنا العظيمة بعادتها وتقاليدها إلى هناك.. فشعور وإحساس المصريين بالشهر الكريم لا يوصف.

الطرشى من «الطرشجى»

 شهر رمضان ننتظره مسلمين مرة كل عام.. نستعيد له طوال شهرى "رجب وشعبان".. وكانت أمى −رحمة الله عليها− تتفنن فى إسعادنا وتقديم الوجبات الشهية فى تلك الأيام والصيام فى الأيام المباركة التى أوصى بها الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام.. وقبل أيام من شهر "رمضان" أسارع أنا وشباب "الحى" فى تعليق الزينات بالشوارع والحارات وزيادة "لمبات الإضاءة" ووضع فانوس ضخم بالبلكونة أو على باب شقتنا.. ويصطحبنى والدى ـ رحمة الله عليه ـ لشراء الفانوس الخاص بى وكان يصنع من "الصاج" وتستخدم فيه الشموع ويبدع العاملون فى تصميمه وصناعته لجذبنا إليه كل عام.. لنشعله كل ليلة ونتجول به ونحن نردد "وحوى يا وحوى إيوحه" و"أهلا شهر الصوم" وغيرهما من الأغانى الرمضانية التى كنا نحفظها عن ظهر قلب مع ضحكات طفولية صادقة وابتسامات تعلو شفاه الكبار.

طقوس الشهر الكريم نتوارثها من جيل إلى جيل وتتغير صورة الشوارع والحارات فيه.. فبائعو "الفول والفلافل والزبادى" يعملون ليلا لتجهيز وجبة السحور.. ونقضى النهار وخاصة الساعات القليلة قبل أذان المغرب لنحضر مائدة الإفطار التى غلبا تتضمن أشهى وأجمل الوجبات من الطواجن والصوانى.. ويزينها "سلطنية" المخلل المصنوعة بالمنزل أو من عند "الطرشجى" نستطعم مذاق صناعته ونتشارك فى صنع طبق السلطة الخضراء.. وتتسابق أيادينا لأكواب "البلح" وأحيانا "الخشاف" مع الإفطار.. ونسارع إلى "صينية" الكنافة وطبق "القطايف" وشرب مياه النيل المثلجة.. ونخرج للهو فى الليل ونستمتع بمسلسلات رمضان بعد أن نصلى "التراويح" ونستمع للدرس فى المسجد القريب.. ونتسامر انتطارا لصوت المؤذن تمهيدا لصلاة الفجر التى نؤديها لنبدأ يومنا التالى من أيام الشهر الكريم.. وقبل عيد الفطر بأيام نسارع إلى المحال لشراء ملابس العيد التى تحرص عليها كل عائلة.. ونشترى البلونات لنزين المنزل.. وكميات من الفول السودانى والحلوى والترمس لنبدأ احتفالنا بأول أيام العيد.. لنتبادل الزيارات والتهنئة.. وأخذ المصروف.. ونتناول الإفطار معا ونسرع لقضاء اليوم واليومين التاليين له فى سعادة ومرح يختلف طبقا للمكان الذى نعيش فيه.

شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن.. ولذلك دائما ما يعم الهدوء وراحة النفس فى أيامه ولياليه.. ويبدع كل منا فى قضائه فى طاعة الله عز وجل فقد بنى الإسلام على 5 أحدها.. صيام رمضان إيمانا واحتسابا لوجه الله عز وجل الكريم ولذلك يغلب فيه الطاعات.. وكل عام والأمة الإسلامية والبشرية بشكل عام بخير..  

البحيرة وأهل الصعيد

 ياللى من البحيرة وياللى من آخر الصعيد.. ياللى من العريش الحرة أو من بور سعيد.. هنوا بعضيكم وشاركوا جمعنا السعيد.. سينا رجعت كاملة لينا ومصر اليوم فى عيد. حقنا عاد بين إيدينا بالتمام أصل ما فى على الإرادة أى شيء بعيد.. سينا رجعت كاملة لينا ومصر اليوم فى عيد.. ليل نهار عاهدونى نبنى ليل نهار لجل مصر بلدنا تبقى فى ازدهار.. نبنى ونحولها جنة بالعمار.. بكرة أحلى من النهارده.. هكذا وصفت "شادية" مصرنا التى تعيش فى عيد من كلمات عبد الوهاب محمد.. فقد نجحنا فى كل المواقف التى تمر علينا بالغناء والكلمات الناعمة التى تتعلق بالصدور ونحفظها عن ظهر قلب.

لى ذكريات عديدة مع شهر رمضان فانتصارات أكتوبر 73 كانت فى نفس الشهر ومازلت أتذكر بيانات العبور وتحطيم خط "بارليف" وكيف محونا سنوات الهزيمة واسترددنا أرضنا الطاهرة التى حاول "إخوان" الشر أن يسلبوها منا.. وفى العام التالى للحرب قضيت أياما من الشهر الكريم فى تدريبات للاشتراك بالاحتفال الذى أقيم باستاد القاهرة ومازلت لسنوات عديدة احتفظ بثياب القوات البحرية التى كنت مشتركا بها فى الاستعراض.. وكانت أيام رمضان هى فترة الامتحانات بالجامعة وأتذكر تلك الأيام بسعادة غامرة ونقاء بالمشاعر وتجمعنا على أوراق الامتحانات كما نتجمع على مائدتى الإفطار والسحور.. وأتذكر استعداداتنا للاحتفال بعيد الفطر وإحضار الملابس الجديدة.. وتسارعنا بصيجان الكعك بالملبن والبسكويت والبيتى فور وفطير العجوة إلى الفرن القريب من منزلنا لنقضى أياما من المتعة فى انتظار الولائم الدسمة.. والفسح والخروجات إلى الملاهى والمناطق الأثرية والسير على كورنيش النيل وركوب الدرجات المزينة واللقاءات الحميمة مع الجيران وتسبقنا التهنئة بالعيد ولا أنسى زميلى عاطف مسيحى الديانة بالمرحلة الابتدائية ووالدته التى تسارع بالتهنئة وفى أعيادهم تحمل أطباق الكعك والبسكويت إلينا ونحن أيضا نسارع إلى منزلهم فى أعيادنا.. فقد كان المصريون جميعا نسيجا واحدا لافرق فكلنا مصريون ونسيج واحد.. كنا شعبا ومازلنا متلاصقين.. وتحيا مصر شعبا واحدا وأرضا واحدة.

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة